الإرهاب التكفيري والتطرف الغربي وجهان لكراهية واحدة
سركيس ابو زيد
أصبح الارهاب خطراً حقيقياً يهدد كل دول العالم دون استثناء، يضرب كيفما ومتى شاء، موقعاً ضحايا مدنيين من كافة المذاهب والملل فلا دين ينتمي إليه ولا حدود جغرافية يقف عندها. مما زاد من انتشار ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في المجتمعات الغربية رافق ذلك تصاعد نبرة الخطاب السياسي اليميني الغربي المتشدد ضد المسلمين.
فخلال السنوات التي أعقبت اعتداءات 11 أيلول 2001 ، وصولاً إلى هجوم أورلاندو، سُجل تصاعد الخطاب السياسي الغربي المتشدد، وهو يكاد يكون شعبويا لا حكوميا، رافضا لهذا الحضور التعددي بدرجة أو بأخرى. ولعل أفضل الأوقات التي تبيح فيها الصدور بمكنوناتها هو زمن الانتخابات التشريعية والرئاسية، حيث يكثر العزف على كل الأوتار وفي مقدمتها وتر "الإسلاموفوبيا".
ففي أعقاب المجزرة التي ارتكبها الأميركي من أصل باكستاني سيد رضوان فاروق وزوجته الباكستانية تشفين مالك مطلع كانون الأول الماضي، والتي أودت بحياة 14 من زملائهما في مركز صحي بضواحي مدينة سان برناردينو في جنوب ولاية كاليفورنيا، أعلن المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب أنه:" بات من الواجب النظر إلى جميع المسلمين بشك وريبة. كما علينا أن ننظر في المساجد لمعرفة ما يجري هناك". ودعا ترامب إلى "فرض حظر شامل وكامل على دخول \جميع المسلمين لأراضي الولايات المتحدة إلى أن يتمكن ممثلو بلدنا من معرفة ما يجري".
دونالد ترامب لم يُوقف استغلاله السياسي عند هذا الحد، وإنما تعداها إلى توظيف المجزرة التي ارتكبها الأفغاني الأميركي عمر صديق متين في ملهى في أورلاندو مؤخراً ، والتي أودت بحياة خمسين شخصا، في حملته الانتخابية الى البيت الأبيض . وتعهد إثرها ترامب بسياسة "أكثر بطشا ضد الإرهاب والتطرف الإسلامي" على حد قوله. واستغل ترامب الاعتداء للنيل من أداء الديمقراطيين وفي مقدمهم الرئيس اوباما الذي وصفه بأنه "ضعيف" ودعاه إلى الاستقالة. وقال إن منافسته الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون "غير كفوءة وتريد قبول لاجئين سوريين حيث اعتبرهم "جزءا من المعضلة والتهديد للولايات المتحدة". ولم يتردد ترامب في اتهام مسلمي أميركا بـ"التواطؤ، وبأن قلوبهم ممتلئة بالبغض، ويجب أن نعرفهم".
طبعاً هذا الكلام يدخل في مجال "البروباغندا" الإعلامية، حيث يمكن فهم موقف المرشح الجمهوري الذي لا يملك، مع اقتراب النزال الانتخابي الكبير في تشرين الثاني المقبل، سوى تسجيل النقاط على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، من الخاصرة الرخوة لسياسات باراك اوباما، الذي تتزايد يوما بعد يوم الشكوك بشأن استراتيجيته المعلنة في أواخر العام 2014 ، والمرتبطة بالحرب على الارهاب.
ومن المؤكد أن "حادثة أورلاندو" ستحتل الحيز الأكبر في الحملات الانتخابية بين ترامب وكلينتون. وحتى الآن، يبدو دونالد ترامب الأكثر قدرة على استثمار الهجوم انتخابيا، مقارنة بغريمته الديمقراطية.
هذا الوضع في الولايات المتحدة فيما يخص "الإسلاموفوبيا" يختلف عما هو عليه في أوروبا. فالمشهد يبدو من "متناقضات القدر" إن جاز التعبير، ذلك أن أوروبا ذات جذور دينية مسيحية، غير أن العلمانية الجافة المسطحة هي السائدة. أما الولايات المتحدة فدولة علمانية بحكم الدستور، لكن التعبير المعروف هو أنها "علمانية الهوية" لكنها فعليا مغرقة في "الهوى الديني"، ومرد ذلك الى نشأتها التي اعتبرها الآباء المؤسسون نشأة تشابه "كنعان الجديد" بالنسبة للشعب اليهودي. ولعقود تم النظر إلى "بلاد العم سام" على أنها "بوتقة الانصهار" لكل الجنسيات والأعراق، والأديان والمذاهب، وعليه فإنها تستوعب كل مهاجر إليها، يهوديا كان أو مسلما أو مسيحيا أو بوذيا أو هندوسيا.. إلخ.
