ما وراء دعوات قائد السبسي إلى تأجيل الإنتخابات
روعة قاسم
دعا الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة التونسية الأسبق إلى تأجيل الإنتخابات الرئاسية والنيابية في تونس التي من المقرر أن تجرى بداية من شهر أكتوبر/تشرين أول من هذا العام، كما دعا ساسة آخرون إلى التمديد في آجال تسجيل الناخبين التي تنتهي في الثاني والعشرين من هذا الشهر. والسبب هو ظاهرة العزوف عن التسجيل للمشاركة في الإنتخابات والتي يبدو أنها تؤرق مضاجع أطراف عديدة في الساحة السياسية التونسية.
فالسواد الأعظم من المسجلين في الإنتخابات السابقة التي جرت في 23 أكتوبر/ تشرين أول 2011 هم جمهور حركة النهضة، وهم منضبطون باعتبار انتمائهم لحزب عقائدي، ويحق لهؤلاء المشاركة آليا في الإنتخابات الجديدة. بينما تراهن الأحزاب الراغبة في هزم حركة النهضة على فئة غير المسجلين الذين لم يشاركوا في الإنتخابات السابقة، والذين يسمون "الأغلبية الصامتة"، في قلب موازين القوى، لكن ومع هذا الإمتناع عن التسجيل لهذه الأغلبية التي يبدو أنها "مواصلة في صمتها" وغير معنية بالشأن السياسي، لا تبدو حظوظ المعسكر المقابل لحركة النهضة وفير للفوز بأغلبية مريحة.
شكوك
ورغم أن استطلاعات الرأي وعمليات سبر الآراء المجراة تؤكد فوز قائد السبسي وحزبه "حركة نداء تونس" في الإنتخابات القادمة إلا أن "وزير خارجية بورقيبة" وأحد رؤساء مجلس النواب في بدايات حكم بن علي (قائد السبسي) غير واثق، شأنه شأن القوى اليسارية والقومية المنضوية تحت ما يسمى الجبهة الشعبية، من إمكانية حصول تغيير حقيقي في المشهد السياسي الذي أفرزته إنتخابات 23 أكتوبر 2011 التي تلت إنهيار نظام بن علي.
لقد جعلت دعوات التأجيل الصادرة عن رئيس حركة نداء تونس البعض يتساءل عن مدى مصداقية عمليات سبر الآراء. فكيف يمكن بحسب هؤلاء لمن يأتي في طليعة السياسيين التونسيين، الذين ينوي من تم استجوابهم في عمليات سبر الآراء التصويت له، أن يطالب بتأجيل الإنتخابات. ألا يمكن أن تكون استطلاعات الرأي مزورة ومجرد أرقام ونسب وهمية من نسج الخيال لخدمة هذا الطرف أو ذاك؟
فقدان الثقة
إن ماهو أكيد أن عموم التونسيين لم تعد لهم ثقة في الطبقة السياسية التي برزت بالخصوص بعد الإطاحة بنظام بن علي. فأغلب هؤلاء كانوا معارضين للنظام السابق وقدموا وعودا للتونسيين بان بالكاشف لاحقا أنها جوفاء ولم تجد طريقها لتصبح واقعا. فنسبة البطالة ارتفعت في تونس وزادت عما كانت عليه قبل انهيار النظام السابق، والمستثمرون الأجانب يغادرون البلاد، والإنتاج الصناعي والطاقي شبه معطل بفعل كثرة الإضرابات، والأرقام الصادرة عن الجهات الدولية المختصة تؤكد تراجع تونس عالميا وهي التي كانت إلى وقت غير بعيد من بين قلة قليلة من بلدان العالم الثالث تقوم بتسديد ديونها في الآجال، وتحظى بثقة المؤسسات المالية إقليميا ودوليا.
كما أن الأمن لم يعد مستتبا كما كان في السابق وتمكنت التنظيمات الإرهابية التكفيرية من اختراق البلاد التي كانت عصية عليها في عهود الديكتاتورية. وتتهم الطبقة السياسية الجديدة وخصوصا حركة النهضة حين كانت في الحكم بتسهيل عمل هؤلاء، من خلال التراخي في ملاحقتهم منذ البداية واتهام كل من يتحدث عن خطر هذه الجماعات بأنه من فلول النظام السابق والثورة المضادة أو ينتمي إلى من أسمته "إعلام العار".
إتاوات وضرائب
هناك يأس حقيقي يشعر به التونسيون بعد مرور ثلاث سنوات ونصف على إطاحتهم بالمنظومة السابقة. وحتى حكومة التكنوقراط المنبثقة عن الحوار الوطني والتي تقوم بتسيير البلاد برئاسة المهدي جمعة إلى حين إجراء الإنتخابات، باتت محل انتقادات واسعة بسبب كثرة الإتاوات والضرائب التي أحدثتها لمعالجة الأزمة الإقتصادية وعدم قدرتها على إيجاد حلول بديلة عن استهداف القدرة الشرائية للمواطن، فحتى الزواج سيصبح في تونس بمعلوم جبائي.
فتراجع البلاد في شتى الميادين واستهداف "حكومات ما بعد الثورة " للقدرة الشرائية للمواطن والقلق من عدم استتباب الأمن بفعل وجود الجماعات التكفيرية هي الأسباب الرئيسية، بحسب أغلب الخبراء والمحللين، التي تسببت في انصراف التونسيين عن الشأن السياسي وعدم التسجيل للمشاركة في الإنتخابات. فهل تتم الإستجابة للباجي قائد السبسي ويتم تأجيل الإنتخابات حتى يتم تسجيل أكبر عدد ممكن من الناخبين؟ أم سيتم إجراؤها "بمن حضر" وهو ما سيؤثر سلبا على مصداقيتها وعلى مدى تعبيرها تعبيرا حقيقيا على إرادة التونسيين؟