kayhan.ir

رمز الخبر: 39584
تأريخ النشر : 2016June04 - 19:57

حكومة التطرف تقود ’إسرائيل’ الى الحرب ام الى المأزق؟


سركيس ابو زيد

أحدث الاتفاق الذي تم بين تكتل الليكود وحزب "إسرائيل بيتنا" للمشاركة في الائتلاف الحكومي، خضة سياسية ، خاصة أن ما تشهده الساحة السياسية في” إسرائيل” يتعدى بكثير حدود التغيير الحكومي أو توسيع التمثيل السياسي فيها، وهو يدخل في مسار التحول الانقلابي في اتجاه اليمين القومي الذي ينتهجه نتنياهو منذ تشكيله حكومة اليمين الضيقة بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة .

وبموجب هذا الاتفاق المتطرف سيتولى حزب "إسرائيل بيتنا" حقيبتين إحداهما حقيبة الدفاع التي سيحملها أكثر رموز" إسرائيل" تطرفاً ودموية زعيم الحزب أفيغدور ليبرمان، بدلاً من وزير الدفاع الحالي موشيه يعالون. وبذلك ستعتمد الحكومة على قاعدة برلمانية من 67 نائباً لتكون هذه أكثر الحكومات يمينية ، بوجود حزب المستوطنين المتطرف "البيت اليهودي" و"ليكود".

ويمكن اعتبار تعيين ليبرمان بالذات في منصب وزير الدفاع بداية مرحلة جديدة من السياسة المتشددة في التعامل مع الملفات الأمنية والسياسية المطروحة وفي طليعتها الوضع في قطاع غزة، والهبّة الفلسطينية، وموضوع استئناف المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين. حيث يُعرف ليبرمان بمواقفه المتشددة معهم، ودعواته الى تهجيرهم وطردهم. وهو الذي اقترح ذات مرة تدمير غزة وتحويلها الى ملعب لكرة القدم. وعندما كان وزيراً للخارجية صرح بأنه يجب تدمير سد أسوان، الأمر الذي جعله شخصاً غير مرغوب به في مصر. وفي عام 2015 اضطر الى تقديم استقالته من الحكومة بسبب اتهامات له بالرشوة وإساءة الأمانة.

هذا المنحى المتطرف لحكومة نتنياهو أحدث انقساماً واختلافاً للآراء بين كبار المعلقين لمغزى تعيين ليبرمان، وأبعاد هذا التعيين سياسياً وعسكرياً. فبينما رأى البعض أن ليبرمان داخل الحكومة سيكون "متزناً نسبيا" ، حذر آخرون من "الخطر الذي يشكله على الأمن القومي الإسرائيلي.

فاتفاق الشراكة الذي تم التوقيع عليه بين نتنياهو وليبرمان وانضمام "إسرائيل بيتنا" إلى الحكومة بوزيرين: أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع وصوفا لاندبر وزيرة للهجرة. وصفته صحيفة "هآراتس" الإسرائيلية بقولها: "إن نتنياهو وجد نفسه في حالة صراع من أجل البقاء، فلجأ الى توسيع الائتلاف الحكومي وكان الضحية خلال "أسبوع جنوني" من الاتصالات زعيم المعارضة اسحق هرتسوغ، بعد الاتفاق مع ليبرمان، وبالتالي فإن صراع نتنياهو من أجل البقاء حتى وإن كان على حساب "إسرائيل "التي يبدو أنها تتجه نحو الهاوية"، مضيفة أن نتنياهو ليس لديه ما يخسره فيرمي بالجميع إلى الجحيم. وهو اختار طريقة "وقحة بلا أخلاق"، من خلال بدء الحديث عن مؤتمر إقليمي للسلام بالتعاون مع هرتسوغ، ثم الانتهاء بتعيين ليبرمان "بطريقة بلطجية"، معتبرة أن عزل يعالون الذي لا يمثل تهديداً سياسياً حقيقياً لنتنياهو، يعد رسالة الى غيره من الوزراء تحمل تهديداً وتحدياً لحكم الرجل الواحد "نتنياهو".

وأما عن أسباب إقالة يعالون، فتردها مصادر سياسية إلى الاختلافات التي برزت في المدة الأخيرة بين الطاقم السياسي الحاكم والمؤسسة العسكرية. ومن أبرزها معارضة اليمين الإسرائيلي سياسة يعالون في التعامل مع الهبّة الفلسطينية ومطالبته باستخدام مزيد من العنف ضد المهاجمين الفلسطينيين، بالإضافة الى التحفظ الكبير عليه لدعمه نائب رئيس الأركان الذي حذر من مغبة الظواهر الشوفينية . لذا يشكل استبعاد يعالون عن منصبه رسالة واضحة يوجهها نتنياهو إلى قيادة الجيش بأنه هو من يرسم الخط السياسي وأن عليها التقيد به حرفياً.

