الصحف الأجنبيَّة: الإجماع الأميركي حول السِّياسة الخارجيَّة يتعرّض للخطر
تصدر تصريح أحد الشخصيات البارزة في تيار المحافظين الجدد الأميركي عناوين الصحف الأجنبية، حيث أعرب عن تخوفه من الخطر الذي يتعرض له الاجماع القديم حول السياسة الخارجية الاميركية، والذي عمره عقود من الزمن.
واعتبرت هذه الشخصية أن كل من أوباما والمرشَّح الجُمهوري دونالد ترامب يمثل انحرافاً عن هذا الإجماع، فيما شدد البيت الأبيض على أنَّه يعارض مشروع قرار مجلس الشُّيوخ الأميركي الذي يجيز لعائلات ضحايا الحادي عشر من أيلول مقاضاة الحكومة السعودية على خلفية تورطها المحتمل بهجمات الحادي عشر من أيلول.
مشروع قرار مجلس الشيوخ الأميركي وعائلات ضحايا أحداث الحادي عشر من أيلول
نشرت مجلة "Foreign Policy" الأميركية تقريراً بتاريخ السابع عشر من أيار مايو الجاري تمحور حول موافقة مجلس الشيوخ الاميركي بالإجماع على مشروع قرار يسمح لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من ايلول بمقاضاة السعودية على خلفية اي دور محتمل ربما لعبته الاخيرة بالهجمات، واشارت الى ان ذلك يصعّد "مواجهة حاسمة" مع البيت الابيض على مشروع قرار قد "يشعل توترات جديدة مع الحليف الخليجي".
ونقل التقرير عن المتحدث باسم البيت الابيض "Josh Earnest" أنَّ من غير المرجَّح أن يوقِّع الرَّئيس باراك أوباما على مشروع القرار في حال وافق عليه مجلس النواب أيضاً، إذ أوضح التقرير أن "Earnest" أشار إلى المخاوف من أن تقوم حكومات أجنبية بصياغة قرارات مشابهة ردًا على القرار الاميركي، ممَّا سينزع الحصانة عن مواطنين أو مسؤولين أميركيين ويسمح بمقاضاتهم في المحاكم الأجنبية.
كذلك، نبه التقرير إلى أنَّ مشروع القرار الذي تبناه مجلس الشيوخ الأميركي يأتي بينما العلاقات بين واشنطن والرياض مشحونة أصلاً، إذ تريد واشنطن أن تقوم الرياض بالمزيد في الحرب ضد "داعش"، بينما أعرب السعوديون عن استيائهم المتزايد من تحسين العلاقات بين واشنطن و ايران. كما لفت في السياق ذاته الى الاصوات المطالبة برفع السرية عن "الصفحات الثمانية و العشرين" الواردة في تقرير صدر عن لجنة تحقيق تابعة للكونغرس عام 2004، و التي يقال انها تشير الى تورط سعودي بهجمات الحادي عشر من ايلول.
في المقابل، رفض البيت الأبيض التعليق على ما اذا كان الرئيس الأميركي أوباما مستعد لاستخدام الفيتو ضد مشروع القرار المطروح, وكذلك رفض التعليق على ما اذا كانت الرياض قد اعربت عن مخاوفها بشكل مباشر مع اي من المسؤولين الاميركيين خلال الزيارة التي قام بها اوباما الى السعودية الشهر الفائت.غير انه نقل عن مصدر مقرب من الحكومة السعودية ان الاخيرة قد اكدت للبيت الابيض معارضتها لمشروع القرار.
الإجماع الأميركي القديم حول السياسة الخارجية في خطر
في سياق مختلف، كتب "Elliot Cohen" مقالة نشرت بصحيفة نيويورك تايمز بتاريخ السابع عشر من أيار/مايو الجاري، رأى فيها أنَّ مواقف المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية دونالد ترامب تشبه الى حد كبير مواقف الرئيس اوباما ومستشاريه، وأشار إلى أنَّ ذلك ينطبق على الموقف تجاه الحلفاء وتصنيفهم "ركاب مجانيين"، وعلى تقليص الدور الأميركي في الشرق الأوسط وكذلك التركيز على بناء البيت الداخلي (التركيز على الداخل الاميركي).
