kayhan.ir

رمز الخبر: 39427
تأريخ النشر : 2016May31 - 18:54

بين“ وثيقة ديمستورا “ و “ دستور كارتر “ و” وحدة الإرتباط “ تناغمٌ .. يفضح المرسوم لسوريا !

بقلم حسن شقير

لم تأخذ وثيقة المبادئ التي قدمها المبعوث الأممي إلى سوريا ، ستيڤان ديمستورا ، إلى وفدي الحكومة والمعارضة السورية في نهاية الجولة الأولى من جنيڤ الثالث ، حقها في الدراسة والتمحيص ، من قبل كثرٌ من المهتمين ، والعلة في ذلك ، كونها مجرّد وثيقة قابلة للنقاش والتعديل ، وحتى الإستبدال ، إذا اقتضت الظروف ذلك ..

قد تكون هذه التبريرات مقنعة ، لو أن تلك الوثيقة في بعض بنودها الخطرة جداً – والتي سنعود إلى التفصيل فيها لاحقاً – ، لم تكن صادرة عن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ، ولو لم يلي تقديمها ، كلام لنتنياهو من الجولان المحتل ، حول " أبدية بقاؤه " تحت السيادة الصهيونية .. ولو لم يتبعها بالأمس القريب ، ما تم تسريبه إلى وسائل الإعلام عن مشروع دستور جديد لسوريا ، وصفه البعض بأنه روسي ( وقد تم نفي ذلك ) ، وأخرون نسبوه إلى معهد كارتر الأمريكي .. والذي احتوى على مواد وبنود ، فيها من الخطورة ، ليس على وحدة سوريا فحسب ( وهذا تحصيل حاصل ) ، إنما تتخطى خطورة تلك البنود إلى أبعد من تغيير وجه سوريا ، وربما المنطقة برمتها ، وإلى استحداث مفاهيم ووظائف جديدة لبعضٍ من مكونات رئيسية داخل الدولة القطرية في المنطقة ، والتي تتماهى إلى حد التكامل مع ما أوردناه سابقاً حول تلك البنود التي أشرنا إليها أعلاه من تلك الوثيقة .. وصولاً إلى ما أشارت إليه بعض وسائل الإعلام الصهيونية – وبغض النظر عن دقته – ، حول سعي الكيان الصهيوني لإقامة وحدة إرتباط مع الجماعات المسلحة والسكان المحليين على تخوم الجولان المحتل ..

إذاً بالعودة إلى وثيقة ديمستورا تلك ، فلقد ورد في البند الأول منها ، ما حرفيته " إحترام سيادة سوريا واستقلالها ، ووحدة وسلامة أراضيها ، وعدم التنازل عن أي جزءٍ من الأراضي الوطنية ، والتزام استعادة مرتفعات الجولان المحتلة بالطرق السلمية " ‼

أما في البند العاشر من هذه الوثيقة الإثنا عشرية ، فلقد ورد فيها ما حرفيته أيضاً " إعادة بناء جيش وطني قوي وموحد ، بوسائل تشمل أيضاً نزع سلاح دمج أفراد الجماعات المسلحة الداعمة لعملية الإنتقال ، وللدستور الجديد " ‼

إذا ما اكتفينا بهذين البندين ، في تلك الوثيقة الأممية ، فإننا نلحظ ما كنت تناولته في مقالة سابقة ، حول عين نتنياهو على إخراج حق الشعوب في استخدام كافة الوسائل لإسترجاع أراضيها المحتلة ، من شرعة وميثاق الأمم الممتحدة ، وبالتالي ضرب الركن الثالث لأركان الثلاثيات الذهبية الذي تعمل دول وقوى الممانعة في المنطقة ، على ترسيخه واقعاً ، كون هذا الثلاثي ، لهو الوحيد القادر على مواجهة أصناف التهديد الماثلة في المنطقة ، والتي تتمثل بفائض القوة الصهيونية ، والمظللة بالحماية الأمريكية ، ناهيك عن دخول عنصر جديد عليها ، والمتمثل بالشراكة مع بعض من الدول العربية ، ضمن ما اسميته سابقاً ، بالإحاطة المتمثلة بالمظلة الأمنية العربية – الصهيونية المشتركة ، والتي حيكت خيوطها من أيار العام ٢٠١٠ تاريخ إصدار استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في العهد الأوبامي الأول … إذاً إنه التأسيس لضرب فكرة المقاومة ، ومن أعلى سلطة دولية ، ألا وهي الأمم الممتحدة ، والتي يظهر أنها تمهد الطريق أمام تهيئة الأرضية لإعادة كتابة بعض من بنود ميثاقها المفصلية .

