داود أوغلو لم يستقل…أردوغان طرده!
فوجئ الأتراك والعالم الأجمع من الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، والتي أعلنها بنفسه، يوم الخميس الماضي، بصوت هادئ لم يخف مرارة، جعلت عدداً من أصدقائه يذرف دموعاً غزيرة، وهم يستمعون إلى خطابه الأخير.
ولابد أن تكون لتلك الخطوة تداعياتها وخلفياتها السياسية، بل والشخصية أيضاً. فقد عرف عن أوغلو صداقته وولاؤه الشديد للرئيس التركي، أردوغان، ما دفع عدداً من المحللين للبحث عن أسباب استقالته، ومنهم ديفيد بارشارد، كاتب وصحفي سابق متخصص في العلاقات التركية ـ الأوروبية، في مقاله الأخير في مجلة نيوزويك، الأمريكية، بحسب ما نقل موقع «24ae»
طرد لا إستقالة
برأي بارشارد، ما حصل لأوغلو كان طرداً، من قبل أردوغان، لا استقالة. ولربما كان رد فعله المتواضع مفاجئاً، لكن من استمعوا إلى خطاب استقالته قالوا إنهم علموا بها قبله، من خلال تسريبات وفرها معسكر الرئيس التركي لوكالات أنباء عالمية، يوم الأربعاء الماضي، بالرغم من محاولة أوغلو، بعد اجتماعه برئيسه، التزام الصمت.
ومما يزيد الحرج الذي تعرض له أوغلو، عندما أعلن خبر استقالته في صباح اليوم التالي، الخميس، أمام اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، غياب معظم نواب البرلمان من حزبه. فقد كان هؤلاء في القصر الرئاسي المؤلف من 1100 غرفة ( يرمز له بالتركية باسم الكلية، بمعنى مجمع من أبنية دينية تحيط بمسجد)، يستمعون إلى الرئيس وهو يدلي بأرائه حول قضايا آنية، منها رفع الحصانة عن نواب يتبعون حزب الشعوب الديموقراطي الكردي، تمهيداً لعزم الحكومة على محاكمتهم بتهم دعم الإرهاب.
اعتراف ضمني
ويقول بارشارد إن أوغلو اعترف ضمناً بأن معظم مفاتيح السلطة هي في يد الرئيس أردوغان، مع أنه لا يزال، وفقاً للدستور التركي، رئيساً للدولة محايداً وغير تنفيذي. ويبدو أن العالم كله يدرك هذه الحقيقة، ويتقبلها. ومن مفاجآت أزمة استقالة أوغلو ما نشرته صحيفة فاينانشال تايمز، اللندنية، على يومين متتابعين، من أن أوغلو "ترك أردوغان في وضع الجاهل بما يجري في مفاوضات أوروبية خاصة باللاجئين”، وهو أمر اعتبرته أنقره بمثابة غدر كبير.
ويشير الكاتب إلى عدم توافر تفاصيل بشأن ما جرى، ولكن مسؤولاً رفيعاُ في بروكسل أعطى تلك المعلومات للصحيفة، ويبدو أنه كررها من أجل نشرها، في اليوم التالي. وبلا شك، أشار ذلك المسؤول، وإن بطريقة مواربة، إلى سقوط رئيس الوزراء التركي.
ويلفت بارشارد إلى اضطرار حلفاء تركيا الأوروبيين والأمريكيين للبحث حالياً عن سبل لكيفية العمل مع نظام رئاسي قوي في أنقرة، لا توقفه أية ضوابط أو توازنات، ولا يواجه سوى أضعف أشكال المعارضة البرلمانية.
وكان أوغلو نفسه إسلامياً، ومؤيداً لمشروع جعل تركيا قوة عالمية (لفت الانتباه المرة الاولى بكتابه الصادر في عام 2002، موضحاً كيف يمكن تطبيق تلك الرؤية، وربما كانت الحرب الأهلية السورية محاولة لتحقيق تلك الغاية)، وأدار مجلس وزرائه بأسلوب براغماتي تقليدي، ولكن مع خروجه يرجح أن تشهد السياسة التركية حركة زئبقية، وأن تستعدي أنقرة الغرب في سعيها إلى دمج تركيا مع دول إسلامية.
عزل
ويقول الكاتب إن أردوغان وأقرب مؤيديه يعتقدون أنه بدءاً من 2013، إن لم يكن قبله، سعى بعض الدول الغربية إلى عزله والقضاء عليها. وتشعر أنقرة باستياء شديد من ضعف شعبية الرئيس التركي لدى عدد من الشعوب الغربية. وقد تصبح السياسة الخارجية التركية أكثر تشدداً، فيما لو سعى الاتحاد الأوروبي، والذي اعتاد، على مدار سنوات، على المراوغة حيال تجاوزات في تركيا لحقوق الإنسان وارتكاب أخطاء سياسية، إلى أن يكف، بعد اليوم، عن سياسة غض الطرف عن سياسات نظام يزداد استبداداً، في مقابل تعاون تركي حول قضية ضبط توجه اللاجئين نحو دوله.
استعدادات
وفيما كانت أنقرة تستعد لإطاحة أوغلو، أعطى الاتحاد الأوروبي مباركته لمنح الأتراك تأشيرة دخول إلى منطقة شنغن، وذلك في مقابل تعاون تركي لضبط لاجئين. ويبدو أن أوروبا تجاهلت مخاوف عبرت عنها جماعات حقوق إنسان وحرية التعبير عن الرأي. وقد يثبت الزمن خطأ ذلك القرار، ولكنه يأتي متناقضاً مع مثالية اتبعها الاتحاد الأوروبي خلال العقود الأخيرة.
اختبار
وبرأي الكاتب، يبقى مستقبل الاقتصاد التركي بمثابة الاختبار الأكبر لأنقره، وهو الأكبر في شرق أوروبا والشرق الأوسط. وحتى تاريخه، ورغم اضطرابات سياسية شهدتها تركيا خلال السنوات الأخيرة، والحرب ضد داعش ومقاتلي بي كي كي الكردي، وشبه انهيار قطاع السياحة، صمد الاقتصاد التركي أمام تلك الضغوط، ويتوقع أن يرتفع الناتج الإجمالي المحلي إلى أكثر من 3,5 للعام الحالي. ولكن قسماً كبيراً من ذلك النمو يأتي عن طريق الاقتراض والاستهلاك المحلي. وقد ينجم عن التوقف عن اتباع أساليب تقليدية في إدارة الاقتصاد، بعض المخاطر التي يبدو أن تركيا استطاعت تجنبها على الجبهة السياسية.