kayhan.ir

رمز الخبر: 38221
تأريخ النشر : 2016May09 - 20:34

“ الخطة ب” .. محاولةٌ مغايرة لفكاك شيفرتها : رهانٌ على “ أمركة وأسرلة “ الرؤية الروسية لسوريا


حسن شقير

يتتالى خرق الجماعات المسلحة في ريف حلب الجنوبي للهدنة القائمة هناك منذ السابع والعشرين من شباط الماضي ، وذلك كان ابتداءً بهجومٍ مباغتٍ وقوي جداً على مواقع الجيش السوري وحلفائه في بلدة العيس وتلتها الإستراتيجية ، وقد تمت السيطرة عليهما في حينه ، ولقد عُدَّ ذاك الخرق ، بأنه الأبرز لتلك الهدنة ، والتي تجلىت في القرار الدولي ٢٢٦٨ ، والذي أطر إتفاق " وقف العمليات العدائية في سوريا " ، مع مفارقة لافتة ، بأن الهجوم المعاكس لم يستطع استرداد تلك المنطقة ، وذلك على الرغم من ضراوته .. وهذا الأمر له دلالاته التي سنتعرّض لها لاحقاً .

لم تمض أيامٌ معدودات ، حتى أعيد إحياء نظام الهدنة في مدينة حلب ، فما كان من تلك الجماعات المسلحة ، بإعادة الكرّة ثانية ، ولتخرق الهدنة مجدداً في يومها الثاني ، وذلك على جبهتي البحوث العلمية والفاميلي هاوس ، وقد حققت خرقاً ، إلا ّ أنها لم تستطع تثبيته كما حصل في المرّة الأولى .. وما لبثت هذه الجماعات – وبالأمس القريب – حتى أعادت فعلتها ، وخرقها للهدنة بنسختها الثالثة ، وذلك في عودٍ إلى جبهة ريف حلب الجنوبي ، وتحديداً في خان طومان ، والتي سيطرت عليها هذه الجماعات ، وذلك بفعل هجومٍ ،تحدثت المعلومات حول كثافته وضراوته ، وذلك بُعيد وصول المدد البشري واللوجستي لهذه الجماعات ، والتي لم يسبق له مثيل من الحدود التركية ، والتي كانت – أي تركيا – قد رمت قرار مجلس الأمن الدولي الرقم ٢٢٥٣ ( تحت الفصل السابع )، في سلة المهملات قبيل أن يجف حبر القلم الذي كتبه ، والذي يدعو لإقفال منافذ الإرهاب إلى الأراضي السورية من مختلف الدول المجاورة لها ، وتحديداً من تركيا !

في تلك الفترة الزمنية التي حصلت فيها هذه الخروقات للهدن المتكررة ، حاولتُ جاهداً أن أفهم ما الذي يجري بالضبط ؟ وذلك بعيداً عن بعض التفسيرات المعتبرة ، والتي يمكن أن تقع في متناول اليد ، والتي تتمحور حول كسب أراضٍ جديدة ، وذلك قبيل انطلاق مباحثات جولة جديدة من مؤتمر جنيف الثالث ، وكذا التفسير القائل ، بأن هذه الجماعات لا ميثاق ولا عهد لها ، وبالتالي ليست بوارد الإنصياع لمفاعيل الهدن وصولا ً إلى أن تركيا والسعودية ، تتمردان على الإرادة الأمريكية في تثبيت التهدئة ، وذلك وفقاً للإتفاق الروسي – الأمريكي ، والذي تُرجم في القرار ٢٢٥٤..وصولا ً إلى التحليل الذي قدمه السيد نصرالله في خطابه ( ٠٦-٠٥-٢٠١٦) ، والذي أشار من خلاله إلى القرار السعودي بإبقاء الإشتباك في كافة ميادين المنطقة ، وذلك انتظاراً لنتائج الإستحقاق الرئاسي الأمريكي القادم في الأشهر المقبلة

