kayhan.ir

رمز الخبر: 38505
تأريخ النشر : 2016May14 - 18:32

قراءة سريعة في معادلات نصرالله الجديدة

ناصر قنديل

- في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله معادلات جديدة تحاكي الاستراتيجي والسياسي، ولأنه صانع سياسة، فالكشف عن المعادلات ليس مهمّته، بل أحياناً مُضرّ بها، لأنّ السياسة تحتاج حصيلتها وخلاصتها وغالباً دون كشف المبرّرات، أو دون شرحها، وربما بقول بعضها، أو بحجبها وتفعيلها بكتمانها وتركها تشتغل.

- يبدو السيد نصرالله المشبع في العقيدة والإيمان والمنطلق بالديني، حدّ الغصة بدمعة لدى ذكر رمز من رموز أهل البيت، قد قرّر تفادي الرمزية الدينية في خطابه السياسي لأبعد مدى ممكن، فحزب كحزب الله ينطلق من العقيدة الدينية في تماسكه، وسلّم قيمه وتضحياته، على يقين من درجة استهدافه الوجودي، ولديه قرار يقيني بخوض المواجهة، ينكفئ من السياسي إلى الديني لاستنهاض الأعلى من القدرات واستنفار الأكثر من الناس، وحشد الخطوط تلو الخطوط في الجبهات، بينما يصرّ السيد نصرالله على كشف السياسي وراء الاستهداف وعلى التحليل والتفنيد بالسياسي والمواجهة بالسياسي، وصولاً لحدّ القول إنّ الديني فيكم لا يعنيهم إذا فقد بعده السياسي، فصلّوا وصوموا وتحجّبوا وحجّوا ما شئتم، فإنّ ذلك لا يزعجهم ما دمتم لا تتدخلون في شأن فلسطين، إنّ بني سعود يفعلون ذلك ولا يزعجونهم، ولا يمكن للأمر أن يكون بهذه الخطورة الوجودية والقرار الحاسم بالمواجهة، ويجري غضّ النظر عن السلاح السحري لـ«الديني» إلا لحسابات دقيقة وحساسة وأكثر خطورة من المقدّمات.

- يتضح من متن خطاب نصرالله الشرح المستفيض لخطة أميركية باستنزاف محور المقاومة تقوم على توظيف واستخدام منتج ديني مهجّن جرى تصنيعه وتطويره وتمّت برمجته لهذا الغرض، وينظر نصرالله إلى الحرب في سورية من هذه الزاوية، ويعرف أنّ التباري بين الديني والديني هو الهدف الذي يمنح الخطة الأميركية فرصة الفوز بالرهان، وانتقاله إلى مرحلة المذهبي مقابل المذهبي، وبالتالي إلى الفتنة، التي يقاتلها حزب الله في الميدان وليس بالتجاهل، ولا بالتغاضي ولا بإدارة الظهر، فيرسم ملعب المنازلة الذي يدرك أنه مقتل أعدائه، إنه السياسة، فيقول لهم ليس مهماً أن تقيموا الصلاة ولا أن تصوموا ولا أن تتحجّب نساؤكم، أجيبونا عن موقفكم من فلسطين، والمقدسات والاحتلال، ويبدو أنّ هذا المسرح للمنازلة والمواجهة الذي يختاره نصرالله للمواجهة المقبلة مع كلّ المعسكر المعادي للمقاومة بثوب الدين والمذهبية، سيترافق مع منشطات وإضاءات تجعل التهرّب من الدخول إليه شبه استحالة، فلسطين بيننا وبينكم أيها الأوغاد. تلك هي كلمة سرّ نصرالله الأولى.

