kayhan.ir

رمز الخبر: 39167
تأريخ النشر : 2016May27 - 18:06

ما بين المقاومة والتحرير بالامس والصراع الوجودي اليوم

شارل أبي نادر

لا يمكن مقاربة التاريخ جيدا او فهمه واخذ العبر منه ان لم يتم ربطه مع الحاضر من خلال قراءة هادئة موضوعية وبطريقة مجردة بعيدة عن اي توجه محدد او عن انحياز معين لفئة او لحزب او لنهج ...

نعيش اليوم في ذكرى المقاومة والتحرير ، تلك المناسبة الوطنية التي أعتبرُها الاغلى بين مناسباتنا الوطنية ، ليس للتقليل من قيمة ومن احترام المناسبات الاخرى التي أجُلّها واحترمها ، ولكن لأنني قد عايشت ولو عن بعد في الجغرافيا ، ولكن عن قرب في المتابعة وفي الاهتمام ، فترة الاحتلال الاسرائيلي لمناطق غالية من لبنان ، ومرحلة المقاومة التي واجهت هذا الاحتلال ، ولحظة التحرير حين اندحر هذا العدو مرغما مخلفا وراءه الخيبة والهزيمة .

بالامس ... اثناء فترة الاحتلال لمناطق واسعة من جنوب لبنان وبقاعه الغربي ، كانت المقاومة تقاتله باللحم الحي .فالامكانيات متواضعة في العتاد وفي الاسلحة وفي القدرات الهندسية ووسائل الاتصال.

ومن وراء الابطال المقاومين إنقسم اللبنانيون حول المقاومة في ثلاث مجموعات :

المجموعة الاولى كانت تنتقد المقاومة وعملها وتعتبره تجاوزا للسيادة الوطنية ولقرار الدولة الجامع ، وبعد التحرير بقيت هذه المجموعة على نظرتها ورؤيتها ، تعادي المقاومة وتهاجمها ، دون ان تعترف بانجاز التحرير الذي اصبح واقعا وحقيقة ، وذلك بشكل يثير الدهشة والاستغراب ، ليتبين اليوم ان هذه المجموعة تنقاد في التوجه وفي الموقف مع راعٍ اقليمي ، اكتشفنا جميعا ، ارتباطه المباشر مع العدو الاسرائيلي حيث تجمع الاثنين اهداف ومشاريع ومخططات مشتركة ضد العرب والاسلام وقضاياهم التاريخية .

المجموعة الثانية ، كانت تشكّك اثناء فترة المقاومة بقدرة الاخيرة على الوصول الى تحرير الارض ، وكانت تفضل اللجوء الى المجتمع الدولي وقراراته في سبيل ذلك بعيدا عن تعريض لبنان لاعتداءات طالت احيانا مواطنيه و اقتصاده وبناه التحتية ، وبعد التحرير ، اكتشفت هذه المجموعة صوابية خيار المقاومة واعترفت للاخيرة ولشهدائها الابطال بالانجاز الكبير وما زالت مؤيدة لها .

المجموعة الثالثة كانت وما زالت مؤمنة بالمقاومة ايمانا كاملا ، فهي كانت بيئتها وسندها الحقيقي ، وكانت الداعم المباشر لها و في الطرف الموازي لهذه المجموعة كان هناك الجيش اللبناني ، والذي مع ابتعاده عن جغرافية المقاومة لاسباب واسباب ، كان قريبا من وجدانها ومن عملها ، وغير بعيد عن عملياتها وعن تحركاتها العسكرية والميدانية ، وشكّل حجر الاساس في معادلة الجيش والشعب والمقاومة ، ومع التحرير احتفل هؤلاء جميعا مع الشرفاء الكثر من ابناء الوطن بالانجاز الكبير وهم الان جميعا يحمونه باشفار عيونهم .

المقاومة حصن الوطن

اليوم ... وفي خضم معركة الدفاع المقدس حيث يسقط شهداء المقاومة ابطالا في مسيرة لا تتوقف ، نشهد ايضا ذلك الانقسام الذي واكب المقاومة في معركة التحرير ، ونجد تلك المجموعات قد اصبحت اليوم اثنتين ، حيث اندمجت الثانية مع الثالثة بعد ان اقتنعت بصوابية وخيار ورؤية المقاومة ، وهي ترفد الاخيرة بخيرة شبابها لتكون دماؤهم الطاهرة عربون فداء وتضحية في صراع وجودي اصبح واضحا وضوح الشمس ، وبقيت المجموعة الاولى تطالب بانسحاب حزب الله من سوريا ومن المحيط ، وتدعو لسياسة النأي بالنفس ، تغض نظرها عن الارهاب الدموي التكفيري الذي اصبحت اذرعه تمتد الى اقاصي العالم ، وتغمض اعينها عن انجاز المقاومة في إبعاد هذا الارهاب عن داخل لبنان .

وكما اتى التحريرعام 2000 وكان علامة ناصعة ومشرفة في تاريخ لبنان والاسلام والعرب ، اذ ان بلدا صغيرا بامكانياته وبقدراته العسكرية والمادية ، استطاع وبفضل مقاومة بطلة ومن خلال معادلة لم تكن يوما الا ذهبية الخيار والرؤية والقرار ، ان ينتصر على عدو شرس غادر ، سوف يتحقق باذن الله الانتصار على الارهاب التكفيري الذي يستهدف وجودنا جميعا ، مؤيدين ومعارضين لحزب الله ولخياراته الاقليمية والاستراتيجية ، هذه الاستراتيجية التي لا تفهمها ولا ترسمها فقط قيادات كبيرة نحترمها ونقدّرها ، بل ترسمها وتحفرها دماء زكية تسيل دون توقف . دماء هي الاصدق والاقدر ، في التعبير عن الوجدان و عن صراع الوجود وعن غريزة البقاء .