kayhan.ir

رمز الخبر: 3690
تأريخ النشر : 2014July13 - 20:08

غـــزة.. حديــث الحـــرب و الســـلام

إذا كانت “إسرائيل”، تقوم كل سنتين أو ثلاثة بعدوان غادر على غزة، وكأن قدر القطاع أن يعيش على موعد مفتوح مع القتل والدمار والحزن والدموع.. وبين حرب وحرب، حصار خانق من الإخوة الأشقاء قبل الأعداء.. فما الفائدة من هذا المسعى المحموم لوقف إطلاق النار والعودة لإتفاق الخيانة الموقع من قبل ‘مشعل” و ‘هنية” سنة 2012 برعاية المخلوع ‘مرسي”، والذي ضمن لإسرائيل أمنا لـ 15 سنة مقابل الحصار والذل والإهانة لشعب غزة المظلوم؟..

أحمد الشرقاوي


ماذا سيستفيد شعب غزة خصوصا والشعب الفلسطيني عموما إذا أوقفت المقاومة الفلسطينية إطلاق الصواريخ على إمتداد جغرافية الإحتلال وجنحت للسلم وإسرائيل ترفض أن تجنح لها إلا بمزيد من الشروط المذلة، طمعا في تريليون و 400 مليار متر مكعب من مخزون غاز غزة، وفق ما أفادت صحيفة بريطانية الخميس؟..

هذا سؤال لا يهم أحدا، ما يهم بالأساس هو إنقاذ "إسرائيل” من كماشة المقاومة القادمة، وإخراجها من ورطتها، تحت عنوان "حقن الدم الفلسطيني”..

وهل للدم من قيمة إذا لم يغضب لكرامته وينتفض لنيل حريته ويفور كالتنور من تحت إلى فوق ليغرق الصهاينة في الويل والثبور والحكام العرب في الذل والعار؟..

وهل حقا هناك شعب في التاريخ نال حريته وإستقلاله وكرامته من دون أن يدفع دم شبابه ورجاله ونسائه وأطفاله وشيوخه ثمنا لذلك؟..

لقد جرب الشعب الفلسطيني وهم السلام مع الصهاينة خلال عقود تكللت بالخيبة ووصلت الأمور اليوم إلى حائط مسدود بعد أن لم تبق أرض يمكن التفاوض بشأنها من أجل إقامة وطن قابل للحياة كما كان يحلم الواهمون، ولم يعد من خيار ناجع مع العدو المحتل غير المقاومة لتحرير فلسطين.. كل فلسطين التاريخية باعتبارها أرضا للفلسطينيين والعرب والمسلمين جميعا، وثابتة "مركزية القضية” بالنسبة للأمة لم تأتي من فراغ بعد أن أكدت كل الدراسات الدينية والتاريخية والسياسية وغيرها، أن "إسرائيل” هي سبب كل الشرور التي لحقت بالأمة، ولن يهدأ لها بال قبل أن تمزقها إربا، وتخرب دينها، وتفسد أخلاق شبابها، وتسيطر على خيرات أوطانها.

كنا نتوقع أن تندلع إنتفاضة ثالثة مع إنطلاق العدوان الإسرائيلي المسعور على قطاع غزة، وإستهدافه للمدنيين الآمنين في مساكنهم في هذا الشهر الفضيل، تحديدا لإرباك المقاومة ومحاولة خلق شرخ بينها وبين شعبها الذي يشكل بيئتها الطبيعية الحاضنة.. وهو ما زاد من إصرار المقاومة على التصعيد وتوعدت الصهاينة بمفاجآت قادمة وبحرب مفتوحة طويلة..

وللإشارة، فسورية اليوم تحارب بصواريخها من غزة بمعية إيران، وفي ما ينجزه المقاومون الشرفاء بصمة حزب الله الجبار.. والقادم أعظم.

لكن بصراحة.. إلى الآن لا زلت لا أفهم ما هي أهداف هذه الحرب؟.. فالجانب الإسرائيلي الذي بدأ العدوان يتكتم عن إعلان أهدافه، وقد منع الـ”نتن ياهو” وزرائه من الإدلاء بأحاديث للإعلام عن أهداف "إسرائيل” من العدوان على غزة، مخافة أن يقع في ذات المطب الذي وقع فيه سلفه عندما أعلن أهدافا خيالية في الحرب على لبنان، ومني بهزيمة مذلة كسرت هيبة جيش "إسرائيل” الذي لا يقهر في المنطقة.