كما لفت الكاتب الذي يعدّ من أبرز شخصيات تيار المحافظين الجدد، الى شعار ترامب "اميركا اولاً"، مضيفاً ان ذلك يعيد الى الاذهان الحراك الذي كان موجوداً في الداخل الاميركي قبل الحرب العالمية الثانية.و عليه شدد على ان الاختلاف بين ترامب و اوباما يتمحور حول الاسلوب اكثر بكثير من الجوهر.
وتحدث الكاتب عن رفض ترامب ما يسميه "الايديولوجيا" في السياسة الخارجية، بما في ذلك الالتزام الاميركي حيال الحكومات المنتخبة ديمقراطياً و"الحريات المدنية". كما قال ان ترامب معجب بالرئيس الروسي فلادمير بوتين ويعارض التجارة الحرة و كذلك فكرة الدور الاميركي الضامن للنظام العالمي.
وأكد الكاتب على ضرورة أنَّ يدقق الناخبون بتصريحات ترامب ليس فقط بسبب ما تعنيه هذه التصريحات للحزب الجمهوري، بل ايضاً بسبب ما تعنيه للاجماع بالسياسة الخارجية الاميركية الذي يعود الى ما قبل جيلين من الزمن. واضاف انه حتى في هذه الفترة من التحزب، كان هناك توافق اجمالي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تلقى جرعة دعم من المسؤولين والخبراء والاكديميين الذين يتشاركون رؤية مشتركة.
كما رأى الكاتب أن ترامب هو "كارثة رئاسية" – خاصة في مجال السياسة الخارجية، وأنَّ المرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون أفضل بكثير، اذ تؤمن "بالاجماع القديم" وستتخذ مواقف متشددة أكثر من الصين وروسيا، وأضاف " فيما لو كان الخيار بين ترامب وكلنتون، فانه سيختار الاخيرة، لافتاً بالوقت نفسه الى ان عدد آخر من القدامى بالسياسة الخارجية في الحزب الجمهوري سيقوم بالمثل، الا انه عاد و اوضح بان اغلب هذه المجموعة مما تصنف بنخبة السياسة الخارجية بالحزب الجمهوري يأمل بظهور مرشح ثالث يمكن الوثوق به".
الرئيس باراك أوباما وأبرز مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب
هيلاري كلنتون نحو التصعيد
الباحث في معهد "كايتو" "Trevor Thrall" كتب مقالة نشرت على موقع "National Interest" بتاريخ السابع عشر من ايار/مايو الجاري بعنوان "هل ستكون هيلاري كلنتون كابوس في السياسة الخارجية".
وقال الكاتب ان كلنتون و خلافاً للرئيس الاميركي باراك اوباما، ليس لديها اي موانع باستخدام القوة العسكرية، مشيراً الى انها كانت من مناصري التدخل العسكري عندما شغلت منصب وزير الخارجية (في ولاية أوباما الأولى) وأنَّها تفوّقَت بهذا المجال على أغلب المرشَّحين الديمقراطيين.
ولفت الكاتب إلى أنَّ كلنتون، وفيما لو اصبحت رئيسة، لن تواجه الكثير العقبات في مسعاها لقيادة المسرح العالمي، وتحدَّث عن السيناريو الأسوأ الذي يتمثل باتخاذ كلنتون ثلاث قرارات ستحكم على السياسة الخارجية الاميركية بعقد اضافي من الاضطراب و الضحايا و الارهاب.
القرار الاول يقول الكاتب، هو ارسال آلاف القوات الاميركية من اجل استئصال داعش من العراق و سوريا،م ذكّرا بما قاله القادة العسكريون الاميركيون بشكل علني عن ضرورة ارسال ما يصل الى 50,000 جندياً من اجل انجاز هذه المهمة. وأضاف ان تكلفة هذا القرار على صعيد الضحايا الاميركيين ستكون كبيرة كون داعش منحت اعوام كي تحصن نفسها، كما ذكّر بأن الولايات المتحدة لم تتمكن من منع الهجمات الارهابية في العراق او منع نشوء داعش بعد اجتياح هذا البلد عام 2003. وعليه شدد على انه ما من عوامل تفيد بان كلنتون ستتمكن من تقديم شيء مختلف.
