الهجرة تفجر العلاقات الأوروبية-الأوروبية
حسين محمد
بدأت أزمة الهجرة إلى أوروبا تتخذ منحنيات تصاعدية، تهدد بأزمة، لم تشهدها القارة من قبل بين أعضاء الاتحاد؛ فيما يحاول كل طرف تحميل الطرف الآخر أعباء اللجوء.
وشكل إعلان النمسا تحديد عدد، الذين يحق لهم طلب اللجوء لديها كل يوم، بـ 80 شخصا، وعدد العابرين بـ 3200 شخص، تطورا وجدت فيه اليونان، التي تعَدُّ المعبر الوحيد بين القارتين الآسيوية والأوروبية، محاولة لتحميلها وحدها عبء الهجرة.
وفعلا، فقد تسبب قرار النمسا هذا بأزمة مع اليونان، التي أعلنت على لسان وزير الهجرة فيها أنها تواجه أزمة إنسانية تسبب بها آخرون، في إشارة إلى النمسا. في وقت اتهمت فيه فيينا الحكومة اليونانية بعدم ضبط حدودها جيدا، وبالسماح لأعداد كبيرة من المهاجرين بمواصلة طريقهم شمالا باتجاه غرب أوروبا.
وتخشى اليونان أن تحذو دول أخرى حذو النمسا، ما يتسبب ببقاء ألوف المهاجرين عالقين على أراضيها. وفعلا، فإن أربع دول بلقانية قد بدأت تحديد عدد المهاجرين، الذين تستقبلهم يوميا.
إذ بدأت مقدونيا بمنع دخول الأفغان إلى أراضيها، وفرضت ضوابط أكبر على الأوراق الثبوتية للسوريين والعراقيين، ما تسبب بإبطاء عبورهم؛ وازداد الأمر سوءا مع إعلان سلوفينيا وكرواتيا، العضوين في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى صربيا، تحديد عدد المهاجرين، الذين يمكنهم العبور بـ580 شخصا يوميا.
ووصل الأمر إلى سابقة لم تعهدها أوروبا من قبل، حين رفضت أثينا طلبا من وزيرة الداخلية النمساوية بزيارة اليونان الأسبوع المقبل، واستدعت اليونان قبل يومين سفيرها لدى النمسا احتجاجا على إغلاق الحدود، مهددة بعرقلة عملية صناعة القرار في الاتحاد الأوروبي، إذا لم يتوصل الاتحاد إلى تحرك مشترك للتعامل مع أزمة اللاجئين.
وفي خطوة تحمل من الدلالات البينة على الشرخ الواضح، عقدت النمسا ودول البلقان اجتماعا في فيينا لمناقشة الإجراءات أحادية الجانب من أجل منع طالبي اللجوء من الدخول إلى أراضيها بأعداد كبيرة، مع استبعاد اليونان من حضور الاجتماع، في قرار واضح لتهميش أثينا.
وذريعة هذه الدول تتمثل في أن اليونان لم تلتزم بقواعد الاتحاد الأوروبي لأشهر طويلة العام الماضي؛ إذ سمحت بمرور اللاجئين وغيرهم من المهاجرين عبر أراضيها إلى دول شمال أوروبا، بدلا من حثهم على طلب اللجوء فور وصولهم إليها.
لكن أثينا، وتحت ضغط والتهديد بالطرد من منطقة معاهدة "شنغن"، بدأت في اتخاذ إجراءات تنظيمية لإعادة الأمور إلى نصابها. وعلى إثر ذلك، بدأت تشهد اليونان منذ أيام ارتفاعا في حدة الأزمة الإنسانية، خصوصا أن المهاجرين يرفضون البقاء في المخيمات، ويذهبون إلى الحدود مع مقدونيا، بالرغم من المصاعب، التي تعترضهم في مناخ شتوي قاس.
غير أن الأمر لم يقتصر على ذلك، فقد قررت هنغاريا إجراء استفتاء بشأن مقترحات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بنقل طالبي اللجوء إلى أنحاء الاتحاد، في خطوة وصفتها المفوضية الأوروبية بأنها متناقضة مع استراتيجية، تم التوافق عليها للتعامل مع أزمة اللاجئين؛ والمقصود هنا الاتفاق، الذي توصل إليه أعضاء الاتحاد في أيلول / سبتمبر الماضي، الذي وضع خطة لعامين من أجل استقبال 160 ألف طالب لجوء من اليونان وإيطاليا وهنغاريا، وفقا لحصص إلزامية.
وفي محاولة لتدارك الوضع قبل أن يؤدي إلى انقسام حاد داخل الاتحاد، حذر وزراء خارجية الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط بعض الدول الأعضاء من اتخاذ خطوات أحادية الجانب في مواجهة هذه الأزمة.
وفي مؤشر على الانقسام الأوروبي، ليس بين الأعضاء فحسب، بل أيضا بين مؤسسات الاتحاد نفسه، كان إعلان وزير الهجرة الهولندي، الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حاليا، "أن من حق هنغاريا إجراء استفتاء على نظام الحصص الخاصة بالمهاجرين".
وأمام هذا الوضع، تخشى دول أوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، أن تؤدي هذه السياسات الانفرادية إلى تغيير في المزاج الأوروبي، من شأنه القضاء التام على منطقة الشنغن، وهو تهديد طالما لوحت به ألمانيا، التي لا تزال إلى الآن متمسكة بمبدأ العمل الجماعي لحل أزمة الهجرة.
تركيا أوروبا
كان من المقرر أن تعقد قمة أوروبية-تركية قبل أيام، لكن تفجير أنقرة أدى إلى تأجيل القمة إلى الـ7 من مارس / آذار المقبل، وسط شكوك ألمانية من أن القمة المقبلة لن تساهم في إيجاد حل للأزمة، بسبب تعقيداتها الكثيرة.
وتعَدُّ هذه القمة مفصلية بالنسبة للاتحاد الأوروبي؛ فقد حذر المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة من أن تواجه أوروبا كارثة إذا لم يتم التوصل إلى توافق خلال القمة الاستثنائية.
والنقطة، التي تستغلها تركيا هي عدم وجود توافق أوروبي-أوروبي حيال كيفية التعاطي مع الأزمة؛ ولذا، قال المفوض الأوروبي "إذا لم يحصل توافق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في السابع من مارس فنحن مقبلون على كارثة".
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي عازم، بعد قرار حلف شمال الأطلسي نشر قوة في بحر إيجة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، على الخروج بتفاهم كامل مع الأتراك في القمة المقبلة، عبر إجبار الأتراك على تقاسم الأعباء.
ومن شأن فشل القمة المرتقبة المساهمة في زيادة الانقسام الأوروبي-الأوربي، ومنح مبرر إضافي لكثير من الدول لكيلا يجري حل أزمة الهجرة بشكل جماعي تحت قبة الاتحاد، وإنما عبر إجراءات فردية؛ وهو ما يشكل كارثة بالنسبة لدول أخرى مثل اليونان وإيطاليا وألمانيا.
وعلى الرغم من المساعدات المالية المقدمة لتركيا من جهة، والضغوط الأوروبية من جهة أخرى، فإن أنقرة لا تزال تنظر إلى هذه الأزمة من منظار سياسي يوازي نظرتها الإنسانية؛ حيث تستغل هذه الأزمة للتأكيد بأن حلها مرتبط بالداخل السوري.. بمعنى أن حلها يجب أن يتم عبر أمرين: إما إسقاط نظام الحكم في دمشق، أو إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، تكون مستقرا للاجئين.