أميركا تقاضي السعودية أمام محاكمها... متى مقاضاة أميركا أمام العالم؟
عصام نعمان
أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي أخيراً اقتراح قانون يتيح لضحايا هجمات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة ملاحقة المملكة العربية السعودية قضائياً لدورها المفترض في هذه الهجمات. قرار مجلس الشيوخ أحيل على مجلس النواب حيث الغالبية للحزب الجمهوري، ومن المنتظر أن يصادق عليه من دون معارضة من النواب الديمقراطيين بعدما أعلن مرشحا الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز دعمهما للقانون الذي كان السناتور الديمقراطي شاك شومر ونظيره الجمهوري جون كورنين قد اقترحاه سويةً.
البيت الأبيض كان أعلن مراراً أنّ الرئيس باراك أوباما يعارض هذا القانون لتجنّب تسجيل سابقة تتيح ملاحقة دول بعينها، وقد طمأن القادة السعوديين أثناء زيارته الرياض في نيسان الماضي بأنه سيمارس سلطته في نقض هذا القانون في حينه. وبالفعل، بعد إقراره لم يتأخر الناطق باسم البيت الأبيض جوش ارنست في التصريح بأنّ "هذا القانون سيغيّر القانون الدولي التقليدي حيال حصانة الدول، وأنّ رئيس الولايات المتحدة ما زال يخشى أن يجعل هذا القانون أميركا ضعيفة في مواجهة أنظمة قضائية أخرى في كلّ أنحاء العالم”.
لماذا يعارض البيت الأبيض، ظاهراً في الأقلّ، هذا القانون؟
الناطق باسمه لم يتوانَ عن التوضيح. قال "إنّ الولايات المتحدة التي لديها التزامات في الخارج أكثر من أيّ دولة أخرى في العالم، خصوصاً عبر عملياتٍ لحفظ السلام أو عمليات إنسانية، ترى أنّ إعادة النظر في مبدأ حصانة الدول يمكن أن تتسبّب بمخاطر للكثير من الأميركيين ولدول حليفة”.
لا شك في أنّ أوباما يجد نفسه الآن مُحرجاً للغاية. فهو كان وَعَد السعوديين بنقض هذا القانون. لكن عوامل وظروفاً غير عادية استجدت قد تحمله على إعادة النظر بموقفه. ذلك أنّ أعضاء الكونغرس الديمقراطيين ماشوا زملاءهم الجمهوريين في دعم القانون ما أدّى إلى إقراره بالإجماع في مجلس الشيوخ، ومن المنتظر أن تتكرّر الظاهرة نفسها في مجلس النواب. لهذا للأمر دلالات، أبرزها اثنتان، اللأولى أنّ إجماع أعضاء الكونغرس أو شبه إجماعهم على دعم القانون يلغي فعالية قرار النقض إذا ما اتخذه الرئيس. فهل يتخذ هذا الأخير قراراً يعرف مسبقاً أن لا تأثير له ولا مردود؟ الثانية، أنّ أوباما مضطر إلى مراعاة مصالح حزبه السياسية الذي يخوض في تشرين الثاني المقبل انتخابات رئاسية كما انتخابات نيابية، فلا يعقل إزاءها أن يتخذ قراراً مناقضاً لموقف أعضاء حزبه الداعمين للقانون في مجلسيْ الكونغرس.
ثمة رأي مغاير مفاده أنّ أوباما وأركان إدارته قد يختارون ترجيح المصلحة العليا للدولة المتمثلة في عدم إقرار القانون، فيتخذ الرئيس قراراً بنقضه تاركاً للكونغرس بأعضائه الديمقراطيين والجمهوريين أن يتحمّلوا مسؤولياتهم في هذا المجال. هذا مع اقتناع ضمني لدى أوباما وأركانه بأنّ قرار النقض لن يسيء إلى حزبه الديمقراطي في الانتخابات المقبلة لكون أعضاء الكونغرس جميعاً سيتحمّلون مسؤولية القانون في حالتيْ إقراره أو رفضه، ولن يُلام هو في أواخر ولايته إنْ مارس سلطته في نطاق صلاحياته وفي حدود ما يعتبره المصلحة العليا للبلاد.
