ان شاهدته ولم تقطع يديك....
حسين شريعتمداري
1 ـ عامان على الثورة الاسلامية (أي سنة 1980) نشر كتاب في اميركا بعنوان "الدين والسياسة" يتناول في طياته "حين يقال بضرورة فصل الدين عن السياسة، تتوجه رؤى العموم من المتلقين وحتى بعض علماء الدين انه ينبغي معالجة الامرين الدين والسياسة كل على حدة، وان تكون مساحة الحركة منفصلة، هذه الرؤية ان صحت في الدين المسيحي فهي غير ممكنة في الدين الاسلامي، اذ ان للاسلام برنامج للشأن السياسي كما له برنامج للشؤون الخاصة للافراد، فقد اشبع الاسلام كافة مجالات السياسة بالضبط كما يقرر لمفردات الحياة التي تخص المسلم، من هنا اضحى الاسلام الوصفة الجامعة للدين والسياسة".
واشار الكاتب الى نجاح الغرب في فصل الدين عن السياسة واستطاع المشرع المدني ان يقوقع الدين في الدول الاسلامية، معربا عن قلقه من تعثر هذه السياسة مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران، قائلا: "بالنظر لامتزاج الدين بالسياسة في الاسلام، فحين نقول بفصل الدين عن السياسة، فهذا يعني ان الدين سيكون قربانا لاجل السياسة"! واقولها آسفا؛ "انها مسألة لم يلتفت لهاسوى (الامام) الخميني اذ حقق الثورة الاسلامية من هذا المنظار".
2 ـ سماحة قائد الثورة اعتبر خلال استقباله اول امس حشدا من مدراء واساتذة وطلبة الحوزات العلمية في طهران اعتبر ا لتوجيه الفكري والديني الى جانب التوجيه السياسي، وتعزيز الوعي والارشاد والحضور في ساحة الخدمات الاجتماعية ثلاث مسؤوليات اساسية لعلماء الدين، في اشارة الى الشبهات التي تكثر هذه الايام لمهاجمة اذهان الشباب بالافكار المنحرفة، معتبرا مواجهة هذه الشبهات جهادا كبيرا، قائلا: "ان هذه الساحة هي الساحة الحقيقية للحرب وعلى علماء الدين وطلاب الحوزة ان يتسلحوا لمواجهة الشبهات والافكار المنحرفة". ووصف سماحته الاسلام الرجعي والاسلام الاميركي بشفرتي مقص انبرتا في مواجهة الاسلام المحمدي الاصيل.
ولكن اين يمكن العثور على شفرتي المقص وعلى هاذين التوجهين الاسلاميين المنحرفين اللذين اشار اليهما سماحة القائد، والاستعداد لمواجهتهما؟ واليكم شرحه!
3 ـ ان اهم خصوصية للاسلام الرجعي هو الاعتقاد بفصل الدين عن السياسة، وان اهم خصوصية للاسلام الاميركي عدم الاعتقاد بمحاربة الظلم ومواجهة الظلمة والمستبدين.
ان هاتين المدرستين كانتا تنشطان في قالب خاص بهما واحيانا ينظر اليهما كندين. الا انه وكما يقال "الكفر ملة واحدة" وبشهادة القرآن "فماذا بعد الحق الا الضلال" فانه بعد انتصار الثورة الاسلامية والحضور الفاعل للاسلام المحمدي الاصيل، التحق التيارات المنحرفان ببعضهما، ليعملا ـ حسب ما تفضل به سماحة القائد ـ دور شفرتي مقصى واحد. فكيف ذلك؟!
4 ـ ان التيار الذي يؤمن بفصل الدين عن السياسة، سواء اكان يعلم ام لا يعلم اذ ان الكثير منهم على ارتباط تنظيمي بالتكتلات الاجنبية ـ يمكن تقييمه خارج دائرة الاسلام، اذ حسب ما تفضل به الامام الخميني(ره)، وبشهادة الوقائع على الارض، فان اكثر الاحكام والتعاليم الاسلامية تتعلق بالسياسة والاجتماع، وان جانبا ضئيلا منها، يتعلق بالاحوال الشخصية والواجبات الفردية. من هنا يمكن الخروج بنتيجة مفادها، ان من يروج لفصل الدين عن السياسة، يطالب بتعليق الاحكام والقوانين الاسلامية، وفي هذه الحالة، اذا لم يلتفتوا فهم اقرب الى الكفر من الاسلام.