كذلك حذر الكاتب من أن المعركة هذه المرة ليست محصورة بالعراق بل تشمل سوريا ايضاً، وأن توسع الحملة العسكرية الاميركية هناك سيتصادم مع المصالح الروسية. ونبه ايضاً الى ان كلنتون ستدعم على الارجح توجه ادارة اوباما الحالي بالتدخل مجدداً في ليبيا.
اما القرار الثاني فيقول الكاتب، انه يتمثل بمحاولة ترميم واستقرار الوضع في العراق، واعتبر ان كلنتون و بدعم من العديد من الجمهوريين في الكونغرس ستشير الى ان السبيل الوحيد لمنع اعادة نشوء داعش من جديد هو من خلال مساعدة المجتمع والاقتصاد العراقي، والتي تتطلب تواجد اميركي كبير ودائم، و تحدث عن تكلفة تمركز 50,000 جندي اميركي في العراق بشكل دائم كما هي الحالة في كوريا الجنوبية، محذراً من ان ذلك قد يكون له عواقب سلبية خطيرة على استقرار بقية الشرق الاوسط. وشدد كذلك على ان العراق ليس كوريا الجنوبية وان واشنطن لا تستطيع ان تتوقع ان يسود السلام على مدار عقود كما الوضع في كوريا الجنوبية.
وفيما يخص القرار الثالث، قال الكاتب انه يتمثل بقلب قرار اوباما خفض عديد القوات الاميركية في افغانستان.و استشهد بهذا الاطار بما قالته كلنتون بحملتها الانتخابية عن "استثمار الكثير من الدماء و الثروات لمساعدة هذا البلد"،و بالتالي "لا يمكن ان نقبل بان يصبح قاعدة امامية لطالبان و داعش مجدداً".
"داعش" تعمل على زرع الفتنة في العراق
بدورها، كتبت الصحفية "نانسي يوسف" مقالة نشرت على موقع "Daily Beast" بتاريخ السابع عشر من أيار مايو الجاري، والتي شددت فيها على ان "داعش" يعمل على زرع الخوف و الحقد الطائفي في العراق.
ولفتت الكاتبة الى التصعيد بالهجمات الارهابية في العراق خلال الاسبوع الفائت حيث قتل ما يزيد عن مئاتي شخص، ونقلت عن مسؤولين اميركيين اعتقادهم بان تصعيد هجمات داعش هذه انما هو مؤشر على ان الجماعة لم تعد تركز على التوسع المناطقي بل على ابقاء القوات الحكومية العراقية منشغلة كي لا تباشر بعملية الهجوم لاستعادة مدينة الموصل،اذ تهدف داعش الى وضع القوات الحكومية العراقية بموقع دفاعي في بغداد.
ونقلت الكاتبة عن احد موظفي الكونغرس انه يبدو بان "داعش" تدرك بانها غير قادرة حالياً على شن حملة ناجحة للسيطرة على بغداد، وذلك لان الوضع هناك يختلف عن مدن مثل الفلوجه والموصل، خاصة وان هناك حكومة "يهيمن عليها الشيعة" في العاصمة العراقية. وبالتالي اضاف هذا المصدر (بحسب الكاتبة) ان "داعش تقوم بكل ما بوسعها ضد هذه المدينة الآن، والذي هو عبارة عن زرع الفوضى وتقويض الامن و جعل الناس يشعرون بانهم عرضة لهذه التفجيرات و الهجمات المتناثرة".
كما تحدثت الكاتبة عن هدف ثانٍ وراء تصعيد هجمات "داعش" والذي هو إبراد العلاقات بين السنة والشيعة تحت قيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي، مشيرةً الى تصريحات المتحدث العسكري الاميركي "Steve Warren” التي وصف فيها داعش بالعدو "الخطير و الذكي"، والتي تحدث خلالها أيضًا عن محاولة داعش زرع الخلافات وكذلك عن استهداف المناطق الشيعية، اذ قال "Warren” ان الكثير من هجمات "داعش" استهدفت "المناطق الشيعية المكتظة بالسكان و تركزت بشكل حقيقي على المدنيين من النساء و الاطفال".