لا أقول بأن هذه التفسيرات خاطئة ، أو أنها ليست بذات أهمية ، إنما – ومع كامل تقديري لها – لم أجد فيها ذاك البعد الإستراتيجي الأوسع ، والذي يجعل من أمريكا تدوزن هذه الخروقات ، وذلك وفقاً لمصالحها ومصالح الكيان الصهيوني معها ، إضافة إلى مصالح حليفتيها تركيا والسعودية ، وذلك فيما خص الأزمة السورية ومألاتها المستقبلية ، وماهية الصورة الجديدة لهذه الدولة الجريحة ، والتي يرقبها هؤلاء جميعاً ، وذلك لما يمكن أن يكون لها من تداعياتٍ عليهم بالتحديد ..فكيف ذلك ؟

-أمريكياً :

من المفيد التذكير هنا ، بأن أمريكا التي سارت في مسار فيينا ، وفقاً لخريطة الطريق الروسية لحل الأزمة السورية ، والتي تجسدت في البيان ذو النقاط التسع ، ولاحقاً في القرار الدولي ٢٢٥٤، لم تكن – أي أمريكا – ومعها تحالفها في المنطقة ، مسرورةً بالولوج بهذا المسار ، وذلك بأن هذا الأخير ، كانوا قد أرغموا على السير فيه بعيد التحول الاستراتيجي الذي طرأ على مسار الحرب في سوريا ، وذلك كان في الثلاثين من سبتمبر الماضي ، تاريخ التدخل الروسي المباشر فيها ولعلنا نستدل على هذه الرؤية ، من خلال تصريح جون كيري الشهير ، وذلك على ما نقلته عنه إحدى الصحف الخليجية ، لبعض من أطراف المعارضة السورية في الرياض ، وذلك قبيل انطلاق جولات جنيف الثالث ، بأن " .. روسيا ستأخذ كل سوريا ، خلال ثلاث أشهر فقط ، وذلك في حال عدم ذهابكم إلى التفاوض ، وموافقتكم على مسار الحل المطروح في فيينا ..” ، وعليه فإنه من المفترض أن تجميد القتال في سوريا ، وعدم كسب أراضٍ جديدة من قبل الجيش السوري وحلفائه في الميدان ، هي بالتأكيد مصلحة أمريكية عليا ، وذلك بأننا تطرقنا في مقالات سابقة ، إلى أن أمريكا ، وعبر من تسميهم بالمعتدلين تريد " الوراثة " في الجغرافيا السورية ، جنباً إلى جنب مع روسيا ، وذلك للإبقاء على مناطق نفوذ لها ولحلفائها في المنطقة في الدولة السورية ، وهذه الوراثة الجغرافية لصالح هؤلاء متعذرة لغاية الأن ، كون الوراثين المفترضين ممن يطلقون عليهم بالمعتدلين ليسوا جاهزين لغاية اليوم .. وهذا ما يُفسّر بالضبط الرفض الأمريكي لفصل هؤلاء عن مناطق نفوذ النصرة ويعود السبب المنطقي – باعتقادي -بأن زمن مكافحة الإرهاب في سوريا ، يُراد تبطيئه أمريكياً ، إلى حين حدوث الجاهزية ، ولعدم استغلال روسيا وحلفائها ، لذاك الفصل المُبكّر لأولئك " المعتدلين " عن الإرهابيين ، مما قد يطلق اليد السورية في كسب الأرض من الإرهابيين ، وبغطاء روسي كامل وفعّال ، ومن دون أن يُشكّل ذلك خرقاً للقرار ٢٢٦٨ فمرارة أمريكا وتحالفها في تحرير تدمر والقريتين ، لا تزال في فاه أمريكا ودول التحالف معها

صهيونياً :

هذا في المقلب الأمريكي ، فماذا في المقلب الصهيوني ؟

منذ فترة وجيزة ، طالعتنا إحدى الصحف الصهيونية ، بحديث لمسؤولي وحدة الأبحاث في الإستخبارات لدى الكيان الصهيوني ، ومن بينهم مسؤول الجبهة السورية – حزب الله ، والذي تحدث عن أن الإندفاعة الروسية المتكافلة مع إيران والمقاومة والجيش السوري ، والذي تعززت قدراته العملياتية ، أدت فيما أدت إليه ، إلى تحويل وجهة عمليات داعش إلى أوروبا ، ذاكراً ما حرفيته : "الضغط الذي مورس على داعش في سوريا والعراق ، أدى به إلى تطوير عملياته في أوروبا” ، مردفاً بأن " .. النصرة وداعش ليسا بوارد مهاجمة اسرائيل ، إنما يهدفان للإستيلاء على أراضٍ جديدة داخل سوريا .. " ( راجع يوأف ليمور – يسرائيل هيوم – 22-04-2016 ).