وعلى المستوى الدولي الرسمي، كان لافتاً الموقف الأميركي البارد كما عبرت عنه الخارجية الأميركية. فمقابل محاولة نتنياهو الإيحاء بأن توسيع الحكومة لن يغير مسارها وربما يفتح آفاقاً نحو التسوية، أعلن المتحدث بلسان الخارجية الأميركية أن تشكيلة الائتلاف الحكومي في إسرائيل تثير تساؤلات بشأن وجهتها. وأضاف أن الولايات المتحدة ستفحص الحكومة الإسرائيلية الجديدة وفق أفعالها لا أقوالها. وأشار المتحدث إلى "أننا رأينا تقارير تصف الائتلاف الجديد بأنه الأشد يمينية في تاريخ إسرائيل."

وبحسب معلقين إسرائيليين، فإن كلام الخارجية الأميركية يشهد على أن أميركا ليست مقتنعة برسائل التهدئة التي أطلقها نتنياهو وليبرمان. ويرى هؤلاء أن الرسالة الأميركية السلبية تجاه الحكومة الجديدة تتسم بأهمية فائقة في ضوء حقيقة أن الرباعية الدولية ستصدر تقريرها بشأن الجمود السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين والوضع في الأراضي المحتلة. ويعتقد أن التقرير سيحوي انتقادات حادة جداً لسياسة "إسرائيل"، خصوصاً في مجال المستوطنات ومصادرة إمكانيات تطور الفلسطينيين في المنطقة ج.

الى اين تقود الحكومة المتطرفة اسرائيل؟

من جهته، كشف المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان عن أن مصر أبدت تحفظات على تعيين ليبرمان وزيراً للدفاع في مكالمة أجراها نتنياهو مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكانت المكالمة قد تمت بمبادرة من نتنياهو بهدف طمأنة المصريين إلى استمرار رغبته في تسيير المبادرة السياسية التي وقف خلفها رئيس الحكومة البريطانية السابق طوني بلير. ونقل المعلق عن مصادر مصرية قولها إن نتنياهو كرر في المكالمة الالتزامات الإسرائيلية التي قطعت للرئيس المصري عشية كلمته العلنية في 17 أيار، والتي دعا فيها "إسرائيل" والفلسطينيين إلى اللقاء في مؤتمر يبحث في التسوية السلمية، بل وتعهد بأنه فور أداء الوزراء الجدد في حكومته الموسعة اليمين القانونية سيعود ويصرح علناً عن تأييده للخطوة التي يقودها السيسي.

أما في ما يتعلق بلبنان، فمن المستبعد أن يغيّر ليبرمان قواعد اللعبة السائدة على حدوده، وأن يكسر توازن الردع القائم مع حزب الله منذ حرب تموز 2006. ومن المتوقع أن يطلق تهديدات وتصريحات نارية وتحذيرية، لكنه لن يورط الجيش في مواجهة عسكرية جديدة مع حزب الله.

بالنسبة الى السياسة الإسرائيلية حيال الحرب السورية، من المنتظر أن يعزز وجود ليبرمان في وزارة الدفاع التنسيق الإسرائيلي مع الروس والتدخل الإسرائيلي في رسم المستقبل السياسي لسوريا.

فالضجة التي أحدثها انضمام أفغيدور ليبرمان الى حكومة نتنياهو عكس قلق قسم من الإسرائيليين ودول العالم بما يمكن أن تؤول اليه السياسة الأمنية الإسرائيلية في ظل وجود هذا الرجل في وزارة الدفاع خلال مرحلة حساسة وشديدة الخطورة، وهو المعروف بمواقفه المتشددة وسلوكه غير المتوقع، وعلاقاته المتوترة مع الآخرين حتى مع نتنياهو نفسه.

فليبرمان لا يوحي بالاطمئنان حتى للإسرائيليين أنفسهم، الذين يدركون أن أي خطأ في التقدير أو في الحسابات يمكن أن يجر إسرائيل الى مواجهة وخيمة العواقب مع حركة "حماس" في غزة، أو مع حزب الله على الحدود اللبنانية، ويفتح الباب أمام حرب لا يرغب فيها أي طرف في الوقت الحاضر.

وبهكذا اتفاق مع ليبرمان يكون نتنياهو أيضاً قلب الطاولة وأربك المعارضة وخاصة "المعسكر الصهيوني" بزعامة اسحق هرتسوغ، وأطاح بتدخلات خارجية نشطت من وراء الكواليس لتمهيد الطريق أمام انضمام "المعسكر الصهيوني" الى حكومة نتنياهو. وهذا ما قام به المبعوث السابق للجنة الرباعية الدولية طوني بلير بالتعاون مع هرتسوغ ومع وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي شجع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الإدلاء بتصريحه الأخير بشأن استعداده التوسط لإعادة استئناف العملية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهذا التدخل الدولي لم يسبق له مثيل في الوضع السياسي الداخلي في "إسرائيل".

الا ان عودة ليبرمان بحسب كثيرين ستؤدي إلى إحباط المساعي الدولية التي بُذلت من وراء الكواليس من أجل استئناف العملية السياسية ، كما وجهت ضربة للمبادرة الفرنسية الساعية الى عقد مؤتمر للسلام في نهاية الصيف.