اردوغان: مساجدنا ثكناتنا والمصلّون جنودنا
حمزة الخنسا
إقترب رجب طيّب اردوغان خطوة إضافية من هدفه حصر جميع صلاحيات الحُكم بمؤسسة الرئاسة التي يتربّع على عرشها. أطاح بأحمد داوود أوغلو، آخر رموز "إنقلاباته البيضاء" على الحلفاء، في طريقه الى السيطرة على مقاليد السلطة في تركيا. تدرّج الرجل في الإطاحة بـ"الأقربين"، بدءاً من أستاذه نجم الدين أربكان، مروراً برفيقه بالإنشقاق عن حزب الفضيلة عبد الله غول، وصولاً الى مهندس سياساته وواضع استراتيجيات حكمه أحمد داوود اوغلو، وما بينهما الداعية الإسلامي القوي فتح الله غولن.
اليوم، تخلّص "رجُل تركيا القوي" من داوود أوغلو، آخر "أدوات" وصوله الى الحكم والملقب بـ"المُخ". يقولون في تركيا إن "العضلات تغلّبت على المخ". يشبّه البعض خطوات اردوغان، بخطوات الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، الذي تخلّص من أغلب معاونيه في الوصول الى الرئاسة. الفرْق، أن صدام تخلّص منهم بإعدامهم دفعة واحدة في الإجتماع الشهير في "قاعة الخلد" عام 1979، فيما "تكتك" اردوغان في التخلّص منهم سياسياً وبـ"نظافة" وعلى مراحل زمنية متباعدة.
هذه الغلبة، وإنْ أطاحت بأركان حُكم اردوغان، إلا أنها عزّزت مخاوف العلمانيين الأتراك القائمة على أسس اتهام اردوغان بمحاولات "أسلمة النظام" في تركيا. هذا لا يعني أن أوغلو كان بنظر علمانيي تركيا حامي "تركيا اتاتورك"، بل يأتي القلق من كون اردوغان تمكن من إزاحة كل مَن كان بمقدوره قول "لا" في وجهه، أو على الأقل التفكير من "خارج النصّ" في داخل البيت "الاردوغاني".
مثلاً، في أوج المعركة بين اردوغان والأكراد، زار داوود أوغلو ديار بكر، وقال إثر الزيارة: "إذا عاد حزب العمال الكردستاني إلى أيار2013 (تاريخ إعلان حزب العمّال الكردستاني قرار سحب جميع مقاتليه المتواجدين في تركيا)، فيمكن عندها الحديث حول كل شيء"، في إشارة الى استئناف مفاوضات السلام بين الطرفين. هذا الكلام دفع اردوغان الى الخروج بتصريح ينسفه، حينما قال: "لا يوجد موضوع اسمه مفاوضات (مع الأكراد) على الإطلاق".
وأيضاً، يوم أعلن اردوغان عزمه اتخاذ الإجراءات اللازمة لسحب الهوية التركية من الذين يقفون بجانب "المنظمات الإرهابية" (أي حزب العمّأل الكردستاني بحسب الصنيف الرسمي التركي)، خرج داوود أوغلو ليقول: "لم نضع ذلك في جدول الأعمال حتى الآن".
في 22 من الجاري سيعقد حزب "العدالة والتنمية" مؤتمراً إستثنائياً، ستكون مهمة المؤتمرين الأساسية انتخاب رئيس جديد للحزب خلفاً لداوود أوغلو المستقيل من المنصب، ومن رئاسة الحكومة أوتوماتيكياً. بالطبع، سيستبق اردوغان المؤتمرين بإعلان اسم مرشحه لرئاسة الحزب، والذي من المُنتظر أن يحصل على أعلى نسبة تصويت، يذهب بها مباشرة الى سدّة رئاسة الحكومة.
بالطبع، سيحرص اردوغان على ترئيس شخصية "ذات طاعة عمياء" له. فالمرحلة المقبلة يريدها الرجل أن تكون مرحلة نقل صلاحيات رئيس الحكومة الى رئيس الجمهورية، وبالتالي تحويل النظام السياسي التركي من برلماني الى رئاسي. وعليه، فإن رئيس الحكومة المقبل تنتظره مهام كثيرة في هذا الإطار، أولها مساعدة رئيس البلاد على إيجاد المخارج اللازمة لمعضلة فقدان حزب "العدالة والتنمية" صاحب الـ 317 مقعداً في البرلمان الحالي، للأغلبية البرلماتية (367 مقعداً) التي تخوّله فرض دستور جديد للبلاد عبر البرلمان، أو أقله تأمين الأغلبية البسيطة (330 مقعداً) التي تخوّله تحويل مشروع الدستور الجديد إلى استفتاء شعبي. يتداول الإعلام التركي اليوم "وصفات اردوغانية" متعدّدة لتخطي عقبة الأغلبية في البرلمان، كالتحالف مع "حزب الحركة القومية" اليميني المتطرّف، وإسقاط عضوية عدد من النواب بتهمة التعاون مع حزب "العمّال الكردستاني" بوصفه منظمة إرهابية، وإعادة الإنتخابات في دوائرهم، على أن يتم ترشيح آخرين تابعين لـ"العدالة والتنمية".
يمضي حزب "العدالة والتنمية" بخطى ثابته نحو تحويل النظام البرلماني في تركيا، الى نظام "الرجُل الواحد" بقيادة رجب طيّب اردوغان، صاحب هذه الرؤية والتوجّه، وصاحب الطموحات الكثيرة، المُعلن منها والخفي.
في عام 1998، عندما أنشد اردوغان أبياتاً من الشعر في خطاب جماهيري جاء فيها: "مساجدنا ثكناتنا .. قبابنا خوذاتنا .. مآذننا حرابنا .. والمصلّون جنودنا .. هذا الجيش المقدّس يحرس ديننا"، لم يكن يهدف الى إثارة حماسة الجماهير فحسب، بل كان أيضاً يعلن عن توجهه الجديد لحُكم تركيا العلمانية باسم الإسلام بالمفهوم الاردوغاني الحزبي. الأمر الذي بات اليوم أقرب الى التحقّق من أي وقت مضى.. إلا إذا كان للأتراك رأي آخر.