kayhan.ir

رمز الخبر: 40543
تأريخ النشر : 2016June21 - 18:28

داعش... بعد معارك الفلوجة

عادل الجبوري

على امتداد عامين من المعارك الشرسة للجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي وأبناء العشائر ضد عصابات داعش الإرهابية، لم يشهد العراق مظاهر فرح وبهجة وسرور كتلك التي شهدها بعد الإعلان عن تحرير مدينة الفلوجة يوم الجمعة الماضي.

وفي الواقع لم يكن تحرير جرف النصر وسامراء وبيجي والعلم والضلوعية وتكريت ومناطق ومدن اخرى عديم أو قليل الأهمية، بل انه لا يقل أهمية عن تحرير الفلوجة، بيد ان أسبابًا متعددة جعلت المظاهر الاحتفالية في الشارع العراقي بتحرير الفلوجة تأخذ مدى أوسع واشمل، وتشغل حيزا اكبر في مساحات التغطيات الإعلامية لمجمل الحدث، علما ان المظاهر الاحتفالية في الشارع لم تكن السمة الوحيدة في ظل اجواء ومناخات التحرير.

ولعل الكل يعلم ان مدينة الفلوجة التي لا تبعد اكثر من ستين كيلومترا غرب العاصمة بغداد وقعت تحت سطوة الجماعات الإرهابية بعد وقت قصير جدا من سقوط نظام صدام في ربيع عام ٢٠٠٣، ومنها انطلقت وفيها تأسست ثقافة حز الرؤوس وتقطيع الاجساد على أساس الانتماء المذهبي والطائفي.

وعلى امتداد اثني عشر عاما بقيت الفلوجة خارج نطاق سيطرة ونفوذ الحكومة العراقية، ولم تفلح المحاولات المتعاقبة لاستعادتها وطرد الارهابيين منها، لأسباب ذاتية وموضوعية، لم يكن الأميركان بعيدين عن جزء منها، لاسيما وأنهم كانوا حتى نهاية عام ٢٠١١ يتحكمون بالقدر الأكبر من مقدرات العراق الأمنية والسياسية.

لاشك ان ما جعل الجماعات الإرهابية، بدءا بتنظيم القاعدة وانتهاء بتنظيم داعش، تتشبث بالفلوجة وترمي بكل ثقلها للاحتفاظ بها، هو موقعها الحساس كحلقة وصل بين محافظات مختلفة، هي العاصمة بغداد وبابل وكربلاء المقدسة والانبار، ما يتيح للجماعات الإرهابية ان تتخذها منطلقا لتنفيذ عملياتها الاجرامية وابقاء التهديد على بغداد والعتبات المقدسة باتجاه الجنوب قائما، مع السعي الحثيث للتمدد الى ما هو ابعد من الفلوجة، وقد نجح الارهابيون في ذلك بنسبة معينة، مستفيدين من ضعف الأجهزة الأمنية والقوات العسكرية والفساد المستشري فيها، والخلافات والتقاطعات السياسية المزمنة، والدعم الخارجي، اضافة الى توفر الحواضن المحلية عبر وسائل الترهيب والترغيب.

كل ذلك دفع ساسة وقادة عسكريين وخبراء ومحللين في مجال الشؤون الأمنية الى القول والتأكيد في مناسبات مختلفة على ان تحرير الفلوجة من الإرهاب يبدو ضربا من الخيال، خصوصا وان الإرهابيين اسسوا فيها وجودا قويا ومحكما خلال اثني عشر عاما، ناهيك عن ذلك فإن تقاطع الاجندات والأولويات الخارجية مع الاجندات والأولويات الداخلية الوطنية غالبا ما عطل خططا عملية وبدد جهودا مخلصة لتخليص العراق-وليس الفلوجة فحسب- من الإرهاب التكفيري القاعدي ومن ثم الداعشي وما ارتبط ويرتبط بهما من مسميات وعناوين متنوعة.