الارهاب بين اوروبا والولايات المتحدة الاميركية
هذا التباين في النظرة الأوروبية والأميركية إلى الاسلام المتشدد أو المتطرف، دفع الدكتور ماثيو ليفيت، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى القول: إن "مشهد المتشددين المتلبسين لُبوس الإسلام في الولايات المتحدة يختلف كثيرا عن الواقع الأوروبي". وعزا مشاركة الأميركيين الضئيلة نسبيا في القتال الدائر في كل من سوريا والعراق إلى عدة عوامل، منها:
-بُعد المسافة بين أميركا والشرق الأوسط. والقدرة على السفر من أوروبا إلى الشرق الأوسط أسهل بكثير.
-مسلمو أميركا منخرطين بصورة أفضل في مجتمعاتهم مما هم عليه في فرنسا، أو دول أوروبا بشكل عام، حيث يعانون التهميش، ما يخلق في أوروبا ظاهرة اجتماعية مؤهلة أكثر لاعتناق الآيديولوجيات العنفية".
في السياق نفسه، أشار الدكتور ليث سعود، الأستاذ المساعد للدراسات الدينية في جامعة دي بول بمدينة شيكاغو إلى "الفرق الجذري في التركيبة السكانية بين الولايات المتحدة وأوروبا: ففي بلد مثل ألمانيا مثلا، 75 % هم من السكان الأصليين، أما في الولايات المتحدة فالسكان بأجمعهم هم أحفاد المهاجرين، ثم إن أوروبا لم تشهد موجات هجرة إلا في الآونة الأخيرة. وبالتالي فإن الأميركيين المسلمين أكثر ثراء وأفضل تعليما مما هم عليه في أوروبا. ثم إنه من الواضح أيضا أن مسلمي أميركا لا يبدون متأثرين بإغراءات "داعش" ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا. يضاف عليه أن المجتمع المسلم في الولايات المتحدة متعاون للغاية مع إجراءات تطبيق القانون.
أما بوبي جيندال، حاكم ولاية لويزيانا الجمهوري -وهو من أصل هندي- فقد حذر الأميركيين من إقدام المسلمين على إنشاء مناطق خاصة بهم، تكون السكنى فيها محظورة على غير المسلمين. وأرجع ذلك إلى "إخفاق المسلمين في الاندماج بالثقافة السائدة في المجتمع الأميركي" والخصوصيات الإثنية والعرقية التي يتمتع بها الأميركيون عبر التاريخ وحتى الساعة.
لكن، وسط هذه الأصوات الغربية المتطرفة بتصريحاتها تجاه المسلمين عامة، يُدركنا سؤال، عن رأي مشيخة الأزهر في القاهرة عن "ظاهرة الإسلاموفوبيا" . وهي المؤسسة التعليمية الأكبر في العقيدة والعبادة والتعليم في العالم الإسلامي .
فعلى إثر ازدياد الخطاب العدائي للمسلمين من اليمين السياسي الغربي ، أعلن الأزهر أن "الإسلاموفوبيا" تمثل إحدى الوسائل القوية التي يُستعان بها في تجنيد الشباب للفكر المتطرف، حيث يتم استغلال حالات التمييز والتهميش والاعتداءات التي تحدث ضد المسلمين في المجتمعات الغربية، لحثهم على التنكر لقيم المجتمع الذي يعيشون فيه، واعتناق أفكار متطرفة لا يقبلها الدين ولا تقرها القوانين الإنسانية، لا سيما عبر دعم ذلك بنصوص شرعية مجتزئة من سياقاتها." وأوضح :"أن تنظيم داعش الإرهابي يسعى لتخريج جيل جديد من المواطنين الأوروبيين القتلة الذين لا يحبون إلا رؤية مشاهد الدماء والقتل والذبح. " لذلك يجب أن تتوحد جهود المجتمع الدولي للتصدي لأفكار وسلوك "داعش" الإرهابي. لافتا في الوقت نفسه إلى "ضرورة التفرقة بين الإسلام كدين وبين أعمال بعض المنتسبين إليه، ممن يرتكبون جرائم تهتز لها القلوب وتستنكرها جميع الأديان".
لكن التطرف الغربي لا يريد سماع أصوات الاعتدال الإسلامي فهو ما زال يستغل ويوظف الإرهاب التكفيري من اجل تصعيد موجة الكراهية ضد المسلمين في الغرب مما يبرر القيود التي تفرض على المسلمين في اوروبا وأميركا كما يبرر الحروب التي تخاض ضد المسلمين في ديارهم .