الخطورة الثانية في تلك الوثيقة ، ما ورد في بندها العاشر ، وذلك لناحية إعادة بناء الجيش السوري .. إلى أن انتهت ، بأن دمج الجماعات المسلحة فيه ، يكون مشروطاً بقبولها بالدستور الجديد

فماذا في هذا الأخير ؟ وهل جاءت بعض فقراته لتزيل الغموض عن تلك البنود التي وردت في الوثيقة الأممية ؟ وبالتالي ما علاقة هذا وتلك ، بمنظومة الأمن الصهيوني ؟ لا بل ما يدعيه الكيان من حصة له في التسوية السورية ؟؟

لن استفيض كثيراً فيما ورد من بنود ذاك الدستور المشار إليه سابقاً ، وما هي خطورة مواده المقترحة على فكرة الدولة في سوريا ، إنما سأكتفي بفقرة واحدة منه ، ربما تفيد البحث هنا ، ألا وهي " دور القوات المسلحة " ، بحيث ورد فيها " .. يحرم عليها تنظيم أعمال عسكرية ، أو ذات طابع عسكري ، خارج سلطة الدولة " ‼‼

هذه الفقرة من تلك الفقرات الأخرى المتعلقة بدور القوات المسلحة في " سوريا الجديدة " تُدلل – وبوضوح – على عمق المؤامرة التي تُحاك لسوريا الممانعة ، فكل الدول ، تجعل من قواتها المسلحة ، درعاً واقياً لكل أصناف التهديد لها ، سواء أكان استباقياً أو حتى بمفعول رجعي .. فإذا دققنا في هذه الفقرة بالتحديد ، والتي تمنع على القوات العسكرية بأن تنظم بنفسها أعمال عسكرية للحفاظ على سيادة الدولة ( ضرب إمكانية الفعل التحريري للقوات المسلحة في الجولان المحتل ، والخارج عن سلطة الدولة السورية حالياً ) ، وتمنع أيضاً هذه القوات من رعاية أية أعمال عسكرية لمكونات عسكرية رديفة ، وفي سبيل تحقيق الغاية نفسها (وأد فكرة المقاومة ، ولكن دستورياً هذه المرّة ) ‼!

كان ينقص هاتان المحطتان ، ما كشفته وسائل الإعلام الصهيونية ، حول نية الكيان الصهيوني ، بتفعيل مشروع " الإرتباط " مع الجانب الأخر للجولان المحتل ، حتى تبان خيوط المؤامرة الكونية على سوريا ، والتي كثيراً ما رددنا بأنه على رأسها – وفي حال مُنع التقسيم فيها- ، مشروع الأقلمة للمنطقة برمتها ، والذي ورد في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الأخيرة في شباط من العام الماضي ، والتي كتبت حولها ضمن مقالة ( أقلمة المنطقة بين ثنايا " الصبر الإستراتيجي " الأمريكي ، والتي نشرت بتاريخ ٠٩-٠٢-٢٠١٥ )

من يقرأ بتمعن ، بنود وثيقة ديمستورا الأخرى ، ومواد الدستور المقترح ، وخصوصاً لناحية صلاحيات " جمعية المناطق " و " جمعية الشعب " ، يستطيع بسهولة ازالة الغشاوة عما يٌرسم لسوريا في الغرف السوداء المعتمة … فمشروع أمريكا للدولة " النيو قطرية "لسوريا الجديدة ، ومشروع جو بايدن ، ل " سوريا المسالمة " ، لا يزالان على الطاولة ….

خلاصة القول – ولمن ما زال يعترض على الحديث عن الحرب الكونية على سوريا – ، وما هو الدور الصهيوني في هذه الحرب ، فعليه أن يعود إلى معظم منظري السياسة والبحث في الكيان الصهيوني ، حول الصورة التي يشتهيها كل هؤلاء لسوريا المستقبل .. فما يُسمى بخطوط نتنياهو الحمراء فيها ، لا تُجانب كل ما هو إرهابيي في سوريا ، إنما تختصر برفضه المتكرر لبقاء سوريا الممانِعة والمقاوِمة من جهة ، وللمسارات الجغرافية لنقل السلاح بين أطراف محور الممانعة فيها من جهة ثانية ..

ختاماً نقول ، الصورة المرسومة صهيونياً ل” سوريا الجديدة " ، والتي يُعمل على إخراجها اليوم ، بمشاريع مشبوهة أمريكية ، وحتى أممية ، والتي تُطرح في فضاء اللاعبين في الأزمة السورية ، بدأت تتضح أكثر فأكثر من خلال هذه المحطات الثلاث ، والتي أوردناها في هذه العجالة .