السلطان" بين تفجيرات الداخل ومعركة حلب المنتظرة .. ما العمل؟
ماهر الخطيب
لا يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأفضل حال، في هذه الأيام، فالرياح لا تجري كما كانت تشتهي سفنه، حيث تحاصره الأزمات من كل إتجاه، بعد أن كان يحلم بإعادة "أمجاد" السلطنة العثمانية السابقة، من خلال توسع نفوذه في بعض البلدان العربية والإسلامية، بعد فشل كل محاولات الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي.
بالنسبة إلى "السلطان"، كان الرهان على أحداث ما يسمى بـ"الربيع العربي" لتحقيق الإنجازات الكبرى، لكن تلك الأحداث لم تبق على المسار الذي كان يريده، خصوصاً بعد إنفجار الأوضاع على الساحة السورية، بالإضافة إلى سقوط نظام حركة "الإخوان المسلمين" في مصر، التي خرج أركانها من السلطة إلى السجن مباشرة.
في جردة حساب سريعة، أضاع الرئيس التركي في البداية فرص التوصل إلى إتفاقية سلام مع الأكراد في بلاده، بعد فشل المفاوضات التي كانت قائمة مع زعيم حزب "العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان، نتيجة الشروط التعجيزية التي وضعت من جانب أنقرة، في حين كان من الممكن أن تكون بوابة العبور إلى الداخل السوري، من خلال التفاهم أيضاً مع الجناح السوري لهذا الحزب، الذي أثبت نفسه، في الأشهر الأخيرة، لاعباً أساسياً، قادراً على تحقيق الإنتصارات التي ستصرف بالمستقبل في الميدان السياسي.
في تداعيات هذا الفشل، وجد أردوغان نفسه أمام خطر أكبر يتمثل بوجود كيان كردي على حدوده، يتوسع يوماً بعد آخر، على حساب المنطقة العازلة التي سعى إلى تشكيلها بأي ثمن، لا سيما بعد الذهاب نحو إعلان الفيدرالية في الشمال السوري، الأمر الذي سيكون له تداعيات على أوضاع بلاده الداخلية، بالتزامن عاد الصراع المسلح ليظهر في قلب تركيا، من خلال المواجهات القائمة منذ أشهر، بالإضافة إلى الهجمات التي تستهدف المقرات والمراكز الأمنية، بالإضافة إلى أخرى إرهابية يقوم بها تنظيم "داعش" الإرهابي.
النتائج السلبية لا يمكن القول أنها توقفت عند هذا الحد، خصوصاً أن أبرز الجماعات السورية المعارضة التي راهنت عليها أنقرة، على مدى سنوات، لم تكن قادرة على تحقيق أي إنتصار عندما حان موعد الإمتحان، ما دفع بالولايات المتحدة إلى التخلي عن دعمها، مقابل رفع مستوى دعم قوات "سوريا الديمقراطية"، التي يسيطر عليها الأكراد، لا بل حتى الرئيس التركي لم يجد نفسه، بعد تجاوز هذه القوات الخطوط الحمراء التي كان يضعها، إلا في موقع المبرر غير القادر على القيام بأي أمر، في مقابل تزايد الضغوط الدولية عليه، للتعاون على صعيد مكافحة الإرهاب ومعالجة أزمة المهاجرين غير الشرعيين، ما ساهم في توتر علاقات بلاده مع أكثر من دولة كبرى، أبرزها مؤخراً المانيا بعد روسيا التي كانت تعتبر شريكاً إقتصادياً مهماً.
ما تقدم لا ينبغي أن يسقط من الحسابات الفشل في تحويل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، بعد أن سعى أردوغان إلى أن يكون رئيساً مطلق الصلاحيات، بالإضافة إلى إنفجار الخلاف مع صديقه التاريخي رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، لكن الأزمة الكبرى قد تكون خسارة معركة حلب التي باتت على المحك، في ظل التوجهات الروسية الإيرانية السورية إلى معالجة الواقع القائم فيها، في أقرب وقت ممكن، بعد تهيئة الظروف المناسبة لذلك.
في هذا السياق، لم تعد خافية رغبات طهران في تحقيق إنجاز على هذه الجبهة، بعد المحاولات المتعددة التي قامت بها جماعات المعارضة المسلحة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، قبل الدخول الروسي المباشر في الحرب السورية، كما أن تركيز موسكو على الدور التركي في إرسال السلاح والمقاتلين عبر حدودها لا يأتي من باب الصدفة، خصوصاً أنه جاء متزامناً مع وصف الرئيس السوري بشار الأسد لأردوغان بـ"البلطجي" و"الأزعر" السياسي، وحديثه عن أن هذه المدينة ستكون "مقبرة أحلامه"، بعد الضغوط التي حصلت على واشنطن لدفع الفصائل التي تصنفها "معتدلة" إلى الإبتعاد عن تلك المتطرفة من أمثال "داعش" و"النصرة".
على هذا الصعيد، لن تكون إيران قادرة على إستيعاب سيطرة تركيا على المدينة، بعد أن كانت الأخيرة قد أرسلت مسبقاً قواتها العسكرية إلى معسكرات تقع قرب مدينة الموصل العراقية، بالإضافة إلى أن روسيا لا تزال راغبة في معاقبة أنقرة على إسقاط طائرتها العسكرية، مع العلم أنها تضع على رأس قائمة أولوياتها إغلاق الحدود التركية السورية، في حين أن دمشق تعتبر أن تحقيق إنتصار في عاصمة البلاد الصناعية ستكون نتائجه كبيرة على الصعيد السياسي، لا سيما أن لحلب رمزية مهمة لا تنافسها عليها أي مدينة أخرى.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم الإجتماع العسكري الروسي الإيراني السوري، الذي عقد، في العاصمة الإيرانية، بالتزامن مع المعلومات التي تحدثت عن أن المعركة المقبلة بعد السيطرة على مدينة الطبقة ستكون في مدينة حلب، بدل التركيز على الدخول إلى الرقة، التي لا يزال الدخول إليها يحتاج إلى تحضيرات أكبر، نظراً إلى أنها ستكون نقطة إلتقاء مجموعة من اللاعبين الإقليميين والدوليين.
في المحصلة، ستكون أنقرة الخاسرة الأكبر من تطورات الميدان السوري، في حال تصاعدت التطورات كما هو مخطط لها في المرحلة المقبلة، بعد أن كانت تراهن على أن تكون الرابح الأول في لحظات النشوة السياسية والعسكرية.