والمقاومة الفلسطينية من جهتها، تبدو مرتبكة بسبب إنعدام التنسيق بين الضفة وغزة على مستوى الشعبين، وتتحدث ‘حماس” عن أهداف ثانوية، كإطلاق سراح من شملتهم الصفقة الأخيرة وتم إعتقالهم من قبل القوات الصهيونية، و وقف العدوان على الضفة وما شاكل من مطالب لا ترقى لمستوى اللحظة الإستراتيجية الفلسطينية والظرف الإقليمي والإنقسام العمودي الدولي بين روسيا وحلفائها وأمريكا وأدواتها في عودة للحرب "الدافئة” بدل "الباردة” بينهما، بسبب فوضى القتل والدمار التي تعم في أكثر من مكان بالشرق الأوسط من أجل "إسرائيل” تحديدا.

المرجفون العرب يسابقون الزمن اليوم، ويعملون على مدار الساعة من خلال إتصالات سرية وضغوط محمومة تمارس على ‘خالد مشعل” من قبل حاكم مشيخة قطر لوقف الحرب حتى لا نقول "العدوان” على "شعب الله المختار” كما يعتقد العملاء والأذناب العرب إرضاءا لسيدهم في البيت الأسود، سود الله وجوههم جميعا.

كما وأن الطرطور ‘محمود عباس” لا يوفر جهدا بمعية أجهزته الأمنية لمنع إندلاع إنتفاضة ثالثة تخافها إسرائيل وأمريكا، حرصا على عدم إغضاب أمريكا كي لا تقطع التمويل فتسقط سلطته الوهمية، وتضيع مصالحه المالية وصفقاته المشبوهة التي قدمت له ثمنا لخدمة أمن إسرائيل.. وكان يجب على هذا العميل الوضيع أن يتوب لربه في هذه اللحظة التاريخية المباركة فيعلن حل السلطة وتقديم إستقالته، فذلك أشرف له ألف مرة من أن يتلقى التأنيب والتهديد من ‘أوباما” ومجمع الصهاينة العرب واليهود على حساب شعبه وكرامته.. كفى، لقد وصل السيل الزبى وفشل المسار الذي إختاره هذا الرجل، والآن عليه أن يرحل، فلا مكان له في فلسطين المقاومة.

أمريكا تخاف من إنتفاضة ثالثة تشمل عرب 48 أيضا، ويعتقد مستشارون أمريكيون أنه في حال إندلاعها، فستخلط الأوراق في المنطقة، وستسقط خيوط اللعبة في العراق وسورية ولبنان واليمن، بل وفي مصر أيضا، باعتبار الشعب المصري معني بما يحدث لإخوانه في غزة، بعيدا عن الإصطفافات السياسية والإديولوجية، لأن ما يهم اليوم هو الإنسان العربي والمسلم الذي يخوض معركة الوجود والمصير المفروضة على الأمة كما تراها المقاومة من إيران إلى غزة.. وبهذا المعنى، فغزة لن تترك وحدها وعليها الثبات والصمود والتصعيد التدريجي، في إنتظار إقتناص اللحظة المناسبة لإنفجار الغضب العارم.. حينها فلتقم القيامة، ويكفينا شرفا أن نكون شهودا على المؤامرة.

اليوم هددت إيران بأنه في حال تصاعد العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة، فإن المنطقة ستنفجر.. وبهذا المعنى، وكما سبق وأن ألمحنا في المقالة الأخيرة، إيران ليست بعيدة عن لعبة التصعيد في غزة، لإرباك الأمريكي، ودفعه إلى مراجعة أوهامه وتصحيح أحلامه على مقاس موازين القوى الجديدة في المنطقة، خصوصا بعد أن أراد تعويض فشله في سورية بتقسيم العراق.

