ليبرمان وزيراً للأمن.. بين نص القانون وتفاهمات الداخل ومعادلات الخارج
جهاد حيدر
مع تعيين افيغدور ليبرمان، اليميني المتطرف، وزيرا للامن في "اسرائيل"، تسلطت الاضواء على هذا المنصب ومدى تأثيره في بلورة القرارات السياسية والامنية في الكيان. خاصة وأن المشهور عنه مواقف غير تقليدية تهدد بقصف اسوان، وطهران.. فما أبرز الصلاحيات التي يتمتع بها مثل هذا الوزير، من الناحيتين القانونية والعملية، وأي مفاعيل وتداعيات مفترضة لتولي ليبرمان حقيبة الامن؟
مكانة وزير الامن
تعتبر مكانة وزير الامن قضية رئيسة في العلاقات بين المستويين السياسي والعسكري في اسرائيل. واستناداً الى قانون "أساس – الجيش"، يعتبر وزير الأمن مسؤولاً عن الجيش. وعلى خط موازٍ يعتبر ايضا قناة بين الحكومة (وليس رئيس الحكومة) وبين الجيش. فهو من جهة المتحدث باسم الحكومة أمام الجيش، ويمثل الجيش أمام الحكومة.
وبحسب تعبير القانون نفسه، يخضع رئيس أركان الجيش لوزير الامن وللحكومة. لكن مفهوم الخضوع غير محدَّد لا في هذا القانون ولا في غيره من القوانين. ونتيجة ذلك، ينطوي الخضوع على تفسيرات نظرية متعددة. إلا أنه من الناحية العملية يتم العمل بموجب المضمون التالي:
يخضع رئيس الاركان بشكل تام لوزير الامن في القضايا السياسية والاستراتيجية. اما في القضايا التكتيكية والعملانية، فإن وزير الامن يشكل الجهة التي توافق أو تعارض، وليس الجهة التي تملي رأيها العملاني. ووفق هذا التصور، لا تقتصر صلاحيات وزير الامن على اعطاء أوامر بتحرير مختطفين في عملية عسكرية، بل أن يطلب ايضا رؤية الخطة التنفيذية والموافقة عليها... لكن لا يحق للوزير أن يفرض على الجيش خطة ما أو تغييرات ما... ويعطي الوزير موافقته ايضا على ترقية الضباط الى رتبة عميد فصاعداً..
ليبرمان وزير امن اشكالي
مع ذلك، فقد اتسمت صلاحيات الثلاثي، الحكومة ورئيسها مع وزير الامن ورئيس الاركان بقدر من الغموض المتعمد.. ويتم تعبئة هذا الغموض بتفاهمات بينية..
وكنموذج عن الترجمة العملية للصلاحيات، نقل رئيس مجلس الامن القومي الاسبق، ورئيس شعبة العمليات في الجيش، اللواء احتياط غيورا ايلاند حادثة حصلت معه توضح حدود صلاحيات كل من رئيس الحكومة ووزير الامن. ويوضح (يديعوت احرونوت / 25/5/2016) أنه عندما كان يتولى منصب رئاسة شعبة العمليات "ارسلني وزير الامن لعرض تفاصيل عملية معينة على رئيس الحكومة. رغم أن وزير الامن يملك صلاحية المصادقة عليها، إلا أنه بسبب كون العملية حساسة، فقد رغب الوزير بإشراك رئيس الحكومة في الموضوع. وعندما وصلت الى ديوان رئيس الحكومة، صدَّني سكرتيره العسكري، وقال إن التصديق على العملية هو من صلاحيات وزير الامن. وإذا اراد الوزير تقاسم المسؤولية فليطلب عقد جلسة للمجلس الوزاري المصغر. فرئيس الحكومة ليس الجهة الأعلى من وزير الامن، أما المجلس الوزاري المصغر فنعم". ويعقب آيلاند على ذلك بالقول، "لقد كان محقاً".
في المقابل، ينص قانون اساس الحكومة، في المادة 40، على أن "الدولة لا تبدأ حرباً، إلا بقرار من الحكومة، ولا يوجد في هذه المادة ما يمنع أعمالاً عسكرية مطلوبة من أجل أهداف الدفاع عن الدولة وأمن الجمهور".
ما ينبغي التأكيد عليه أنه من الناحية العملية، لا تُدار القضايا بالبساطة التي توحي بها النصوص القانونية، وإلا نكون أمام واقع قد يجّر فيها وزير الامن الدولة والحكومة الى مواجهات عسكرية يمكن أن يتعرض فيها العمق الاسرائيلي للقصف، وبدون إذن وموافقة الحكومة ورئيسها.
وعلى هذه الخلفية، لفت تقرير فينوغراد الى أن هناك تأثيراً كبيراً لرئيس الحكومة على الجيش، خلال فترة الحرب، كما ظهر من خلال مجريات حرب لبنان الثانية، عام 2006. مع العلم أن القانون ينص على أن الجيش يخضع لسلطة الحكومة وليس لرئيسها ولوزير الامن.
في كل الاحوال، ما ينبغي أن يبقى حاضراً هو أن حسابات من يتولى صناعة القرار الامني، مباشرة، تختلف عنها عندما يكون خارجها. أضف الى أن للجيش تأثيره الكبير في هذا المجال، كما حصل في العديد من المحطات المفصلية السابقة.
الى ذلك، فإن العامل الأكثر تأثيراً في بلورة القرارات والخيارات العملانية، هو معادلة الكلفة والجدوى، وبعبارة أخرى معادلة الردع المحفورة عميقاً في وعي وحسابات صناع القرار السياسي والامني في تل ابيب.
مع ذلك، يمكن توقع حقيقة أن آثار وتداعيات تولي ليبرمان حقيبة الامن، أكثر ما ستظهر على الساحة الفلسطينية، وتحديدا في الضفة الغربية حيث يعتبر الجيش هو الحاكم الفعلي، ومن فوقه وزير الامن الذي يملك صلاحيات واسعة في هذا المجال. وإزاء قطاع غزة حيث يحاول ليبرمان أن يثبت كفاءاته الامنية في مواجهة فصائل المقاومة في القطاع.