الدعم الايراني لانتفاضة فلسطين: التزام ورد على القمع الاسرائيلي
جهاد حيدر
لم تكن ردة الفعل السلبية الاسرائيلية ازاء اعلان الجمهورية الاسلامية في ايران عن دعمها لانتفاضة فلسطين، مفاجئة. بل أتت متناسبة مع ادراك الاسرائيلي لجذرية المواقف والتوجهات الايرانية ازاء اصل وجود الكيان الغاصب. وأن قرار طهران تقديم تعويضات مادية لعوائل الشهداء الفلسطينيين اضافة الى مساهمات مالية للعوائل الذين دمرت منازلهم، ليس سوى امتداد لخيار استراتيجي ثابت يستند الى موقف عقائدي من فلسطين.
لم تكن الخطوة الايرانية التي اعلن عنها السفير الايراني في بيروت محمد فتحعلي، سوى امتداد لسياسة ايرانية معتمدة منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979. وبالتالي يدرك العدو أن الموقف الايراني هو تعبير عن موقف مبدئي من اصل وجود الكيان. لذلك كان الرد الصهيوني الرسمي على المساعدات الايرانية على مستوى المتحدث الرسمي باسم رئيس حكومة العدو، اوفير غندلمان، وعلى مستوى وزارة الخارجية الإسرائيلية.
عكست ردة الفعل الاسرائيلية منسوبا من القلق ازاء مفاعيل هذه الخطوة الايرانية. والواقع أن قرار القيادة في طهران بامداد الشعب الفلسطيني المنتفض بأسباب الصمود يتجاوز في أبعاده الدلالة الرمزية التي ينطوي عليها كل موقف مؤيد للمقاومة والانتفاضة في فلسطين. ويعود ذلك الى كون هذه المساعدات تندرج ضمن اطار الرد على الاستراتيجية التي تتبعها الأجهزة الاسرائيلية لردع وقمع الانتفاضة. اذ تقوم الرؤية الاسرائيلية على أن المقاوم الذي يأتي لينفذ عملية طعن او دهس او حتى اطلاق نار، يحمل روحا استشهادية لأنه يدرك أن عمليته تنتهي في الغالب اما باستشهاده او باعتقاله، ومع ذلك يقدم على تنفيذ عمليته.. وبالتالي لا مجال لردعه عبر التهديد بقتله أو اعتقاله أو تعذيبه.
من هنا كانت الخطة الاسرائيلية عبر محاولة التأثير في قرار المنفذ من خلال إشعاره بأن عائلته ستضرر عبر تدمير منزلها وتشريدها. وهكذا يصبح المقاوم مضطرا لأن يأخذ هذا الامر بالحسبان.
في المقابل، أتى القرار الايراني باحتضان ودعم عوائل الشهداء الفلسطينيين، بهدف اسقاط اهداف الاستراتيجية الاسرائيلية وكجزء من دعمها لخيار المقاومة في فلسطين. اضافة الى ما ينطوي عليه هذا الموقف من شعور بالمسؤولية الاسلامية تجاه المسلمين والمقاومين والمستضعفين..
الى ذلك، لا ينبغي تجاهل حقيقة أن هذا القرار أتى في سياق ومسار اقليميين، آخر ما يهمه فلسطين وشعبها وقضاياها. وعلى هذه الخلفية، فإن من مفاعيل قرار الدعم الايراني المؤملة محاولة التأكيد على أن قضية فلسطين هي البوصلة الحقيقية للمعركة الاقليمية التي تشهدها المنطقة. وان انشغال محور المقاومة بمواجهة التهديد التكفيري لا يشغله عن قضية فلسطين وشعبها. مع ذلك، يؤدي الموقف الايراني الداعم ايضا، دورا ثقافيا وتعبويا مقابل هجمة التضليل الفكري والسياسي، وحرف الاولويات ومحاولة انتاج صورة اسرائيل الحليفة لجزء من العرب والمسلمين في مقابل الجزء الاخر. ومع ذلك، تبقى حقيقة أن الموقف الايراني أتى بمثابة الصفعة على وجه القادة الاسرائيليين بعدما اعتقدوا أنهم استطاعوا أن يستفردوا بالشعب الفلسطيني الذي لا يجد له ناصرا ولا معينا في العالمين العربي والاسلامي.