kayhan.ir

رمز الخبر: 37821
تأريخ النشر : 2016May01 - 19:36

العرب يتحالفون مع "اسرائيل".. والصهاينة يطاردون شرفاء اوروبا

عبد الباري عطوان

هاجرنا الى اوروبا قبل اربعين عاما "هربا” من القمع ومصادرة الحريات، وبحثا عن العلم وقيم العدالة والديمقراطية، ولقمة عيش كريمة، بعيدا عن عبودية نظام "الكفيل”، ولمقارعة الصهيونية بالحجة والمنطق في عقر دارها، ونعترف هنا بأن اوروبا تغيرت، لاننا، واقولها بكل مرارة، نحن العرب تغيرنا، وللأسوأ، وبتنا اضحوكة.. او "ملطشة”.. ويعف اللسان عن قول ما هو اكثر.

بريطانيا تعيش هذه الايام معركة شرسة بين المدافعين عن الحقوق العربية المغتصبة في فلسطين، والمتصدين للمجازر الاسرائيلية، والاعدامات الميدانية، وجرائم الحرب، وبين اللوبي الصهيوني الذي بات مسيطرا بالكامل على معظم الحكومات الاوروبية، وليس بريطانيا فقط، حيث خلى له الجو "وباض وصفّر”.

الضجة الحالية التي تعتبر الاحدث في مسلسل طويل من الارهاب الفكري والسياسي الاسرائيلي، لكل من ينتصر للعرب الشرفاء وقضيتهم المركزية الاولى، بدأت عندما تمكن هذا اللوبي من النبش عن رسالة الكترونية بعثت بها النائبة المسلمة في البرلمان البريطاني ناز شاه الى احد اصدقائها اثناء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة قبل اربع سنوات، وطالبت فيها امريكا التي تدعم اسرائيل بمليارات الدولارات، ان تأخذها عندها كحل امثل للقضية الفلسطينية.

هذه الدعوة التي صدرت عن السيدة ناز شاه قبل فوزها بعضوية البرلمان بعامين (حلت محل النائب المستقل جورج غالاوي في دائرة برادفورد)، استخدمها اللوبي الصهيوني لشن حملة شرسة ضدها باعتبارها معادية للسامية، ونجحت في اجبار حزب العمال، الذي تنتمي اليه، على تعليق عضويتها، وعضوية كين ليفنغستون، رئيس بلدية لندن العظمى السابق لانه دافع عنها، وادلى بتصريحات جرى وصفها بأنها تحريضية ضد السامية.

***

اللوبي الذي طارد الشيخ الفاضل رائد صلاح، ومن قبله الشيخ يوسف القرضاوي، ونجح من منعهما، وعشرات آخرين من العلماء والدعاة والسياسيين، من دخول بريطانيا، ومعظم الدولة الاوروبية وامريكا، يتحرك الآن بكل حرية، ودون اي مقاومة من العرب وحكوماتهم الذين بات معظمهم يعتبرون اسرائيل ليس صديقا فقط، وانما حليفا اصيلا للقومية السنية الجديدة، وبتنا نقرأ يوميا تقارير تتحدث عن رحلات جوية اسرائيلية منتظمة الى بعض الدولة الخليجية، وفتح سفارات علنية وسرية، وتنسيق امني وعسكري، وتبادل تجاري متصاعد، وصحافيين ورياضيين وخبراء عسكريين وامنيين يحطون الرحال في المطارات ويفرش لهم السجاد الاحمر والاخضر، وكل الالوان الاخرى حفاوة واحتراما، والمكان هنا يضيق لنشر بعض الامثلة ناهيك عن كلها.

بنيامين نتنياهو في حال سعار سياسي ودبلوماسي هذه الايام، لتشويه كل ناشط اوروبي وامريكي ومسلم ينتصر للعدالة العربية الاسلامية في فلسطين، واسس جيشا الكترونيا ميزانيته السنوية في حدود 750 مليون دولار، يوظف آلاف الطلاب اليهود، وغير اليهود لمطاردة هؤلاء، ومحاولة منعهم من الحديث، او الكتابة في الصحف، ومن بينهم الداعي لكم بطول العمر والصحة والعافية، كاتب هذه السطور، ولا نستغرب انه وضع خبراته في هذا المضمار، في خدمة حكومات عربية تستخدم الاسلوب نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي.

قبل يومين ارسلت لي رئيسة اتحاد الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية في فرنسا رسالة تبلغني فيها الغاء نشاط كانت تعتزم اقامته في باريس، ويشارك فيه متحدثون فرنسيون عن ذكرى النكبة، بسبب تهديدات تلقتها من منظمات صهيونية، من بينها الاعتداء الجسدي على المشاركين، مثلما تمكنت المنظمات نفسها من ارهاب اصحاب القاعة التي سيقام فيها النشاط، في تواطؤ كامل مع اجهزة امن فرنسية، بحجة اعلان حالة الطوارىء منذ هجمات باريس في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي.

وقبل اسبوعين نجحت منظمات صهوينة اخرى في النمسا في الغاء نشاط فلسطيني، آخر كان من المفترض ان تتحدث فيه المناضلة والفدائية الفلسطينية ليلى خالد، التي جرى وصفها بالارهابية، وقبل ثلاثة اسابيع حاولت منظمات ثالثة الغاء احتفال بيوم الارض نظمه تحالف من جميعات الاطباء والجاليات والطلاب الفلسطينيين في المانيا، كنت ضيف شرف فيه، ونجحت في الغاء حجز القاعة فعلا بعد ارهاب صاحبها، ولكن الشرفاء الذين نظموا الحفل نجحوا في ايجاد قاعة بديلة، ولم يرضخوا لتهديدات الامن الالماني المبطنة الذي حذرهم من المضي قدما في اقامة الفعالية.

