الى أين تتجه الأزمة السياسية في العراق؟
عادل الجبوري
لا تلوح في الأفق السياسي العراقي أية مؤشرات على إمكانية استئناف عقد جلسات مجلس النواب العراقي، ولا عودة لانعقاد جلسات مجلس الوزراء بحضور قوي وليس حضورا ضعفيا مهلهلا، خلال وقت قريب.
ولا تلوح في الافق السياسي العراقي ايضا ملامح لحلول واقعية وعملية للازمة الخانقة التي بدا هذه المرة ان نهاياتها مفتوحة و"سائبة" الى حد كبير، او غامضة ومجهولة المسارات والمالات.
ولأن الأزمة واحدة وان تعددت وتنوعت عناوينها ومسمياتها وخلفياتها واسبابها، فهذا يعني ان العوامل ذاتها التي تحول دون استئناف عقد جلسات البرلمان، تحول دون تفكيك وحلحلة العقد المستعصية بين الفرقاء.
ولعل السبب الجامع الشامل لذلك الانسداد الكبير والخطير في المشهد السياسي العراقي، يتمثل في اقتحام مئات المتظاهرين للمنطقة الخضراء ودخولهم مبنى مجلس النواب، واعتدائهم على عدد من نواب المجلس وموظفيه، ناهيك عن تخريب بعض محتوياته، في الثلاثين من شهر نيسان-ابريل الماضي.
ذلك الاقتحام الذي اريد منه ان يكون عامل ضغط قوي ومؤثر لتفعيل مسيرة الاصلاحات، تسبب في خلط الاوراق وبعثرتها الى ابعد الحدود، بحيث ان اعادة ترتيبها بصورة مرضية ومقبولة، يحتاج الى جهود كبيرة ووقت طويل، الامر الذي من شأنه ان يفتح الباب واسعا لكل الاحتمالات، لا سيما السيئة منها والخطيرة.
وعملية الاقتحام، ان لم تكن هي السبب الذي دفع ويدفع قوى وكيانات سياسية مختلفة الى تعليق حضورها في جلسات البرلمان واجتماعات الحكومة، فإنها هيأت ووفرت المبررات والحجج لدى تلك القوى والكيانات لتتخذ قرار التعليق - او المقاطعة - الى اشعار آخر.
ولعل جانبا من تلك المبررات والحجج يبدو منطقيًّا ومعقولا، اذا نظرنا اليها بصورة مجردة عن اية احتقانات ومواقف مسبقة، وبعيدا عن اية حسابات ومصالح خاصة.
الاكراد، الذين تعرَّض عدد من نوابهم الى الاعتداء والتجاوز من قبل بعض المتظاهرين الداخلين للمنطقة الخضراء، رفضوا بشكل واضح وصريح عودة وزرائهم ونوابهم الى بغداد، ولم يفلح رئيس مجلس النواب سليم الجبوري خلال زيارته الاخيرة للاقليم في اقناعهم بالعدول عن موقفهم، وهم يريدون اعتذارا رسميا من التيار الصدري، باعتبار ان المتظاهرين الذين اعتدوا عليهم ينتمون الى ذلك التيار، وكذلك يريدون ضمانات امنية بعدم تكرار ما حصل.
وهذا ما هو معلن، كما أن لديهم مطالب وشروطًا اخرى لا يتحدثون بها الا في الكواليس وخلف الابواب الموصدة، ومنها، قيام الحكومة الاتحادية بدفع المخصصات المالية لقوات البشمركه، باعتبارها تشكيلات عسكرية رسمية، اضافة الى تسديد –ولو بجزء من الرواتب المتأخرة تسعة أشهر لموظفي الاقليم، وعدم اختيار شخصيات كردية لتولي مناصب وزارية في أية تشكيلة حكومية جديدة دون التشاور والتنسيق المسبق مع الاقليم.
ولا شك ان مثل تلك الشروط والمطالب، تبدو وكأنها نوع من الابتزاز من جانب، ومن جانب اخر، فإنها تعكس عمق وخطورة الازمات السياسية والامنية والاقتصادية التي يواجهها الاقليم.
أما التيار الصدري، الذي أعلن وزراؤه في الحكومه استقالتهم منذ وقت مبكر، فقد ربط العودة الى البرلمان بتصويت الاخير على كابينة المستقلين التكنوقراط التي قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي في ظرف مغلق لهيئة رئاسة البرلمان في الحادي والثلاثين من شهر اذار-مارس الماضي، ويعتبر التيار ان مطلبه هذا هو مطالب الجماهير الداعية للاصلاح والتغيير.
وعلى الرغم من ان زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر استطاع ان يحشد ويعبئ جزءا لا يستهان به من الشارع لفرض رؤاه واطروحاته، الا ان الذهاب بعيدا الى مستوى اقتحام المنطقة الخضراء والبرلمان، جعل الامور تتجه الى المزيد من التعقيد والارباك على كل الاطراف بلا استثناء.
في مقابل ذلك، فإن المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عبّر على لسان زعيمه السيد عمار الحكيم قبل بضعة ايام عن رفضه للتجاوز على الشرعية الدستورية وانتهاك حرمة المؤسسة التشريعية(البرلمان)، وشدد على اهمية التفريق بين الاصلاح الحقيقي، والاصلاح الذي يريد من ورائه البعض تحقيق مكاسب سياسية خاصة.
ويرى المجلس الاعلى ان المخرج المناسب للازمة الراهنة هو الذهاب الى تشكيل اغلبية برلمانية عابرة للمكونات، علما ان زعيم المجلس كان قد طرح تلك الفكرة في مناسبات سابقة.
ولكن، من المؤكد ان ترجمة ما يدعو اليه المجلس الاعلى يتطلب تهيئة ارضيات ومناخات سياسية ملائمة، وتفاهمات بين قوى كبرى ومؤثرة من المكونات الرئيسية، وهذا يحتاج الى وقت غير قليل، وحراك سياسي باتجاهات متعددة، بيد انه يمكن ان يتحول الى خيار يتبناه ويدعوه اليه الآخرون فيما لو لم تتحقق انفراجات حقيقية وسريعة للازمة.
وبينما لا تختلف رؤية ائتلاف دولة القانون التي طرحها زعيمه نوري المالكي، للخروج من الازمة، كثيرا عن رؤية المجلس الاعلى، الا ان المختلف في الامر ان رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي يعد من قيادات حزب الدعوة الاسلامية، ومن الوجوه البارزة في "دولة القانون"، يتبنى بحكم الضغوط التي يتعرض لها باعتباره رئيسا للوزراء، مواقفا وتوجهات تفتقر الى الوضوح من جانب، ويحاول من خلالها ارضاء مختلف الفرقاء رغم تباين رؤاهم من جانب اخر، مما يعني ان هناك تباينا في المواقف بين اقطاب دولة القانون، ربما بعضها يرتبط بالظروف التي قطعت الطريق على المالكي للبقاء على رأس الحكومة بعد انتخابات عام 2014 ومهدت الطريق للعبادي ليحل محله.