التغلغل «الإسرائيلي» في أذربيجان؛ أهداف وأبعاد
ربما الكثير من العرب لم يسمعوا بأذربيجان الا بسبب اشتباكاتها مع أرمينيا في منطقة قرباغ، أما الكيان «الإسرائيلي» فلم يسمع فقط بأذربيجان وانما نسج معها أوسع العلاقات الاستخباراتية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، فمن ينظر الى خارطة المنطقة ، يتضح له كيف ان الكيان الصهيوني اجتاز كلاً من سوريا والعراق وتركيا ليصل الى أذربيجان، ويدرب ويعقد الصفقات العسكرية المهمة معها فيما العرب يشتبكون فيما بين أنفسهم.
و كتب موقع "الوقت" التحليلي في مقال : حينما قرأت الأرقام والمشاريع ذهلت، ولكن حين أنظر الى هنا وأجد أن أذربيجان هي على طول الحدود الشمالية مع ايران نفهم الكثير من أسباب هذا التحالف، أيضاً ضعف ما يوجد في أذربيجان نفسها يوجد أذربيجانيون أيضاً في ايران (تقريباً 20 مليون أو أكثر من الأذريين). ونفهم أن الوجود هنا كما في الكثير من دول أسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين وفي عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة له أهداف واضحة ضد ايران وأهداف أخرى مهمة وخطيرة.
في العام 2010 وحده باع الكيان الصهيوني لأذربيجان أسلحة بقيمة مليار وستمئة مليون دولار، أيضاً مسؤول في الموساد كشف لصحيفة the time البريطانية أن الكيان الصهيوني يتخذ من أذربيجان قاعدة لمهاجمة ايران، وقبل أيام نشرت صحيفة هآرتس الصهيونية خبراً عن هبوط طائرات آذربيجانية في مطارات في الأراضي المحتلة في أثناء الحرب التي استعرت رحاها مجدداً بين أرمينيا وأذربيجان، فما هي الأهداف من التغلغل «الإسرائيلي» في أذربيجان؟
بالتأكيد إن الكيان الصهيوني قد سبق جميع دول العالم والعربية منها علي وجه الخصوص للتغلغل في أذربيجان، حيث وعى مبكراً منذ استقلال هذه الجمهوريات عن الاتحاد السوفياتي، وباشر منذ ذلك الوقت التغلغل في تلك الدول، وعلى سبيل المثل فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي بثلاثة أشهر، كان الكيان الصهيوني يقيم في أزبكستان مؤتمراً دولياً مع 5 دول من آسيا الوسطى، لبحث أفق التعاون الاقتصادي والثقافي والخ.
تتعدد أهداف الكيان «الإسرائيلي» من علاقاته مع دول آسيا الوسطى والقوقاز وخصوصاً آذربيجان، ويختصرها محللون سياسيون على الشكل التالي:
اقتصادياً
- كان الهدف الأساسي للكيان الصهيوني من التغلغل في آذربيجان اقتصادياً، حيث وقعت عقود رسمية بين الطرفين، لتبادل الخبرات في مجالات عدة، كالطاقة واستخراج المعادن والغاز، وأهداف أخرى، كتأمين خط جيهان النفطي، الذي يمتد من أذربيجان، ثم جورجيا حتى ميناء جيهان التركي ثم إلى ميناء عسقلان المحتل، وينقل النفط الأذربيجاني والكازاخستاني الذي يزود الكيان الصهيوني بما يقارب 40% من حاجاته النفطية، ويسعى مستقبلاً لمدّ خط أنابيب يصل عسقلان بإيلات المحتلة على البحر الأحمر، لتصدير النفط من إيلات لدول آسيا كاليابان والهند والصين، لتصبح واحداً من أهم ممرات الطاقة العالمية، مقللة بذلك الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس، والهيمنة الروسية على ممرات النفط، وكذلك إضعاف تأثير روسيا على آسيا الوسطى والقوقاز، وعزل الصين وإيران عن الثروات النفطية لتلك المنطقة أيضاً.
