kayhan.ir

رمز الخبر: 39809
تأريخ النشر : 2016June08 - 18:13

السعودية تفكّر جدياً بالجنرال...!

هتاف دهام

يكابر الرئيس سعد الحريري على التسليم بوقائع تصدّع تياره المستقبلي وأزماته السياسية والمالية، وليس آخرها اقتحام موظفي شركة «سعودي أوجيه» المبنى الرئيسي في الرياض وتحطيم مكتبه. لم تكن الانتخابات البلدية في طرابلس إلا اختباراً موجعاً للحريري. ولدت صفحة جديدة. تجرّع الحريري كأسها المرة. لم تكد الأصوات الشامتة بهزيمته في الشمال وبيروت تخفت، حتى علا صوت وزير الداخلية نهاد المشنوق كاسراً الجرة فوق رأسه نهائياً، واصفاً إياه بقصد أو بغير قصد بأنه ليس سيد نفسه، وهذا دليل دامغ من أهل البيت.

بات الحريري في وضع لا يُحسد عليه. قيادي ينازع. لديه أزمة كبيرة. ولو كانت المملكة راغبة في إعادة الاعتبار له وتكريسه زعيماً سنياً لسارعت إلى حلّ مشاكله المالية، فهي أحيت التعددية السنية. وأصبح الشيخ قائداً يتقدّم رتبة بين قادة آخرين، لكنه لم يعُد الأوحد، وبات عاجزاً عن ضبط القياديين الآخرين في تياره.

لن تصلح الأوضاع داخل تياره وداخل بيئته الحاضنة إلا بعودته إلى رئاسة الحكومة، لأنّ بقاء الأمور على ما هي عليه سيؤدّي إلى تراجعه أكثر فأكثر. فهو يعيش أزمة مثلثة تتمثل بعدم القدرة على الإنفاق، والعجز عن تأدية المنافع التي يوفرها موقع السلطة، والإخفاق في المواجهة مع حزب الله.

أين قصر بعبدا من عودة الحريري إلى السراي؟ وهل الأحداث الأخيرة ستدفع رئيس التيار الأزرق إلى دعم ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون للرئاسة الأولى ثمناً لعودته رئيساً للحكومة؟ وهل يستطيع الحريري أن يمتّن تحالفاته وتسوياته مع فريق 8 آذار؟ وهل يتلقّف كلام رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط بعدم التصعيد ضدّ حزب الله؟

لا يمكن الافتراض أنّ الذي حصل سيخلق ديناميات تكسر السياقات الأكبر التي لها علاقة بأزمة لبنان المرتبطة بأزمات المنطقة، وعلى رأسها الأزمة السورية. ولو أراد الحريري السير بالجنرال رئيساً، وهو يريد ذلك ليس لأنه مؤمن بنهج الجنرال التغييري والإصلاحي، إنما لأنه الحلّ الوحيد الذي يسمح للحريري بوقف النزف المتدحرج الذي يعيشه تياره ولا تنقذه منه إلا استعادة رئاسة الحكومة، علماً أنّ خطوة حريرية كهذه تحتاج إلى قرار سعودي وأميركي. فرئيس الحكومة الأسبق جزء من منظومة توازنات تديرها السعودية وتحكمها، وهي أبلغته في مرحلة سابقة رفضها انتخاب عون رئيساً للجمهورية.

الواضح من الحديث المطوّل لـ «صقر المستقبل» أنّ قرارات كبرى كهذه مثل السير بـ «العماد» لا يتجرأ عليها الشيخ سعد فهي تتعلق براعيه الإقليمي السعودية وباللعبة الأكبر التي جعلت لبنان بيدقاً صغيراً على الرقعة الأوسع. لا يملك الحريري ترف الخيار في موضوع الرابية. أشار وزير الداخلية إلى أنّ خيار بنشعي كان خياراً دولياً ثم إقليمياً ثم محلياً، وبالتالي الذي حصل معه قد يتفاعل داخل تياره، ويتفاعل بالتوازنات الداخلية بين الطامحين لرئاسة الحكومة المحيطين به، ويتفاعل في العلاقة بين بيت الوسط ومعراب الذاهبة نحو الضمور واللا ثقة والنيات المبيّتة وتقترب رويداً رويداً من خانة اللاعودة، إذا بقيت الأمور على هذه الحال، وتتفاعل النتائج في سياق الثنائية المسيحية الجديدة وارتباطها بما جرى من نتائج في الانتخابات البلدية، وتتداعى بالسجال الداخلي بين المستقبل وحزب الله بشكل أو بآخر، لكن هذه التداعيات ستبقى في حدودها المحلية اليومية العاجزة عن إحداث نقلة نوعية في السياق العام.

من حق العونيين أن يستثمروا أية واقعة والبناء عليها. طرأت تطوّرات إيجابية في الأيام القليلة الماضية أدّت إلى ارتفاع أسهم الجنرال الرئاسية من جديد. برزت أولى الملامح الإيجابية عند البرتقاليين بدعوة السفير السعودي علي عواض العسيري الأقطاب الأربعة وفعاليات سياسية أخرى للعشاء وتمّت تلبيته من كلّ البيت العوني. واستتبع ذلك بكلام المشنوق عن السياسة الخاطئة للإدارة السعودية السابقة ودور وزير الخارجية السعودية الراحل سعود فيصل في الحؤول دون وصول المباحثات بين الحريري والجنرال إلى خواتيمها السعيدة بوصول الأخير إلى سدة الرئاسة الأولى، وصولاً إلى إعلان النائب وليد جنبلاط أول أمس، أنه يسير بعون رئيساً إذا اتفقت الأحزاب المسيحية وإشارته إلى بداية سقوط فرنجية رئاسياً.

يدور همس أنّ السعودية بدأت التفكير جدياً بالجنرال من منطلق قراءتها أنّ حزب الله لا يريد رئيساً للجمهورية، وبتسمية عون تحرجه. وأمام هذا الادّعاء «الرياضي» لا يمكن القول إنّ الانتخابات أصبحت على الأبواب.

إنّ انشغال تيار المستقبل وباقي القوى السياسية بتقييم ما جرى بلدياً ومحاولة إعادة رسم الرؤى الداخلية واستخلاص أمر يختلف عن اللعبة الكبيرة التي تحكم بخناق البلد حتى إشعار آخر. إنّ أكثر من يدرك هذه الحقيقة هو حزب الله، ليس لأنه متهم بالإمساك بخناق اللعبة، إنما لأنه مدرك من المكان الموجود فيه والمطلّ منه على الصراع الإقليمي والدولي في المنطقة، أنّ لبنان مأسور بتوازنات هذا الصراع، وبالتالي كلّ ما يُحكى عن اختراقات كبرى في الرئاسة أو في السلة المتكاملة في قانون انتخاب جديد أو الذهاب إلى دوحة جديدة سيبقى مرهوناً بوقائع ما فوق محلية.