عن الصراع بين المحورين الغربي ـ الصهيوني والتحرري المقاوم
عقيل الشيخ حسين
بات من المعروف، في الوقت الذي عجز فيه التفوق العسكري الأميركي والإسرائيلي عن التحكم بواقع ومصيرالمنطقة ( فشل الحرب الأميركية على أفغانستان والعراق وعدم الجرأة على مهاجمة إيران وسوريا، وفشل الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة)، أن الحرب غير المباشرة أو السرية هي ما يعول عليه المحور الصهيو-أميركي في المواجهة مع محور المقاومة والتحرر.
كما بات من المعروف أن هذه الحرب غير المباشرة هي عبارة عن محاولة لضرب الكيانات العربية القائمة (بما فيها تلك التي تتقرب إلى الكيان الصهيوني أو تتوهم أنها في تحالف استراتيجي مع واشنطن) والمكونات المذهبية والإتنية لسكان المنطقة بعضها ببعض بهدف إنهاكها جميعاً تمهيداً لإعادة رسم المنطقة بالشكل الأكثر تلاؤماً مع مصالح المحور الصهيو-أميركي.
ومن الطبيعي، من هذا المنظور، أن يكون الرهان أساسياً على إثارة الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة نظراً إلى الحيز الكبير الذي يحتله كل منهما على مستوى التوزيع السكاني، وبالتالي إلى الحجم الهائل للأضرار والكوارث التي تلحق بالمنطقة جراء التصادم بينهما.
والحقيقة أن مثل هذا الرهان يمتلك حظوظاً بالنجاح متناسبة مع مدى واقعية العوامل العقائدية والفقهية والتاريخية التي تدفع نحو التصادم، أو على مدى ما يتم شحنها بواقعية كاذبة عن طريق تزوير المعطيات والوقائع وحتى على مدى قابلية الناس للاندفاع بفعل الجهل والإغراءات المادية والمصالح الضيقة.
السنة والشيعة في خندق واحد
بالنسبة للعوامل العقائدية والفقهية، هنالك اختلافات أكيدة بين الشيعة والسنة على هذا المستوى. ولكنها لا تكفي، بحال من الأحوال، لتأزيم العلاقات وتحكيم السيف، وخصوصاً أن الاختلافات القائمة بين مذاهب أهل السنة أنفسهم هي، في أحيان كثيرة، أكبر من تلك القائمة بينهم وبين الشيعة.
أما النزاعات والحروب والثورات التي اندلعت خلال القرن الهجري الأول والتي غالباً ما تستخدم، بأشكال تعسفية، كمرجعيات لإعطاء الصراع بعداً تاريخياً، فإن أكثرها قد وقع قبل ظهور المذاهب ولأسباب تتعلق بحق هذا الطرف أو ذاك بممارسة الحكم. أما تلك التي وقعت بعد ظهور المذاهب، فلم تكن لها صفة مذهبية بدلائل منها مواقف معروفة لكبار أئمة المذاهب السنية. فأبو حنيفة النعمان، شارك في ثورتين شيعيتين، إحداهما ضد الخلافة الأموية والأخرى ضد الخلافة العباسية. والإمام الشافعي اتهم بالميل إلى التشيع وتعرض للملاحقة من قبل العباسيين. كما لم تكن مواقف الإمام أحمد بن حنبل أقل سخطاً على الخلفاء العباسيين (السنة) من مواقف الشيعة.
وإذا كان من الصحيح أن الخلافات بين الطرفين قد بلغت أوجها خلال فترة الحروب بين العثمانيين (السنة) والصفويين ( الشيعة)، فإن الوقائع التاريخية تشهد على أن محمد علي باشا السني، حاكم مصر، قد أرسل ابنه إبراهيم باشا لقتال العثمانيين حيث أجلاهم عن بلاد الشام ووصل بجيوشه إلى "كوتاهية” في عمق الأناضول. أما الثورة العربية الكبرى التي قام بها السنة انطلاقاً من الحجاز فقد وجهت الضربة القاتلة للخلافة العثمانية، وبفضل ذلك، تمكنت القوى الاستعمارية من جني الثمار وإدخال المنطقة في حقبة سايكس- بيكو واغتصاب فلسطين، وصولاً إلى أيامنا هذه حيث يقيم أصحاب القرار العربي (وهم من السنة) أفضل العلاقات "الاستراتيجية” مع القوى الغربية ولا يتحرجون من التقرب من الكيان الصهيوني.
صراعات كبرى لا وجود بينها لصراع سني ـ شيعي
ومنذ سقوط الخلافة العثمانية إلى اليوم، كانت المنطقة مسرحاً لصراعات كبرى لم نسمع في أي منها كلاماً عن صراع سني ـ شيعي. فإذا ما وضعنا جانباً الخلافات التي كانت وما تزال تنشب بين الحكام العرب (وهم من السنة)، نجد أن الصراع الأبرز والأساسي هو "الصراع العربي-الإسرائيلي”، وحروب التحرر التي شهدتها بلدان كالجزائر واليمن ضد الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، والعدوان الثلاثي على مصر عام 1965، والإنزال الأميركي في لبنان عام 1958.
الصراع العربي ـ الإسرائيلي هو الصراع الأساسي في المنطقة
وفي جميع هذه الأحداث التي وقعت في إطار حركة التحرر العربي، كان الجميع، سنة وشيعة، يقفون في معسكر المقاومة نفسه. وفي الإطار نفسه، كانت للمسيحيين مواقف مشهودة (جول جمال- جورج حبش وكثيرون غيرهما) في التصدي للعدوان والاحتلال.
وإذا كانت حركة التحرر العربي قد تراجعت بوجه عام في ظروف كامب دافيد وأوسلو، فإنها قد اكتسبت حيوية غير مسبوقة من خلال ما حققته المقاومة في لبنان وفلسطين، ولكن أيضاً من خلال وقوف سوريا ضد الحلول الاستسلامية التي دخلت فيها معظم الأنظمة العربية. والأكيد أن انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتشكل محور المقاومة هو ما أثار هلع قوى الهيمنة وجعلها تستخدم أدواتها في اصطناع صراعات منها ما فشل ومنها ما يتجه سريعاً نحو الفشل، كالصراع المزعوم بين السنة والشيعة.