kayhan.ir

رمز الخبر: 40138
تأريخ النشر : 2016June14 - 19:56

العقل الأمريكي في سوريا .. تابع : هل من مشروعٍ جديد ؟

حسن شقير

لم يكن العقل السياسي الأمريكي المعني بالأزمة السورية ، أقل تحفزاً اليوم من الأمس ، بمحاولته استشراف بواطن الضغط على من أجبره في الثلاثين من سبتمبر الماضي ، على الدخول قسراً في نفق التخلي عن الإستثمار بالإرهاب الضارب في سوريا ، لصالح وراثته هناك ..

ولعل مرد هذا التحفز لديه ، ينطلق من خلال بحثه الدائم عن ضرورة الخروج من تلك الزاوية الحرجة التي أحاطت به ، وذلك من خلال استشراف الأليات والإستراتيجيات ، والتي تضمن مصالحه ومصالح الكيان الصهيوني في سوريا أولاً ، ومصالح حلفائه في الإقليم ثانياً ..

لم تكن أمريكا الداخلة في عصر الوراثة الجغرافية للإرهاب المزروع في سوريا ، لتُسلّم بهذه السهولة بأن يكون محور الممانعة في الميدان السوري ، له النصيب الأكبر من تلك الجغرافيا التي سطت عليها الجماعات الإرهابية – وبدعم أمريكي مباشر أو غير مباشر – ، وذلك كون أن أطراف هذا المحور ، لهم الوحيدون القادرون على ذلك ، وخصوصاً أن ما يُسمى بمعتدلي المعارضة السورية ، ليسوا كذلك ، وقد كان ميدان ريف حلب الشمالي خيرُ شاهدٍ على ذلك .

لقد أصبح مفضوحاً لدى القاصي والداني ، بأن أمريكا من خلال حلفائها في الإقليم ، والجماعات المرتبطة بهم في الميدان ، هي من أخلت بخريطة طريق الحل ، التي قدمتها روسيا في ذاك الإجتماع الرباعي في الإسبوع الأخير من شهر تشرين الأول الماضي ، والذي ضم وزراء خارجية روسيا وأمريكا والسعودية وتركيا ، وقد خرج جون كيري يومها ، ليُصرّح بأنه " تم الإتفاق مع روسيا على السير بألية جديدة لحل الأزمة السورية " ، والتي سرعان ما ظهرت في بيان فيينا ذو النقاط التسع ، والتي تأطرت لاحقاً ضمن القرار ٢٢٥٤ .

لقد تجلى الخرق الأمريكي للمرحلة الأولى من خريطة الطريق الروسية تلك، والتي كانت تعتمد على صيغة رابح – رابح ، بحيث كان يفترض من خلالها ، فرز أولئك المعتدلين عن الإرهابيين في الميدان ، وذلك مقابل تجميد القتال والقصف الجوي على أولئك ، مقابل إقفال منافذ ومصبات الدعم للإرهابيين من تركيا والإردن

هذه المماطلة الأمريكية لتنفيذ المرحلة الأولى تلك ، مردها – وكما بيناها سابقاً في مقالة "العزل والحصار في السياسة والميدان” – إلى أن الإستراتيجيتين العسكرية والسياسية التي اتبعتهما روسيا مع أطراف محور الممانعة ، جعلت من مشروع " حرب الوكلاء " – الذي حذّر منه لافروڤ في مؤتمر صحفي مع جون كيري – ، مشروعاً مطوقاً وموؤوداً قبيل ولادته ، وذلك كنا قد فصلنا فيه في تلك المقالة .

لم تستسلم أمريكا أمام تلك الاستراتيجية الوائدة لمشروعها ذاك ، فبدأت بالتلويح بما أسمي ب " الخطة " ، والتي كثُر الحديث عن مغازيها ومقاصدها ، والتي تزامنت مع تشكل ما سُمي بالتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب ، والتلويح بالتدخل العسكري المباشر في سوريا ، وذلك تحت ذريعة مكافحة الإرهاب .. إلى أن بترت روسيا وإيران مجدداً لهذا التدخل ، وذلك تجلى في اتفاق " وقف العمليات العدائية " والذي كان في السابع والعشرين من فبراير الماضي ، والذي تأطر أيضاً ضمن القرار الدولي ٢٢٦٨ ، والذي كان بمثابة السيف القاطع لمشروع حرب إقليمية ، وربما دولية ، تنطلق شرارتها من سوريا ، وذلك بحسب تشبيه الرئيس بوتين ، لمفاعيل ذاك الإتفاق بمفاعيل إتفاق نزع الأسلحة الكيميائية السورية في صيف العام ٢٠١٣ .

