عبوة الفتنة في فردان يجب أن تفشل
شارل أبي نادر
في أجواء من الاشتباك السياسي والاعلامي تشهده الساحة اللبنانية حاليا على خلفية تطبيق العقوبات المالية الاميركية على حزب الله، قادة ونوابا ومؤسسات ومناصرين، جاء الانفجار الذي استهدف المركز الرئيس لبنك لبنان والمهجر في منطقة الحمرا في بيروت عبر عبوة ناسفة صغيرة، أتت اضرارها المادية بسيطة نسبيا ودون اصابات جسدية ذات اهمية، ليضيف الى هذا الاشتباك مادة مثيرة للنقاش وللتحليل وللاتهامات يمينا ويسارا.
للوهلة الاولى، يمكن لمجموعة ليست بسيطة الذهاب في استنتاجاتها حول الجهة التي تقف وراء التفجير الى إتهام حزب الله، وذلك في حال تمت مقاربة الموضوع من خلال تحليل بسيط، عفوي وأولي يعتمد على اعتباره رسالة للتعبير عن استياء وانزعاج وعدم موافقة الحزب لسياسة مصرف لبنان التي تنفذ قرارات مالية اصدرتها الولايات المتحدة الاميركية استنادا لسطوتها على النظام العالمي المالي من خلال قوانينها المالية.
في الحقيقة، ومن خلال دراسة موضوعية لما يتعرض له حزب الله حاليا، اولا على خلفية تصديه ومقارعته للعدو الاسرائيلي، وثانيا على خلفية مواجهته الواسعة للارهاب، تُشن على الحزب حروب متعددة يشترك فيها كل من:
- اسرائيل، امنيا من خلال ملاحقة واستهداف قادته، وعسكريا عبر ملاحقة خطته الدائمة للحصول على اسلحة متطورة وكاسرة للتوازن، وايضا عبر خطط عسكرية وتحضيرات وتدريبات متواصلة لمواجهة عناصره وذلك في حرب باردة تدور في كل مكان قد تصل الى المقاومة.
- المملكة العربية السعودية التي تشترك في حملة اعلامية وسياسية وديبلوماسية ومالية عنيفة ضد حزب الله على خلفيات متعددة اهمها وقوف الحزب سدا منيعا بوجه مخططاتها الرامية الى فرض سلطتها على دول عدة في المحيط، من خلال دعمها الواسع للارهابيين في معارك تقودها بوحداتها الخاصة مباشرة اوعبر مجموعات محلية عميلة، طوعتّها وجندتّها لذلك .
- الولايات المتحدة الاميركية، وايضا من ضمن رعايتها لاسرائيل وللمملكة في حرب الاخيرتين ضد محور المقاومة بشكل عام وضد حزب الله بشكل خاص، من خلال ديبلوماسيتها النافذة ومخابراتها الفاعلة وقدراتها الاقتصادية والمادية الضخمة، او من خلال تحكمها بالنظم المالية العالمية لاسباب واسباب.
تفجير من اجل الفتنة
عمليا، لقد فشلت هذه الحروب التي شنت وتشن على حزب الله من قبل الدول المذكورة والتي اخذت اكثر من طابع ومنها اتهام الحزب بالارهاب بهدف تأليب الرأي العام المحلي والاقليمي ضده، ومنها ايضا الضغط على بيئته المؤيدة وخاصة في المحيط العربي والخليجي بلقمة عيشها وباعمالها وبمصالحها، وجاءت نتائجها معاكسة لما رمت اليه، فتثبتت اكثر مصداقية الحزب في استراتيجيته الاستباقية ضد الارهاب، وما الحراك الدولي الديبلوماسي، او الحراك العسكري الاوروبي والاميركي في شمال وشرق سوريا وفي العراق سوى خير دليل على ذلك، وذهب الكثيرون من معارضيه السابقين في حربه تلك الى اقتناع قسم منهم برؤيته فاصبحوا من مؤيديه، واتخذ القسم الآخر موقف الحياد في ذلك بعد ان كان معارضا شرسا لهذه الاستراتيجية.
كل ذلك جعل هذه الجهات المذكورة تبحث عن مناورة اخرى، تميزت خطوطها العريضة من خلال العمل على استغلال الجو العام المشحون لدى بيئة وقادة الحزب المستائين من هذه الحرب المالية التي تطال لقمة عيش وشرايين المقاومة، والتي تطال نظام المحاسبة والتمويل والادارة لمؤسسات الحزب الاجتماعية والطبية، فضربت تلك الجهات الفاعلة والقادرة مخابراتيا وامنيا ضربتها عبر التفجير المشبوه، فاختارت مكانا يسهل عليها العمل فيه حيث الفنادق والشركات والسفارات التي تعج برجال المخابرات الاجانب (السواح) .هكذا يسهل استدراج الرأي العام البسيط والساذج للذهاب نحو اتهام الحزب بالتفجير، والهدف من وراء ذلك هو الفتنة.
واخيرا ... قد يكون الانفجار بسيطا، حيث لا وجود لاضرار مادية مهمة ولا وجود لاصابات في الارواح، ولكن يمكن اعتبار هذا الانفجار، ومن خلال ما رمى اليه ومن خلال الاستراتيجية الخطرة التي تم التخطيط لها من خلاله، انفجارا ضخما وعبوة مدمرة، زُرعت ووُضعت في مكان مختار بعناية، وفي توقيت حساس وبطريقة مشبوهة وخبيثة، وعلى اصحاب الشأن وحتى على اصحاب غير الشأن ان يعوا وينتبهوا ويواجهوا الفخ بالحكمة وبالتروي، وتبقى مسؤولية الدولة في اكثر من ناحية طبعا ولكن اهمها العمل على كشف منفذي التفجير ومن يقف وراءهم، واستلام زمام المبادرة في موضوع العقوبات المالية وطريقة تطبيقها ، ونزع الامكانية من يد بعض المصارف غير البعيدة بمجالس ادارتها وبمساهميها عن الارتهان للجو المعادي للمقاومة بطريقة او بأخرى .