قد يسأل البعض: اين السفارات الفلسطينية، ولا نقول العربية، اين السلطة، اين الفصائل؟ السؤال مشروع ومنطقي، اجيب عليه بقصة صغيرة ملخصها، كنت اسير في احد المدن الاوروبية فاستوقفني سفير فيها، وقال لي متباهيا انه القى محاضرة في احدى الجامعات الكبرى، وكانت قوية لدرجة ان اليهود والاسرائيليين الذين يتقدمون الحضور صفقوا له وقوفا، ولي شهود عدول على ذلك.

فعندما يبكي الرئيس الفلسطيني حرقة على الضحايا الاسرائيليين، ويعزي بوفاة جنرالاتهم رسميا، ويرسل احفاده وابناء ذراعه الايمن صائب عريقات الى معسكرات الشباب الاسرائيلية، ويفتخر بالتنسيق الامني، وتتحول السفارات الفلسطينية الى ملاذ للعجزة والمتقاعدين، وابنائهم وبناتهم، والمرضى عنهم من قبل سيادة الرئيس، فلماذا لا يصول اللوبي الصهيوني ويجول وحده في الساحات دون منافس؟

في المقابل، هناك شباب اوروبي وعربي وفلسطيني ومسلم لا يستسلم، ويقاوم الاحتلال العنصري الاسرائيلي بشراسة وشجاعة في مختلف الجامعات والمؤسسات، ولا يتشرف بالاتصال بمعظم السفارات الفلسطينية او العربية، وهؤلاء هم الابطال الذين يقفون خلف صدور قرارات المقاطعة للكيان الاسرائيلي وجامعاته وبضائعه، وانهم نبت مؤمن اصيل، يشرب من نهر الكرامة والعزة وقيم العدالة، وعلى رأسهم الطالبة الجزائرية ماليا بو عيطة التي فازت برئاسة الطلاب في بريطانيا، رغم انف اللوبي الاسرائيلي الذي يتهمها بمعاداة السامية.

لا نبالغ اذا قلنا اننا نواجه تحديات صعبة، ونحمل اطنانا من الغيظ والقهر، فعندما يتهم نتنياهو الحاج امين الحسيني كذبا بتحريض هتلر على ارتكاب محرقة الهولوكوست، وعندما تعلق عضوية كين ليفنغستون بتهمة معاداة السامية، وهو الذي قضى كل حياته مقاوما للعنصرية، ومتقدما كل المظاهرات المليونية الرافضة للعدوان على العراق وقطاع غزة وجنوب لبنان، بينما يتحول ديفيد كاميرون رئيس الوزراء، الذي اعتبر العدوان الاخير على غزة الذي اوقع 2200 شهيد، 76 بالمئة منهم من المدنيين، و500 طفل، الى بطل لانه وصف جرائم الحرب الاسرائيلية هذه دفاعا عن النفس، فمن حقنا ان نغضب ونأسف، لهذا الزمن السيء، ومعظم الحكام العرب، فلم يدر في خلدنا مطلقا ان يكون هذا السوء بلا قاع، ونرى مسؤولين عربا يعانقون الاسرائيليين والاسرائيليات (تسبي ليفني مثالا)، ويفتخرون بهذه الصداقة.

اليس من حقنا ان نتفجر غيظا ايضا لان السيدة ناز شاه البرلمانية المسلمة توشك على ان تطرد من البرلمان، وحزب العمال، لانها طالبت امريكا بأخذ الاسرائيليين عندها، بينما يطالب مسؤولون اسرائيليون طوال الستين عاما الماضية العرب بأخذ الفلسطينيين ابناء جلدتهم عندهم، ويبررون ذلك بأن "اسرائيل” صغيرة، وهناك 22 دولة عربية هي الاولى بهم، ولا احد في هذا الغرب المتحضر يحتج او يتهم هؤلاء بالسامية، او الشق العربي منها؟

***

هذا الظلم الاسرائيلي الذي يطاردنا حتى في المنافي، ويصادر حقنا في الصراخ من الالم، والتضامن مع اهلنا الذين تمزق اشلاءهم الطائرات والقنابل والصواريخ الاسرائيلية، ويجد دعما من حكومات غربية تغزوا بلادنا وتحتلها وتقتل وتشرد الملايين من ابنائها تحت اكاذيب الحريات والعدالة والقانون والديمقراطية، هذا الظلم هو الذي سيحول بعض ابناء الجاليات العربية والاسلامية في اوروبا وامريكا الى اعتناق التطرف، والسقوط في مصيدة "الدولة الاسلامية” و”القاعدة” وغيرها، والاقدام على تفجيرات على غرار تلك التي وقعت في اسبانيا وبريطانيا وفرنسا، واخيرا بلجيكا.

تنازلت سلطتنا الموقرة عن 80 بالمئة من ارض فلسطين التاريخية هدية لـ"اسرائيل"، وبضغط من الغرب المتحضر تحت مسمى "الاعتدال”، وما زالت هذه السلطة تتفاوض على العشرين في المئة الباقية طوال العشرين عاما الماضية، وتوظف رجال امنها لحماية الاحتلال ومستوطنيه، الذين تضاعف عددهم ثلاث مرات (700 الف مستوطن في الضفة والقدس)، وبعد ذلك ممنوع علينا ان نصرخ او نتحدثـ او نعترض، في دول الحريات وعواصمها.

نعم، سنصرخ، وسنقاوم، وسنتحدى، وسنحرض ضد الاحتلال وجرائم حربه، حتى لو كتبنا على الجدران وسننتصر حتما.. مهما طال الزمن.. والايام بيننا.