الجنوب تحت الاحتلال: عودة القوات الأميركية من بوابة دعم الإمارات ضد «القاعدة»
رشيد الحداد
فُتح فصلٌ جديد من فصول الحرب على اليمن مع الإعلان عن وصول قوات أميركية إلى قاعدة العند في الجنوب «لدعم القوات الإماراتية في قتال القاعدة». عودة واشنطن إلى الميدان تتزامن مع مفاوضات ترمي إلى حلّ كان من المفترض أن ينهي الحرب والأزمة، ما يفاقم من غموض صورة المرحلة المقبلة في اليمن
صنعاء | بعد أيام فقط من إعلان التحالف السعودي سيطرة القوات الموالية للرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي على مناطق في الجنوب بمساعدة القوات الإماراتية عقب انسحاب تنظيم «القاعدة» منها، خرج إلى العلن وصول قوات أميركية إلى قاعدة العند في محافظة لحج الجنوبية، استجابةً لطلب الإمارات الدعم في قتال التنظيم المتطرف.
وأفادت مصادر محلية بأن الوجود الأميركي في قاعدة العند العسكرية بدأ منذ أسبوعين، حين وصل خبراء وقيادات عسكرية تابعة للجيش الأميركي، تبعهم وصول طائرات نقل عسكرية أميركية، إحداها تقلّ 150 جندياً أميركياً، وطائرتين أخريين حطّتا في «القاعدة» نفسها، محمّلتين بأسحلة متطورة ومعظمها ثقيل. وكشفت المصادر أن الإمارات استخدمت قاعدة العند كمركز تدريب للقوات الموالية لهادي ولمقاتلي الحراك الجنوبي المطالبين بالانفصال التام.
أعادت واشنطن إذاً إرسال قوات إلى القاعدة العسكرية التي سحبت منها قواتها الخاصة في آذار عام 2015 عشية اندلاع الحرب السعودية على اليمن وتوسع نفوذ «القاعدة» في الجنوب. عادت برداءٍ جديد يغطّي دور الإمارات الطامحة إلى «مغانم» في المحافظات الجنوبية، لا سيما في عدن.
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت للإدارة الأميركية بسبب دعمها للحرب السعودية التي مكّنت «القاعدة» من التمدد والنمو، استجابت واشنطن لمطلب أبو ظبي دعم قتال التنظيم المتطرف، دافعةً بقواتها إلى الميدان اليمني من جديد.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية رسمياً وصول «عدد صغير من الجنود الأميركيين إلى اليمن لمساعدة قوات التحالف لطرد تنظيم القاعدة من مدينة المكلا» في محافظة حضرموت. وأكد المتحدث باسم البنتاغون، الكابتن البحري جيف ديفيس، أن واشنطن قدمت مساعدة للإمارات العربية المتحدة في الاسابيع الماضية تشمل تقديم معلومات استخبارية إلى جانب وضع «عدد محدود» من العسكريين في تصرّفها. وأوضح ديفيس أن المساعدة تشمل «عدداً صغيراً جداً» من العسكريين إلى جانب مساعدة في مجال الاستخبارات والمراقبة والتخطيط والامن البحري والقطاع الطبي. وأضاف أنّ القوات تساعد الإماراتيين في مجال الاستخبارات، لكنه امتنع عن توضيح ما إذا كانوا من قوات العمليات الخاصة التي كانت في اليمن سابقاً.
وأشار ديفيس إلى أنّ الولايات المتحدة «شنّت أربع ضربات جوية ضد تنظيم القاعدة منذ 23 نيسان الماضي أدت إلى مقتل عشرة من أولئك العناصر وإصابة آخرين». وبرّر مساعدة واشنطن الإمارات بالقول إنه «ليس من مصلحة الولايات المتحدة وجود تنظيم إرهابي يسيطر على مدينة ساحلية».
ولم يبرّر المتحدث باسم البنتاغون أسباب تمركز الجنود الأميركين في قاعدة العند بعد الإعلان عن انسحاب «القاعدة» من مناطق واسعة في الجنوب وإحلال القوات الموالية لهادي بمشاركة إماراتية مكانها، بدءاً من منتصف الشهر الماضي. وكانت قوات «التحالف» قد أعلنت عن انسحاب التنظيم المتطرف بغطاء جوي من «التحالف» إلى شبوة التي ترتبط بحدود مع محافظتي البيضاء ومأرب، إضافة إلى انسحابه من وادي سر الواقع في نطاق مديرية القطن في وادي حضرموت.
كذلك، أخلى المئات من عناصر التنظيم، في الآونة الأخيرة، معسكرهم التدريبي في وادي الذهب بالقرب من مدينة سيئون في المحافظة نفسها، ثم اتجه أولئك العناصر بضوء أخضر من قوات هادي و«التحالف» شمالاً إلى حدود العبر ومأرب ومنطقة العقلة الواقعة في شبوة أيضاً. هذه الوجهة أنذرت بمسعى إماراتي ولدول «التحالف» لتصدير التنظيم إلى المحافظات الشمالية وإغراقها في الفوضى، مقابل التهيئة لانفصال الجنوب، أمنياً على الأقل.
المشاركة الأميركية المباشرة في الحرب على اليمن ووصول قواتها إلى العند تزامنا مع مرور حاملة طائرات أميركية في مضيق باب المندب ووقوفها في خليج عدن، الأمر الذي أثار ردود أفعال رسمية وشعبية غاضبة، واعتُبر تدخلاً في الشأن اليمني، ترمي من خلاله واشنطن وأبو ظبي إلى تنفيذ مشروع غزوٍ جديد تحت ذرائع مختلفة. وفي أول رد فعل رسمي على وصول قوات أميركية، أكدت «اللجنة الثورية العليا» في صنعاء رفض الوجود العسكري الأميركي في الأجزاء الجنوبية من البلاد، واعتبرته «وجوداً عدوانياً استعمارياً يهدف إلى نهب الثروات واستعباد الشعب وتقسيم الأرض واحتلالها». وأشارت إلى أن الوجود الأميركي «سيواجه بالمقاومة بكل الوسائل والخيارات من قبل كل أبناء الشعب اليمني في الجنوب والشمال القادر على مواجهة إرهاب «القاعدة» وداعش المدعوم من قوى العدوان، وهو (الشعب) لا يحتاج لأي تدخل خارجي». وحمّلت «اللجنة الثورية» في بيان الأمم المتحدة وشعوب العالم مسؤولية الصمت عن هذا التدخل «الذي لن تحمد عقباه».
وفي سياق آخر، قالت مصادر لـ«الأخبار» إنّ الإمارات تراجعت عن مطالبها من قبائل يافع بإعادة 75 مدرعة إماراتية تمت السيطرة عليها من قبل تنظيم «داعش» في عدن، خلال الأشهر الماضية، ونقلها الى منطقة يافع في لحج. ويتخذ التنظيم الحديث الولادة في اليمن من جبال يافع معسكرات تدريبية منذ أشهر. وهناك خشية أيضاً من أن يكون أحد أهداف تمركز القوات الأميركية في العند تصدير «داعش» إلى الشمال كذلك، لا سيما أن يافع الحد، وهي منطقة تحت سيطرة التنظيم، تمتلك شريطاً حدودياً مع عدد من مديريات محافظة البيضاء في وسط البلاد.