العلم العراقي يرفرف في الفلوجة

وهناك نقطة اخرى، جعلت عملية تحرير الفلوجة تبدو صعبة ومعقدة، او كما صورها البعض بأنها ضرب من الخيال، الا وهي قيام حزب البعث المنحل بتوظيف كل خبراته وإمكانياته الاستخباراتية والأمنية وتجاربه العسكرية، للإبقاء على الفلوجة في قبضة الجماعات الإرهابية التكفيرية، وقد تعاون الحزب المذكور مع تلك الجماعات على نطاق واسع لتحقيق ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار ان عددا لا يستهان به من أبناء الفلوجة كانوا يعملون في صفوف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والحزبية في عهد النظام السابق، والبعض منهم كان يشغل مواقع مهمة وحساسة ومحورية، وقد تسبب لهم سقوط النظام بردة فعل عنيفة دفعتهم الى العمل بكل الوسائل لتخريب الواقع الجديد.

والنقطة الاخرى، التي ربما تكون الأكثر أهمية، رغم انها رمزية، تتمثل في ذلك الضخ الإعلامي المتواصل من شتى الأطراف، بأن الفلوجة هي الفيصل، ومن يسيطر عليها يكون قد كسب المعركة بصرف النظر عما هو متحقق سابقا، وطبيعي ان ذلك يندرج في إطار الحرب النفسية التي تمثل في كثير من الاحيان العامل الحاسم في المعارك والحروب معززة بظروف ومعطيات الميدان.

وفي الإطار العام فان سمة التفاؤل كانت غائبة عن مجمل معالم وملامح الصورة الكلية لمشهد الصراع مع تنظيم داعش، وهذا ليس بالأمر الغريب بحكم تراكمات وإسقاطات وقائع واحداث الأعوام الاثني عشر المنصرمة.

بيد ان العامين الماضيين وما تخللهما من انتصارات متوالية على داعش، لا في العراق فحسب، وإنما في سوريا وأماكن اخرى، غير بوصلة القراءات، وبلورة خارطة صراع جديدة دخلت فيها عناصر أساسية ومهمة بقوة وزخم اكبر، مثل المرجعية الدينية، والحشد الشعبي بمختلف مسمياته، والجمهورية الاسلامية الإيرانية، وكذلك الحشد العشائري المنبثق من بيئة المكون السني الذي كان ومازال تنظيم داعش يراهن عليه لكسب المعركة.

دخول تلك العناصر حجَّم دور وتأثير العناصر الداعمة للجماعات الإرهابية ضمنا او صراحة، مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات وتركيا، وقوى دولية واقليمية اخرى، الى جانب قوى محلية اما ارتهنت بيد داعش، او انها تسعى الى استخدامه كورقة لتحقيق مكاسب سياسية وغير سياسية.

اليوم وبعد تحرير الفلوجة والاقتراب من إنجاز عملية تحرير نينوى، فإن الصورة تكاد تكون قد تبدلت بالكامل، وحديث حلفاء تنظيم داعش والداعمين له بات يتمحور حول مرحلة مابعد داعش، اي بعبارة اخرى، تبلورت قناعة تامة او شبه تامة، بان داعش انتهى وانهار في العراق، وهو في طريقه الى الانهيار الكامل في سوريا، وأي حوارات ومفاوضات لاحقة من على الطاولات لابد ان تنطلق من تلك الحقيقة، ولعل الأشهر الستة المتبقية من هذا العام ستشهد اكتمال تبلور ملامح ومعالم مرحلة مابعد داعش في العراق على أدنى تقدير، واغلب الظن سيشهد الشارع العراقي المزيد من المظاهر الاحتفالية التي اعقبت تحرير الفلوجة، لكن تبقى هناك تحديات ومصاعب كبرى تواجه الجميع في مرحلة مابعد داعش، تحتاج الى قدر كبير من الحكمة ونكران الذات وغض الطرف عن بعض الأخطاء والسلبيات لتجاوز تلك المصاعب والتحديات بأقل نسبة من الخسائر والاستحقاقات.