أمنياً وعسكرياً
قام الكيان الصهيوني في السنوات الأربع الماضية ببيع أسلحة بقيمة 5 مليارات دولار لآذربيجان. من بينها صفقة طائرات بدون طيار قدرت قيمتها بـ مليار وستمئة دولار، وفي عام 2012 وقع الكيان الصهيوني معاهدة أمنية مع آذربيجان، ويهدف هذا التعاون الأمني الى:
- تكثيف تواجد الكيان الصهيوني العسكري والأمني في تلك الدول، والاستفادة من بيع الأسلحة والتعاون الاستخباري معها.
- إضعاف نفوذ إيران الاقتصادي والعسكري والأمني والسياسي في تلك المنطقة، واستخدام دولها "المجاورة لإيران" كورقة ضغط على إيران لتهديدها عسكرياً وأمنياً.
- يسعى الكيان الصهيوني وبدعم أمريكي وغربي لتقييد الدور الروسي في القوقاز وآسيا الوسطى، وكذلك الحيلولة دون عودة روسيا كدولةٍ عظمى، عبر إيجاد دول معادية على حدودها وإشغالها بها، ومحاولة إفقادها أهميتها في نقل النفط من خلال نقله عبر دول منطقة القوقاز، وكذلك التأثير على الموقف الروسي تجاه دعم بعض الدول كإيران وسوريا.
- ولا يمكن أن ننسى أن أحد أبرز الأهداف الصهيونية من التغلغل في آذربيجان هو تقصير الحدود بين ايران والكيان الصهيوني، حيث لا يمكن التغاضي عن أن هناك حدوداً طويلة بين ايران وآذربيجان، ويهدف الكيان الصهيوني الى ضرب ايران باستخدام المطارات العسكرية في آذربيجان من أجل تحقيق هدفه المنشود بضرب المفاعل النووية في ايران.
سياسياً
سارع الكيان الصهيوني منذ إعلان تلك الدول استقلالها عام1992، الى عقد المؤتمرات الاقتصادية والدولية من أجل الاعتراف به وإقامة علاقات دبلوماسية معه، وتقديم نفسه كوسيط لجذب رؤوس الأموال الغربية والأمريكية، ويهدف الكيان الصهيوني سياسيا الى:
- أولاً، تشجيع الهجرة إليه، حيث عمل على جلب الآلاف من يهود تلك المنطقة للسكن في الكيان الصهيوني، فقد جلب ما يقرب من 23 ألف يهودي من جورجيا، و70 ألفاً من أوزبكستان، والآلاف من أذربيجان وباقي دول تلك المنطقة، وأنشأ العديد من مكاتب الهجرة لاستقدام أكبر قدر ممكن من اليهود، بالإضافة لافتتاح العديد من المراكز الثقافية اليهودية للترويج للثقافة والأفكار الصهيونية.
- ثانياً، الظهور كقوة إقليمية تلعب دوراً مؤثراً في المنطقة، معززةً بذلك نفوذه العالمي.
- ثالثاً، إضعاف الأمن القومي للدول العربية، وعزل العرب عن الامتداد إلى الدول الإسلامية في تلك المنطقة، وعزل تلك الدول عن المحيط العربي.
- رابعاً، التأكيد على دوره الوظيفي المنوط به لصالح الغرب وأمريكا، وذلك بالعمل على منع عودة روسيا كقوة عظمى، ومنع التوسع الإيراني والصيني والعربي في المنطقة، ومحاولة بناء خطوط بديلة عن خطوط النفط المارة بروسيا والمتوجهة لأوروبا.
اذاً، وبناءاً على ما تقدم، فإن الكيان الصهيوني لا يتوقف، ولا يغمض عينه عن أي منطقة قد تساعده في معاركه ضد العرب والمسلمين، أياً كانت هذه المناطق بعيدة أو نائية، وأياً كان الحجم المتوقع منها، وأياً كانت ديانتها مسيحية أو اسلامية، ويجب علينا أن لا نسمح له أن يتغلغل وأن ينجح، وألا نترك له الباب مفتوحاً ليدخل، بل نسبقه ونعزز علاقاتنا، ونحصن وجودنا وروابطنا، لتساهم معنا هذه الدول، وهي إسلامية، في معركتنا ضد الكيان الصهيوني.