عندما تساهم القاعدة وداعش في انتشار النفوذ الاميركي
شارل أبي نادر
قد يكون الاميركيون صادقين في عملهم الامني والعسكري والديبلوماسي لإبعاد نفوذ وسيطرة العناصر المتشددة الارهابية كـ”القاعدة” و”داعش” و”حركة الشباب” الصومالية المتطرفة او جماعة "بوكو حرام” النيجيرية عن المدن الساحلية الاستراتيجية في كل من اليمن والصومال ونيجيريا وليبيا، وهذا ما يعبر عنه المسؤولون العسكريون والأمنيون في وحدات التحالف الذي يقودونه لمحاربة الارهاب. اخر التصريحات جاء على لسان المتحدث باسم البنتاغون الكابتن البحري جيف الذي يقول: "ليس من مصلحة الولايات المتحدة الاميركية ان يسيطر تنظيم ارهابي على مدينة ساحلية”.
الا ان التدقيق بالمعطيات يدفع لاستنتاج مفاده ان الاميركيين غير جادين ولا صادقين في إبعاد تلك المجموعات الارهابية المذكورة عن مناطق ومراكز حيوية داخل بعض البلدان في الشرق الاوسط وافريقيا ومنها الدول المذكورة اعلاه.
عمليا، تقوم الوحدات الاميركية تقريبا بما يجب من عمليات عسكرية جوية في محاربة الارهاب، خصوصا من خلال غارات مركّزة على مواقع للتنظيمات الارهابية المتشددة، فهي تقصف وبعنف من وقت لاخر مراكز لحركة الشباب الصومالية المتشددة في العاصمة مقديشو، وايضا الى الجنوب منها في مدينة كيسماو الساحلية، وهي ترعى وتساهم بتنفيذ غارات جوية عنيفة على مراكز لتنظيم داعش في مدينة سرت الليبية الساحلية حيث بقيت جنسية الطائرات القاذفة مجهولة ما بين الاوروبية او الاميركية، كما وتلعب دورا خفيا في دفع طائرات مجهولة من وقت لآخر في استهداف أماكن محتملة لتواجد عناصر من منظمة "بوكو حرام” المتطرفة في مناطق ساحلية نيجيرية على المحيط الهادي جنوب افريقيا، وهي الآن تتحضّر لمتابعة عملياتها ضد تنظيم القاعدة على سواحل اليمن الجنوبي وخاصة في مدينة المكلا الاستراتيجية، وذلك بعد اعادة تمركز مجموعات من وحداتها الجوية والخاصة في قاعدة العند الجوية اليمنية في محافظة ابين الجنوبية .
الا ان الملاحظ ان هذه الجدية تقتصر على التعاطي مع المدن الساحلية او الواجهات البحرية الاستراتيجية في تلك الدول الملتهبة، في حين نشهد غض نظر بطريقة فاضحة ومكشوفة عن اغلب تحركات تلك المجموعات في داخل وعمق تلك الدول. ففي سوريا تتمتع هذه الوحدات الارهابية بِحُرية واسعة في الحركة والانتقال بين مختلف المواقع والمناطق التي تسيطر عليها وخاصة في اغلب مناطق الشرق والشمال الشرقي السوري، وفي ليبيا ايضا لا يجد "داعش” اية صعوبة تعترضه في تمدده باتجاه الداخل جنوبا، على الرغم من السيطرة الاميركية الجوية على اغلب اجواء الشرق وافريقيا رصدا وتنصتا وتغطية جوية كاسحة.
ايضا، لم يعن لهذه الوحدات الاميركية شيئا ما تقوم به مجموعة "بوكو حرام” الارهابية من مجازر في نيجيريا والمحيط القريب، ولا ما تحضّر له "حركة الشباب” الصومالية. ما يهم واشنطن هو إبعاد تلك المجموعات الارهابية عن المدن الساحلية حيث المرافىء التجارية، وحيث تنشط الحركة البحرية عبر البحار والمحيطات التي تحنضن بوارج وسفنًا ومدمرات عسكرية غربية، أوروبية او أميركية، والتي لا يخلو بحر او محيط في العالم من إحداها.
داعش في خدمة واشنطن
وفي اليمن، حيث تحضر الوحدات الاميركية ارضية فاعلة في قاعدة العند الجوية، يتم التركيز الان على استكمال انسحاب عناصر التنظيم المذكور من اغلب مواقعه على السواحل اليمنية وخاصة من مدينة المكلا الساحلية الاستراتيجية، ولكن بالمقابل، يغضّ الاميركيون النظر عما يقوم به السعوديون من تسهيل لعناصر القاعدة المنسحبين من المواقع الجنوبية باتجاه الوسط في تعز والبيضا وشبوة وشمالا باتجاه مأرب والجوف. وهذا الامر قد يسمح للقاعدة بالسيطرة على نقاط ارتكاز قوية في مواجهة المناطق الداخلية المحيطة بالعاصمة صنعاء او بمدينة تعز حيث تنتشر وحدات انصار الله والجيش اليمني والمؤتمر الشعبي.
وهكذا… يمكن ان نستنتج ان حرب واشنطن المنحرفة ضد القاعدة واخواتها تساهم وبطريقة فعالة في انتشار نفوذها العسكري والامني والسياسي من خلال التحكم بالسياسات الداخلية في الدول التي تستهدفها، وذلك عن طريق الايحاء لحكومات وشعوب تلك الدول انها المنقذ الوحيد القادر على مواجهة هذا الارهاب .اما الحقائق فتؤكد ان التدخل الاميركي العسكري لم ينتج عنه الا تفتيت العراق وشرذمة مكوناته، وتقسيم وتدمير سوريا وتهجير ابنائها والضغط من خلال تزايد عدد اللاجئين منها على محيطها وعلى دول الاتحاد الاوروبي عبر تركيا، وتفكك ليبيا وخسارتها لثرواتها النفطية، وكل ذلك يترافق مع خلقها سوقا واسعة في تلك الدول وفي الدول المحيطة بها، تبيع فيه اسلحتها التدميرية باموال طائلة، فترفع معدل النمو وتحقق توازنا اقتصاديا وماليا مهمًّا داخل مجتمعها.