تابع العقل السياسي الأمريكي ، متكاملاً هذه المرة مع العقل الصهيوني ، وذلك في سبيل الوصول بسوريا المقبلة إلى ما يشتهيه أرباب السياستين الأمريكية والصهيونية ، وقد كان الميدان أيضاً هو المكان المفضّل لهم ، وقد تجلى ذلك من خلال فصلتُ فيه أيضاً في مقالة نشرتها سابقاً حول تطور النظرة الأمريكوصهيونية ل " الخطة ب " في سوريا ، والتي اعتمدت على تيئيس روسيا من الفعل الميداني لحلفائها ، وذلك من خلال الدعم الهائل للمجاميع الإرهابية بكافة أنواع الأسلحة ، والتي جرت خلال سريان الهدنة ، وقد نتج عن ذلك تحقيق هؤلاء لبعض الإختراقات الميدانية في ريفي حلب الجنوبية واللاذقية الشمالي .. وقد تبيّن مدى سعة هذا الدعم في عدم تمكن الهجومات المعاكسة من استعادة الأرض في تلك المناطق .. وكانت رؤية روسيا لسوريا هي المرصودة ، والمطلوب تعديلها لدى أمريكا وتحالفها في المنطقة .

لقد كان القرار المبرم الذي اتخذته اطراف الممانعة في سوريا ، في ضرورة الخلاص من الإرهاب في سوريا ، رداً مباشراً على ذاك التعويل الصهيوأمريكي على الوتر الروسي ، وذلك كان غداة استشهاد القيادي في المقاومة مصطفى بدر الدين ، والذي أعلنه السيد نصرالله بعد اسبوع من استشهاده ، متزامناً مع كلامٍ لوزير الدفاع الروسي شويغو ، حول انتهاء المهلة الزمنية للسير بالتنفيذ الفعلي للمرحلة الأولى من خريطة الطريق الروسية ( الفصل بين الإرهابيين والمعتدلين) ، ليليه بالأمس القريب ، انعقاد الإجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع لكل من روسيا وسوريا وطهران ، والذي أرسى المداميك التكتية للتكامل في السير بتلك المرحلة ، والتي بانت تباشيرها من ريف حمص الشرقي ، وريف الرقة الغربي ، والتقدم الجاري هناك..

بطبيعة الحال لم يستسلم هذا العقل الأمريكي من إمكانية إنتاج صيغٍ متجددة للخطة ب ، وقد عُبّر عنها بما تضمنته مسودة مشروع كارتر لسوريا الجديدة ، وتماهيه مع ما ورد في وثيقة ديمستورا لناحية دور القوات المسلحة السورية في الدستور الجديد ، والذي يخدم أولا ً وأخيراً مشروع نتنياهو في " أزلية الإحتفاظ " بالجولان المحتل ، وإقامة ما سُمي بوحدة الإرتباط مع الجانب المحرر منه ، والذي يرزح بقسم كبير منه تحت نير الجماعات الإرهابية ، وبرعاية صهيونية مباشرة .

تابع هذا العقل الأمريكي بحثه حول الإلتفاف على ما صدر من موسكو ودمشق وطهران ، حول تلك المسودة الدستورية المشؤومة ، وذلك كان من خلال ارغام تركيا على رفع الفيتو على عبور قوات سوريا الديمقراطية لغرب الفرات ، وذلك بعد أن كانت قد رفضت ذلك بشدة عند محاولتها التقدم في تل رفعت ولناحية الشرق ، وذلك من خلال الدخول العسكري المباشر ، عبر قصف القوات الكردية ..

