أردوغان... والاقتراب من لحظة السقوط
عقيل الشيخ حسين
إذا كانت سياسات إردوغان قبل تفرده الكامل بالسلطة قد أفضت إلى الأوضاع القلقة التي تعيشها تركيا اليوم، فهل يكون استئثاره اليوم بالحكم الحلقة الأخيرة التي ليس بعدها غير دخول تركيا في منطق الفوضى والتفكيك؟
كالكثيرين غيره من الزعماء السياسيين يسعى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى تحقيق هدفين أحدهما هو تكملة للآخر: الأول هو بطبيعة الحال تعزيز شعبيته في تركيا، ولكن أيضاً وبالنظر إلى ماضي تركيا الذي يريده اردوغان مستقبلها أيضاً، فان الرجل يريد شعبية في البلدان المجاورة التي كانت قبل قرن من الزمن تشكل كياناً سياسياً موحداً تحت راية السلطنة العثمانية.
شعبوية وديماغوجية
الثاني هو الاستثمار في هذه الشعبية لصالح توجهه نحو التفرد المطلق بالحكم، وهو الأمر الذي يمليه عليه بلا شك تماهيه الواضح والمعلن بسلاطين بني عثمان. وهو يستفيد في الحالتين من الحنين الطبيعي - الذي تشعر به شرائح شعبية ونخبوية في تركيا والمناطق التي كانت خاضعة لها - إلى تلك الفترة التي امتدت لأكثر من أربعة قرون وشهدت توحد المنطقة من الجزائر إلى أعماق القفقاس، ومن اليمن إلى ما وراء حدود البلقان، تحت راية السلطنة.
كما يستفيد من طروحات شعبوية وديماغوجية تركز على الاستمرار في تحقيق نجاحات تنموية ناجمة عن الفقاعة الاقتصادية، وإن كانت هذه الفقاعة قد أوشكت على الانفجار بشكل يذكر بالأوضاع الدراماتيكية الصادمة التي عانى منها نمور آسيا قبل عقدين من الزمن.
وعلى مستوى الموقف من القضية الفلسطينية، نجح أردوغان في تقمص دور البطل في الدفاع عن تلك القضية من خلال عراكه في منتدى دافوس مع شيمون بيريز، وكذلك من خلال حملة أسطول مرمرة ومحاولة فك الحصار عن غزة. والأكيد أيضاً أنه يستفيد من "انتصارات" حققها على الأوروبيين الذين "مرغوا رؤوسهم بقدميه"، على ما قاله أكثر من مصدر أوروبي، وهم يتسولون منه موقفاً يحد من تدفق اللاجئين من تركيا، وعلى الروس بإسقاطه طائرة سو 24، ثم بمواصلة هجومه على روسيا عبر فتح جبهة ناغورني كاراباخ ضد حليفتهم إرمينيا.
وقد ضمن له بروزه كطرف أساس في الحرب على سوريا تعاطف الاخوان المسلمين، وهو التعاطف الذي كان من المنتظر أن يشهد المزيد من الزخم فيما لو تحققت الأحلام المشتركة بإسقاط سوريا. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن سوء العلاقة المستجد معهم (سبق لأردوغان أن صرح بأن حزب العدالة والتنمية ليس حزباً إسلامياً، ,هو يقول الآن بأنه يرفض العلمانية) على صلة بالهزيمة المشتركة التي بدأت معالمها بالتشكل من خلال معركة حلب.
فالحقيقة أن العديد من المراقبين يعتقدون أن تركيا اردوغان ستكون أكبر الخاسرين جراء حسم معركة حلب لصالح سوريا والجيش العربي السوري. فمثل هذا الحسم لن يقتصر على وأد طموحات تركيا إلى استعادة نفوذها جنوباً أي في المنطقة العربية عبر البوابة السورية، بل ستكون له تداعيات سلبية من شأنها أن تُفَعِّلَ تراكمات الفشل في سياسات أردوغان لتترجمها على شكل سقوط مدوٍّ لنظام حكمه
شعبوية وديماغوجية ...
وليس بالضرورة أن ينعكس سقوط اردوغان على مجمل حزب العدالة والتنمية حيث أن الانشقاقات التي بدأت بالتبلور داخل صفوف الحزب كفيلة بإبراز جناح أكثر قدرة على التعامل العقلاني والإيجابي مع الأوضاع الصعبة التي تعيشها تركيا نتيجة لسياسات إردوغان المتهورة والجنونية أحياناً.
هستيريا الهزيمة
والأكيد أن أردوغان يستشعر المخاطر والتهديدات التي بدأت تحيط بتركيا من كل جانب. فقد خسر الدعم المطلق الذي اعتاد على الحصول عليه من واشنطن التي يبدو أنها باتت أكثر ميلاً، في ظروف التفاهمات مع موسكو، إلى دعم قضايا الأكراد والأرمن على حساب تركيا. ولم يعد بإمكانه، في ظل مزاعمه عن المشاركة في الحرب على الإرهاب، أن يقدم الدعم الكافي للتنظيمات الإرهابية التي تقاتل في سوريا وتمنح آماله بإسقاط نظام الحكم فيها جرعة ثمينة من الأوكسيجين.
من هنا، يبدو أن أردوغان يحاول مداراة المشاكل المتكاثرة التي زج نفسه وبلاده فيها منذ تخليه عن استراتيجية "صفر مشاكل". لذا يلجأ الرئيس التركي الى التودد للكيان الصهيوني بشكل رئيسي على مستوى الخارج، ويعتمد سياسة البطش السياسي بمعارضيه على مستوى الداخل. فبعد التضييق على الصحافة والجامعيين والقضاة، دفع هوس الحكم باردوغان إلى اعتماد النظام الرئاسي الذي يعطي السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية، بدلاً من رئيس الحكومة، كما كان عليه الوضع في تركيا منذ قرن من الزمن. كما دفعه إلى التخلص من أقرب مساعديه، عبد الله غل وداود أوغلو بتهم كالتآمر مع الأوروبيين من أجل الانقلاب على اردوغان والاطاحة به.
وسواء كانت التهم صحيحة أم ملفقة، فإن وصول الخلافات الحادة إلى قمة الحكم في تركيا هو مؤشر هام على وصول الأوضاع في هذا البلد إلى حالة واضحة من عدم القدرة على الاستمرار بالأشكال التي اعتمدها اردوغان منذ لحظة سقوطه فريسة في قبضة هستيريا التفرد بالحكم في الداخل، والتوسع الجنوني في الخارج، مع اعتقاده الخاطيء بأن واشنطن وحلف الناتو سيكونان دائماً جاهزين لدعمه كما كانا يفعلان عندما كانت تركيا تضطلع بدور جدار وظيفته عرقلة التمدد الروسي نحو المياه الدافئة.
أما وقد أصبح هذا التمدد أمراً واقعاً بحكم التغيرات في موازين القوى، فإن اردوغان هو اليوم أكبر المرشحين لأن يتخلى عنه حلفاؤه الغربيون كما سبق لهم وتخلوا عن عملاء أخطر منه شأناً وأجل قدراً من نوع ماركوس في الفيليبين، وبينوشيه في شيلي، وسوهارتو في اندونيسيا، وأخيراً وليس آخراً، الشاهنشاه في إيران.