إذا ، إنها روسيا ومعها محور الممانعة ، وبحسب المسؤول الصهيوني ، فإن هؤلاء تحديداً ، هم المسؤولون عن توجيه عمليات داعش نحو الغرب ..

وفي مقالة ملفتة للباحث الصهيوني” إيال زيسر " ( باحث في معهد دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا ) ، نُشرت بتاريخ 04-05-2016 " تسوميت همزراح هتيخون " ، والتي جاءت تحت عنوان " وقف إطلاق النار في سوريا – خطوة روسية محسوبة " ، خلُصٓ فيها إلى أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة لوجهة التدخل الروسي في تفعيله من عدمه ، وذلك بناءً لقدرة الجيش السوري وحلفائه على الأرض في محاربة الإرهابيين وقياس مدى الإنجازات الميدانية ، جرّاء ذلك .. وبالتالي – ودائماً بحسب زيسر – ، فإن التفعيل الروسي من عدمه ، سينعكس على الرؤية الروسية لسوريا المستقبلية ..

خلاصة القول ، إذا عطفنا تبطيء الزمن الأمريكي في محاربة الإرهابيين في سوريا ، ورفضهم فصل " المعتدلين " عن هؤلاء ، وغض النظر الأمريكي عن الفعل التركي في تحشيده للإرهابيين في معارك حلب وريفها الجنوبي مؤخراً ، والإستماتة الإرهابية في تلك المعارك لتحقيق مكاسب جغرافية ، فضلا ً عن بعض المحاولات الدولية -غير المباشرة – ، وخصوصاً من تلك الدول الراعية لتلك الجماعات، وذلك للعمل على " تيئيس " الغطاء الجوي الروسي من جدوى حشود حلفائهم على الأرض في محاولتهم لتحريك الميدان لصالحهم على حساب الإرهابيين

إذا عطفنا كل هذا وذاك ، على الحديث الصهيوني الذي أوردناه سابقاً ، وتركيزه على محورية الدور الروسي في الأزمة السورية ، والوجهة التي يُفترض أن تسير بها روسيا هناك فإننا نستطيع أن نستخلص بأن ملامح ما سُمي ب " الخطة ب " في سوريا قد بدأت بالترائي أمامنا ، فلعل عامودها الفقري – كما اعتقده – لا يمت بصلة إلى التدخل الخارجي المباشر في سوريا ، فهذه " ألاعيب " غير مسموح بها في سوريا على حد قول الوزير لافروف مؤخراً لذا فإن هذا التسعير و الإستماتة الإرهابية الميدانية الأخيرة ، للجماعات الإرهابية فيها ، ما هي إلا ّ إنعكاس ٌ لتلك العين الراعية ( الأمريكية والصهيونية ومعهما التركية والسعودية ) ، والتي تنظر إلى العمل الحثيث من خلال الإرهابيين على ” أمركة " الرؤية الروسية لسوريا، أو حتى " أسرلتها " ، وذلك بدلا ً من " سورنتها " ضمن الرؤية الإيرانية

بكلماتٍ معدودة ، إنهم ينعشون استراتيجيات " فك الروابط الإقليمية " والتي نظّر لها باحث صهيوني ، يُدعى داني بركوڤيتش ، وذلك في كتاب ٍ أصدره ، بعد حرب لبنان الثانية في العام ٢٠٠٦ ، والذي حمل عنوان " هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا ، معركة إضعاف حزب الله " ، بإختصار ، إنهم يراهنون على تيئيس روسيا من فعل حلفائها الميداني ، وذلك بإنعاش وتغذية حلفائهم في الميدان ..

ختاماً ، الكرة في ملعب الحلفاء ، تنتظر التسديد نحو الإرهاب ، وبالضربة القاضية .. لننتظر .