kayhan.ir

رمز الخبر: 39515
تأريخ النشر : 2016June01 - 21:30

معركة الرقة: منبج أولاً لترابط الكانتون الكردي


محمد بلوط

تحرير الرقة شرقاً من تنظيم «داعش» ينتظر الضوء الأخضر الأميركي لدخول منبج غرباً، وتجاوز سد تشرين والعبور إلى الضفة الغربية للفرات، لوصل كانتوني عين العرب (كوباني) بعفرين.

الضجيج الإعلامي الذي يواكب العملية العسكرية الكردية ـ الأميركية في ريف شمال الرقة، لا يعكس حقيقة الانجازات، وهي لا تزال متواضعة على الأرض. فمنذ أشهر يدور القتال حول بضع قرى في صوامع الشرقراك وبلدات مثل الهيشة، جنوب تل ابيض التي يتقاسمها «داعش» مع الأكراد و1500 مقاتل من «قوات سوريا الديموقراطية»، لكن طبول الحرب الكردية الحقيقية مع «داعش» تقرع في مكان آخر.

منذ أكثر من أسبوع بدأ الأكراد الحشد في شمال ريف الرقة، لكن القوات التي وصلت لا تحمل معها لا راجمات ولا مدفعية ثقيلة، ولا تزال تكتفي بمدافع متوسطة من عيار 57 ملليمتراً، وتمركز إلى جانبهم 25 خبيراً أميركياً في استراحة النخيل على طريق حلب ـ الحسكة الدولي.

لكن التعزيزات من المقاتلين الذين تجاوزوا أكثر من خمسة آلاف، وبضع مئات من أفراد القوات الخاصة الأميركية، اتجهت إلى سد تشرين ومنبج، رغم الإعلان عن فتح جبهة رابعة في هذه المنطقة تستهدف الطبقة، من عين عيسى على مبعدة 70 كيلومتراً شمال شرق. وهي منطقة تقع على الطريق إلى الرقة، وتحمي خطوط إمداد «داعش» نحو أرياف حلب، وتفرض على الأكراد عبور الفرات والقتال ضد مجموعات التنظيم التي تتحصن في ملاجئ كان قد بناها الجيش السوري، فيما كان من الممكن الوصول إليها منذ أشهر من شمالها الغربي، لو لم يوقف الروس اندفاعة وحدات الجيش السوري من كويرس واثريا، على مبعدة 60 كيلومتراً، وبعد عمليات المشاغلة التي قام بها «داعش» بين إثريا وخناصر.

الحشد نحو منبج يهدف إلى محاولة إسقاط الخط الأحمر التركي في هذا الممر الحيوي الذي لا يزال يفصل الأكراد عن وصل كانتوناتهم على طول الحدود السورية - التركية، واختراقه عند الوسط في منبج، وهو ممر يمتد بطول 60 كيلومتراً من جرابلس في الشمال، فمنبج في الوسط، فالباب إلى الجنوب الغربي على مشارف حلب.

ويقول مصدر إن التحضير لهذه المعركة سبقته تفاهمات كردية مع العرب لإدارة المنطقة، عبر مجالس محلية. والاهم أن مسؤولاً كردياً كبيرا في الإدارة الذاتية في الحسكة قد أكد، لمثقفين وصحافيين أكراد التقاهم الأسبوع الماضي، انه لا نية حالياً لدخول مدينة الرقة أو مواجهة «داعش» فيها، وان الأميركيين قد منحوا «قوات سوريا الديموقراطية» الضوء الأخضر لعبور الفرات إلى ضفته الغربية، وتجاوز الاعتراض التركي على دخول المنطقة.

لكن التطمينات الأميركية للأكراد لم تواكبها حتى الآن أي مبادرات على الأرض قد توحي فعلاً بوجود قطيعة تركية - أميركية بشأن مستقبل «الإقليم الكردي في الشمال السوري». إذ لم يقدم التحالف الدولي أي تغطية جوية يعتد بها للقوات الكردية التي تحتشد في المنطقة، خصوصاً ان من بينها أميركيين، وهو أمر لا تساوم عليه واشنطن. والمؤشر الآخر الذي لا يوحي باستعجال واشنطن حتى الآن، ضرب «داعش» في ممر جرابلس، هو استمرار تدفق أرتال الدعم العسكري للتنظيم من الرقة ودير الزور باتجاه غرب الفرات، دونما حسبان كما يبدو، لهجوم أميركي - كردي وشيك على الرقة.