- المعادلة الثانية المترتبة على ما قدّمه نصرالله من فهم الحرب في سورية، إنها ليست حرب حسم من زاوية النظر الأميركية، كي يكون فيها نصر حاسم أو تسوية ممكنة، بل هي حرب فشلت في الحسم وتقرّر فيها خيار التسوية، لكن مع وقف التنفيذ حتى يستنفد استخدام آخر مخزون قدرة لدى الجماعات التي جرى إعدادها لهذه الحرب، ولذلك فحرب الاستنزاف لا تعني وهم النصر عند الأميركي ولا تعني سقوط خيار التسوية، بل تعني أنّ الهدف الأهمّ من نهاية الحرب بنصر أو تسوية، هو حجم الضرر الذي تلحقه بمحور المقاومة وحجم الاستنزاف الذي تحققه، وكم تقتل من القادة وكم تدمّر من الإرادة، وكم تفتك بمقدّرات، وكم تغيّر من ثقافات وأولويات وخيارات، وكم تفرض من نهوض عصبيات، فذلك هو الربح الذي تبتغيه واشنطن في حرب مفتوحة وحساب لم ولن يقفل بينها وبين محور المقاومة ولو توقفت الحرب تحت أيّ مسمى. وهذه المعادلة تستتبع تأكيداً على جناحين للمواجهة، واحد هو الصمود ثم الصمود، لكن تحت سقف خطاب سياسي لا خطاب ديني، والثاني هو الاستعداد للحسم والتأنّي في قبول التسويات الآنية التي لا تكون أحياناً إلا متنفّساً ومحطة لجولة استنزاف جديدة، ليس مهمّاً أن تتوافر لها عند العدو حسابات تغيير المعادلات لأنّ الاستنزاف كافٍ كهدف، والاستعداد للحسم يعني منح الأولوية في حسابات الحرب لاستثمار فرص النصر الجغرافي بدلاً من فرص التسوية، كما الوضع سابقاً، فالحلّ السياسي مجرد ستار أميركي لالتقاط الأنفاس نحو جولة استنزاف جديدة، وإنهاء حروب الاستنزاف وحده يفتح طريق الحلّ السياسي الجدّي.

- تستكمل هذه القراءة مفاعيلها نحو الداخل اللبناني فيبدو الصمت الانتخابي في بيروت ليس مجرد تلبية لحسابات براغماتية ناتجة عن معادلة التحالفات وقواعدها، وشروط الدخول في اللوائح ودعمها، بقدر ما هو نتاج قراءة معاكسة للسائد الذي يقول إنّ التفاهمات تستدعي إرادتين بينما تكفي لإشعال الحرب إرادة واحدة، فيضع السيد معادلته الجديدة بالتعامل مع الفتنة كنوع من التسوية وليس كنوع من الحرب، فهي نتاج تلاقٍ بين إرادتين لا تقع دون رضاهما، ويكشف أنّ الصمت والتجاهل والتغاضي أدوات يمكن لها أن تصلح كخطة لإجهاض الفتنة، ويقدّم نموذجاً ضمنياً لقراءة افتراضية، فالمشاركة بدعم لائحة منافسة للائحة تيار المستقبل، يعني منح منصة التصعيد للفتنة، والإعلان عن دعم لائحة منافسة أيضاً فتنة، والإيحاء للحلفاء برفض المشاركة في لائحة مع المستقبل يسهّل الفتنة، وهم راغبون. فلم لا، فليذهبوا، ولتنهض لوائح منافسة، ولننكفئ بصمت وهدوء، ونترك الحرية لناخبينا فيمنح أغلبهم أصواته طبيعياً بلا أيّ توجيه للوائح المنافسة التي ربما يكون بعضها في جوهره وعلاقاته أقرب سياسياً للمستقبل من قربه للمقاومة، وتكون النتيجة كما كانت، رائعة، بينما نبذل كلّ عناية لإدارة ناعمة لتناقضات جمهورنا في البقاع ونقدّم المثال على تماسك جبهتنا الشعبية وبيئتنا وتمسّكها بخياراتها، وتكون الرسالة، لا فتنة، جمهور حربكم منكفئ، شعاراتكم وحروبكم الناعمة لا تعنيه، جمهور المقاومة مستنهض والعقوبات والحصار حروب ناعمة لا تفعل فيه.