سماحة الامام الخميني (ره) يقول في كتابه (ولاية الفقيه) الصفحة 11؛
"ان معدل الآيات التي تتناول الشؤون الاجتماعية قياسا للتي تتطرق للعبادات يقرب من 1%. كما نلاحظ في كتب الحديث والتي تربو مجلدات كل عنوان منها على خمسين كتابا والتي تحتوي جميع احكام الاسلام، تشغل العبادات ثلاثة الى اربعة كتب، وبعضها يتعلق بالاحكام التي تعالج المسائل الاخلاقية، فيما سائر الكتب تتناول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والقضاء والسياسة وادارة المجتمع". فان معدل 1% يعني ان الايات المتعلقة باحكام الاجتماع والسياسة مائة مرة اكثر من الآيات المتعلقة بالاحوال الشخصية. من هنا فان الذين يفصلون الدين عن السياسة ويروجون لهذا المبدأ المنحرف يعطلون جانبا كبيرا وواسعا من قوانين الاسلامن وهذا لا يعني سوى التخلي عن الاسلام. انهم يدعون عدم انكارهم لقوانين الاسلام في جوانبها السياسية والاجتماعية ولكن يؤجلونها الى زمان الظهور!
ان هذا الكلام يعني ان الامامة معطلة في فترة الغيبة، وان امام الزمان ـ ارواحنا لتراب مقدمه الفداء ـ لا دور له في فترة الغيبة!
5 ـ وهكذا الاسلام الاميركي يحض على الظواهر الاسلامية كالحج والصلاة والصيام والخمس والزكاة و... الا ان ما يميزه عن الاسلام المحمدي الاصيل هو عدم تصديه للظلم، اذ لا يرى اصحاب هذا النهج (الاسلام الاميركي) بضرورة مواجهة التسلط والاستبداد والعدوان وسفك الدماء.
ان مقاربة الاسلام المحمدي الاصيل بالاسلام الاميركي، كالماء والسراب. فالاسلام الاميركي يتمسك بظاهر الاسلام وهو كالسراب يجلب العطشان اليه، ولكنه لما لا يحارب الظلم ولا يواجه المستبدين والسلطويين فهو لا يدافع عن المظلومين، ولا يروي المتعطشين للعدالة بل يتركهم في الصحراء.
ان سماحة الامام (ره) يصف الاسلام الاميركي بـ "اسلام ابوسفيان، واسلام وعاظ السلاطين القذرين، واسلام مدعي القداسة في الحوزات العلمية والجامعات، اسلام الذل والهوان، اسلام المال والسلطة، اسلام الخداع والاستسلام والاسر، اسلام سلطة المال والرأسماليين على المظلومين والحفاة".
6ـ خلال العقود الاخيرة تبلور الاسلام الرجعي والاسلام الاميركي في "الوهابية"، الا ان ما يؤسف له شهدنا تغلغل هاذين التيارين في ايران اثناء حكومة الطاغوت لاسيما بعد انتفاضة (التنباكو) وتأميم النفط، ومع انتصار الثورة الاسلامية امكن تحجيم هاذين النهجين المنحرفين. الا اننا اليوم نشهد حركة مشبوهة وزحفا حثيثا لهاذين التيارين، الذين تقاطعا في نقطة ليتحدا في وجه التعاليم الثورية الاسلامية والاسلام المحمدي الاصيل، اذ يرفدها جهة اجنبية واحدة.
ان التيار المنحرف الذي تبنى فتنة 2009 وهو يرى اليوم ان الانفتاح الاقتصادي ورفع المشاكل في التماهي مع اميركا، يمكن ان نصنفه بالاسلام الاميركي. فيما تعلو تخرصات تيار الاسلام الرجعي باستخدامه لعشرات القنوات الفضائية مثل ؛ "السلام"، و"الامام الحسين 1، 2، 3"، و "المرجعية" و "فدك" و... اللائي وضعن بخدمتهم من قبل اميركا وبريطانيا بشكل مباشر. وتقوم هذه القنوات بمهاجمة الثورة الاسلامية.
7 ـ ان هاذين التيارين "الاسلام الرجعي" و"الاسلام الاميركي" يستغلان (الصورة الغير تطابقية IMAGE MAUING) لترويج تعاليمهم الانحرافية. فهي صورة غير حقيقية عن الواقع توظف لتضليل المخاطب. وسبق ا ن تناولنا في كتابات سابقة الحيل التي تستعمل في طرح الصورة الغير واقعية، ونقتصر هنا، بانه يمكن ازالة القشرة عن الصورة الغير واقعية بسهولة اذا ما اعملنا العقل والعلم لمعرفة التعاليم الاسلامية، وعندها تظهر الصورة الحقيقية للاسلام، اذ حسب الامام الخميني(ره) "الدنيا عطشى لهكذا اسلام" وهو اين ما يتجه يصنع المعجزة.
.... اذاشاهدت يوسف وقطعت يديك فلا تلومن زليخا.