ماذا ستفعل الرياض؟
صحيفة "نيويورك تايمز” أوردت أنّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حذّر نواباً في واشنطن خلال آذار الماضي من أنّ السعودية قد تردّ على اقتراح القانون في حال إقراره ببيع سندات خزينة أميركية تملكها بقيمة 750 مليار/ بليون دولار مع أصول أخرى.
خبراء ماليون واستراتيجيون دوليون استبعدوا أن تُقدِم السعودية على تنفيذ تهديد وزير خارجيتها. حتى لو فعلت، فإنّ بإمكان السلطات الأميركية مواجهة هذا التدبير غير المسبوق وتعطيل مفاعيله المتوخاة. أما إذا لم تفعل فإنّ تنفيذ القانون سابق الذكر قد يفضي إلى قيام المحاكم الأميركية المختصة بإقرار تعويضاتٍ مالية خيالية لورثة ضحايا هجمات 11 أيلول، وانّ المحكمة العليا الأميركية ستقوم بالتصديق على أحكام هذه المحاكم في حال الطعن بها، تماماً كما فعلت بشأن أحكام مماثلة كانت صدرت ضدّ إيران تُدينها بالتسبّب في مقتل 241 من مشاة البحرية الأميركيين أثناء الحرب في لبنان وعليه العام 1983.
إيران تعتزم الردّ على أميركا بطريقتين:
الأولى، إقرار مجلس الشورى الإيراني قانوناً يُرغم الحكومة على مطالبة الولايات المتحدة بتعويضات عن "الأعمال العدائية والجرائم” المرتكبة بحق إيران منذ 63 عاماً لا تقلّ قيمتها، بحسب نائب الرئيس الإيراني مجيد انصاري، عن مبلغ 50 مليار/ بليون دولار.
الثانية، مقاضاة أميركا طعناً بقرار المحكمة العليا القاضي بإجازة اقتطاع التعويضات المحكوم بها لورثة ضحايا مشاة البحرية من الأموال الإيرانية المجمّدة لدى الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية.
هل تحذو السعودية حذو إيران بمقاضاة أميركا أمام محكمة العدل الدولية لتعطيل مفاعيل قرار الكونغرس الأميركي بملاحقتها لدورها المفترض في هجمات 11 ايلول 2001؟
ليتها تفعل. إذ لا يجوز بأيّ معيار سياسي أو قانوني أو إنساني أن تبقى الولايات المتحدة خارج أيّ مساءلة سياسية أو مسؤولية قانونية عن ارتكاب أعمال عدائية ضدّ الدول والشعوب. بل ليت دولاً أخرى تتشجع أيضاً فتقاضي الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية عن أعمال عدائية ارتكبتها وأضرار هائلة تسبّبت بها. وليتها تلاحقها أيضاً أمام المحكمة الجنائية الدولية لجرائم اقترفها مسؤولوها وضباطها ضدّ أفراد وشعوب في شتى أنحاء العالم. ولعلّ العراق، حكومة وأفراداً، أولى من غيره بأن يكون البادئ بمقاضاة أميركا أمام محكمة العدل الدولية وملاحقة جنرالاتها وضباطها أمام المحكمة الجنائية الدولية. فقد شنّت أميركا الحرب عليه العام 2003 من دون قرار بإجازة ذلك من مجلس الأمن الدولي، فكان أن ألحقت به من الأضرار البشرية والمادية ما يفوق الوصف، وما زالت آثارها شاهدة على ذلك حتى الآن.
متى تمتلك الدول والشعوب المظلومة شجاعة الجهر بمظلوميتها ومقاضاة المسؤولين عنها دولاً وحكاماً وأفراداً؟ متى؟!