صحيح أن تركيا قد بررت موافقتها على انطلاق قوات قسد نحو مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرق ، وذلك بأن القوات العابرة لغرب الفرات ، تتشكل بمعظمها من قوات عربية وليست كردية ( الوقائع الميدانية تنفي ذلك ) ، وأن المدينة وريفها بعد تحريرها سيتم تسليمها لمجلسٍ محلي يدير شؤونها ، وهذا الكلام نفسه قيل حول مدينة الباب ، ومدينة الرقة أيضاً

بالعودة قليلاً إلى مشروع الدستور ( الذي تناولنا منه سابقاً " دور القوات المسلحة " ) ، فإنه يلحظ تشكيل ما يُسمى بجمعية المناطق ، والتي حدد لها دورٌ قيادي في العملية السياسية في سوريا برمتها ..والتي تمتلك صلاحيات تفوق صلاحيات الرئيس ومجلس الوزراء ، و " جمعية الشعب " البديل لمجلس الشعب في الدستور الحالي

بالأمس القريب تلحفت أمريكا وبريطانيا وفرنسا بالعامل الإنساني في سوريا ، وذلك من خلال تهديد هؤلاء ، بأن المساعدات الإنسانية ستلقى من الجو في حال لم تحصل عن طريق الأرض ، وهذا الأمر – وإن كان من حق كل مواطنٍ سوري في الحصول على الطعام والإستشفاء – ، إلا ّ أن هذه الدول ، والتي تنطلق في سياساتها من زوايا المصالح السياسية ، أكثر منها الإنسانية … تريد من وراء ذلك أن تصيب عصفورين بحجرٍ واحد ، ومن الباب الإنساني : الأول يتجلى بتقويض القرار السيادي للدولة السورية في كيفية معالجة بعض ملفات الأزمة الناتجة عن سطوة المسلحين على بعض المناطق فيها ، والثاني يتمثل هو الأهم لدى هؤلاء ، والذي يتمثل بضرب مشروع المصالحات بين هذه المناطق والدولة السورية ، وذلك لغايةٍ في نفس أمريكا وردت في مشروع الدستور المشار إليه أعلاه حول النظام السياسي المطلوب لسوريا الجديدة

قد يتساءل البعض ما علاقة الوراثة الجغرافية لبعض المدن من قبل حلفاء أمريكا في الميدان ، وتشكيل المجالس المحلية لإدارتها ، وإقامة نظام مستدام لدخول المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق ، وتثبيت نظام الهدن العسكرية فيها … مع ما ورد من بنود في مشروع دستور كارتر المشار إليه أعلاه ؟؟؟

لنستشرف قادم الأيام في سوريا : مناطق جغرافية وازنة ، بعضها يُحكم بإداراتٍ محلية ، تحوز الرضى الأمريكي ، مع نظام تهدئة شامل ، وبرنامج دوري لإيصال المساعدات إليها … مع عودة مرتقبة لمباحثات جنيڤ ٣ ، بجولة جديدة … ومع تمسك وفد المعارضة – وتحديداً منصة الرياض – لكيفية إخراج الفترة الإنتقالية السياسية بشكل معاكس لرؤية الحكومة السورية لها

أختم بأسئلة مشروعة : هل تخطط أمريكا لإقامة نماذج حكمٍ محلية ، قد تعمل على تعويمها لدى الفئات الشعبية التي تحتضنها تلك المناطق ؟ وهل يمكن أن يكون الأرنب الأمريكي الجديد ، والذي قد تطرحه على الطاولة عند بقاء التناقض بين رؤيتي الدولة السورية وللمعارضة المحسوبة على أمريكا على حاله ، وذلك برمي مشاريع الاستفتاء الشعبي ، وذلك بحجة تنشيط مسار جنيڤ التفاوضي ، والذي يكون قد وصل إلى طريق مسدود ؟؟ وهل يكون المزاج الشعبي في هذه المناطق ، هو الملعب الجديد للسياسة الأمريكية ؟؟

للمشككين أقول : لا تنسوا حديث أوباما حول تعويم سياسة الإصلاحيين على المحافظين في إيران فيما لو حدث اتفاق نووي معها … ولا تنسوا توصية أوباما لبعض محللي السياسة الصهاينة على هامش مؤتمر سابان ٢٠١٣ ، حول دعوة نتنياهو " بأن يجعل نموذج حال الشباب في الضفة الغربية " نموذجاً يحتذي به الشباب الغزّي ، وذلك " للإبتعاد عن فكرة المقاومة " ، ولا تنسوا ما يجري اليوم في أمريكا اللاتينية ..