ويؤشر ذلك أيضاً، مع افتتاح معركة ريف شمال حلب، الى ان محاولات اقتحام مارع، والعودة ربما إلى إعزاز، لا تستبق كما يقال الهجوم على الرقة بالهجوم على أرياف حلب الشمالية، وإنما تهديد المعاقل الكردية في عفرين، بعد سحق 11 فصيلاً تعمل مع الأتراك والسعودية وأميركا، منها «الجبهة الشامية» و «أحرار الشام» و «نور الدين الزنكي» و «الفرقتين 13 و55»، التي تقاتل في شريط يفصلها عن عفرين والتجمعات الكردية في تل رفعت. وباستيلائها منذ يومين على كلجبرين، وقطعها طريق إمداد مارع، تقدمت أيضاً نحو كفركلبين، لتصبح على مقربة من مطار منغ، الذي تسيطر عليه «قوات سوريا الديموقراطية»، و «جيش الثوار»، ولا تزال تفصلها عنه قرية عين دقنة.

ويمكن اعتبار تنشيط العمليات الجوية في المنطقة إشارة واضحة لحسم واشنطن قرارها لدعم الطموح الكردي بمغالبة أنقرة في قلب هذا الممر الاستراتيجي، وفرض كيان كردي عليها في سوريا. ويشكل الإسناد الجوي الأميركي، المماثل لما جرى في معركة عين العرب، إيذانا بإعلان ساعة الصفر لبدء الهجوم على آخر الحصون «التركية» في الشمال السوري، ومؤشراً على فراق تركي - أميركي، وترجيح كفة التحالف الأميركي مع الأكراد، على حساب حليف أساسي واستراتيجي في حلف شمال الأطلسي، وهو أمر لا يزال مستبعدا حتى الآن.

لكن الأتراك يقفون في شمال عفرين، ويحتلون قرية حمام السورية منذ أربعة أيام ، على بعد 700 متر من خط الحدود، يراقبون على الأرض ما يجري على تخوم عفرين. ولا يبدو أن عرض وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو للولايات المتحدة باستبدال تحالفها مع الاكراد ضد «داعش» بقوات تركية كان كافياً. كما أن قطع «داعش» طرق الإمداد عن الفصائل المقاتلة في مارع وما تبقى لها من مواقع في الريف الشمالي لحلب لا يثير قلقاً تركياً أو سعودياً أو أميركياً كبيراً. كما أن الأميركيين وحدهم قدموا في الأشهر الأخيرة للمعارضة في هذه المنطقة ما يقارب الثلاثة آلاف طن من المعدات والأسلحة.

وتعوض تركيا المجموعات المسلحة خسارتها طرق الإمداد، منذ أكثر من عام، بعد هجوم الجيش السوري في شمال حلب، بفتح طرق التفافية من ادلب إلى حلب، وهي الطرق التي سلكها «جيش الفتح» و «جبهة النصرة»، لمهاجمة خان طومان الشهر الماضي. فبالنسبة للأميركيين قد يؤدي القتال ضد «داعش» إلى توحيد البنادق «الاميركية» في سوريا.

وسواء كانت البنادق كردية أو «جهادية» سلفية او «إخوانية» أو «معتدلة» في الريف الشمالي لحلب، إلا أن هذه المنطقة بالذات شكلت ميداناً لتجارب المخابرات الأميركية في إنشاء قوة «معتدلة» من خلال برنامج مولته السعودية بأكثر من 500 مليون دولار فشلت بسبب عمليات «جبهة النصرة»، وتصفيتها المتتالية لكل المجموعات التي تعاملت مباشرة مع الأميركيين، ملتفة على أنقرة. ومنذ ذلك الحين تولى «البنتاغون» تحت جناحه جميع الأطراف التي تقاتل الجيش السوري وتدريب جزء كبير منها. فالطائرات الأميركية ألقت أطنان الأسلحة إلى القوات الكردية خلال معارك عين العرب، فيما كان خبراء البنتاغون يشرفون على تنسيق العمليات الكردية. ولا يزال برنامج أميركي يعمل بتمويل سعودي لتسليح المجموعات المقاتلة في الشمال السوري، والتي واجهت الأكراد وقصفت معاقلهم لا سيما في الشيخ مقصود، خصوصاً «نور الدين زنكي» و «أحرار الشام».