هناك من يعتقد، من الزملاء في الأردن، أن المخطط "الإسرائيلي” من العدوان على الفلسطينيين في غزة، هو لإرباك مصر ومحاصرتها بموضوع التهدئة في غزة لإبعادها عن التفكير في أي تقارب محتمل مع دمشق (سرا) ومع العراق علنا وبالتالي، فهي وفق وجهة نظره "حربا على مصر”. هذا التصور مع إحترامنا لصاحبه، لا يتلائم مع منطق تسلسل فصول المخطط الذي أعد لتفتيت المنطقة، وقد سبق وأن ذكرت في مقالة بعد إنفجار الأحداث في العراق، أن "الأردن” هو الهدف التالي لـ”داعش” وفق ما تقتضي المصلحة الإسرائيلية والأمريكية بتحويله إلى وطن بدليل.. وهل هناك فرصة أحسن من أن ينفذ المشروع في ظل الفوضى القائمة بالمنطقة والتي تخلط الأوراق وتحجب الرؤية، وتجعل من الصعوية بمكان حتى على المحترف فأحرى الإنسان العادي، فهم طريقة إشتغال العقل الأمريكي والصهيوني والبريطاني لتنفيذ مخططاتهم وتحقيق أهدافهم.

من هنا، كنت أعتقد أن أي حدث جلل يقع في أي مكان بالمنطقة، إلا وله إرتباط وثيق بـ”إسرائيل”، فمخابراتها تسرح وتمرح في العراق كما كانت تفعل في سورية، وعملائها لا ينامون في لبنان.. وأمريكا لا هم ولا شغل لها غير إرضائها ولو على حساب شعبها ومصالحها القومية التي تضررت كثيرا في العالم بسبب إنحيازها الأعمى لهذا الكيان السرطاني الذي بدأ يعطي أكله ويعثو فسادا وخرابا في جسد الأمة.

وحديث إسرائيل عن حماية الأردن المهدد من "داعش” لم يكن من باب الحرص على عرش حليف مخلص، بل مجرد عنتريات لرفع العتب والقول بعد أن تقع الواقعة أن "لا شأن لإسرائيل بما يقع”.

هذا السيناريو الذي كنا تصورناه بالتحليل، أصبح اليوم شبه مؤكد الحدوث بعد أن أكد الخميس السيناتور الصهيوني ‘جون ماكين”، أن الأردن هو الهدف المقبل لـ”داعش”. هذا يعني أن تاريخ صلاحية النظام "الهاشمي” العميل قد إنتهت، وأن لا حل للفلسطينيين إلا بالوطن البديل، والأردن يشكل أنموذجا مثاليا لهذا الحل من المنظور الأمريكي والصهيوني.. فأين سيذهب رأس الخيانة الأردني من هنا؟.. ربما ينصبونه أميرا على الإقليم "السني” في العراق كجائزة ترضية، هذا إذا لم تعدمه "داعش” قبل أن تنقذه "إسرائيل”، وفي حال نجح مشروع التقسيم، وهو أمر نعتقد بإستحالته لإيماننا بقدرة المقاومة على إجتراح المعجزات.

وبالتالي، فالعدوان الإسرائيلي على غزة لا يخدم في الحقيقة إلا هذا الهدف الإستراتيجي الكبير، الذي سيمكن "إسرائيل” من إعلان يهودية الدولة وطرد الفلسطينيين بمن فيهم عرب 48 إلى الأردن، في إنتظار أن تضم "دولة الخلافة” منطقة سيناء لإمبراطوريتها الجديدة، فتهبها إلى الفلسطينيين المساكين، ويكتمل المخطط، ويرتاح العربان من وجع "فلسطين” ويسافر الملك السعودي بمعية الأمراء ليزور القدس ويصلي هناك بالمتأسلمين كما كان يحلم هو والمقبور الحسن الثاني، ليدخل التاريخ كصانع سلام ويستحق بالتالي "ملك الإنسانية”، لكن من دون جائزة ‘نوبــــــل”، لأنه مجرد خديم لأعتاب البيت "المقدس” في واشنطن.

ربما.. من الأسباب التي أخرت تفاعل الشارع العربي مع الشعب الفلسطيني في غزة، هو عدم وضوح الرؤية، وعدم إعلان الأهداف الذي يتوقعها كل عربي ومسلم شريف، مخافة أن تنقلب الأمور ككل مرة لصالح "إسرائيل” بسبب إستسلام ‘حماس” لضغوط مصر بالأمس وقطر اليوم، وعدم إتخاذ موقف حاسم على مستوى القيادات الفلسطينية مما يحدث اليوم بفلسطين. وإذا لم يتوحد الشعب الفلسطيني أولا، فستكون هذه الحرب كغيرها حرب تحريك، وسيضل الشعب الفلسطيني في غزة على موعد مفتوح مع الخراب والقتل والحزن والدموع.. إلى أن يفعل الله أمرا كان مقدورا.