أسئلة لبنانيّة !!
ثريا عاصي
لماذا أوقف آل سعود الهِبة؟!
الواقع أنّ مساعدة آل سعود على تسليح الجيش اللبناني كانت بحكم المُلغاة، لأنّ الذين أقرّوا هذه المساعدة، من آل سعود، كانوا على الأرجح يجهلون حقيقة الوضع في لبنان، وبالتالي من المحتمل أنّ المكرمة السعودية أُقرّت بناء على سوء تفاهم أو على خدعة. إذ كان المطلوب أن يحارب الجيش اللبناني حزب الله، ولكن من المعروف أنّ مثل هذا العمل العسكري يتطلّب في لبنان توافقاً بين جميع الطوائف والمذاهب والعائلات، وهذا مستحيل في الظروف الراهنة! والدليل على استحالته يتجسّد في كُوَم النفايات على جنبات الطرقات في بلاد الأرز!
الجديد في هذه المسألة هو الإعلان عن إلغاء ما كان ملغياً، وما كان الجميع يعرفون أنّه مُلغى. ما يعني أنّنا حيال سيناريو الغاية منه إحداث نقلة نوعية في الوضع الداخلي في لبنان. هناك جملة من الدلالات تدعم هذه الفرضية؛ سبق هذا الإعلان عودة الشيخ السعودي ـ اللبناني سعد الحريري، استقالة وزير العدل، وهو أحد صقور أنصار آل سعود في لبنان، استعداد تيار المستقبل، حزب السعوديين اللبنانيين، للقيام بفعاليات جماهيرية في المدن اللبنانية تأييداً لآل سعود واستنكاراً لعدم موافقة وزير الخارجية اللبناني، دون تحفّظ، على بيان سعودي طـُلب من مجلس جامعة الدول العربية التوقيع عليه من دون مناقشة. هكذا هي الذهنية البدوية، المخالف تُضرب عنقه!
مجمل القول إنّ الاحتقان يتفاقم في لبنان. لا جدال في أنّ الدور السعودي رئيسي في ذلك، ففي لبنان يتواجد العنصران اللذان يشغلان أل سعود منذ تاريخ سقوط شاه إيران وانتصار الثورة الإيرانية إلى يومنا هذا، أعني العنصرين الإيراني والسوري!
ليس من حاجة هنا إلى أن نرتجع جميع الأحداث التي جرت في المنطقة العربية منذ سنة 1979، يكفي التذكير بأنّ الثورة الإسلامية الإيرانية قطعت علاقاتها مع دولة إسرائيل، واستبدلتها بعلاقة مع الفلسطينيين تتعدّى الشكل إلى الالتزام والانخراط في الصراع ضدّ المستعمر الإسرائيلي. تمثّل ذلك في لبنان في احتضان وتبنّي المقاومة اللبنانية في المناطق التي احتلتها إسرائيل. وفي لبنان أيضاً، كما هو معروف، تتواجد سوريا، التي تحوّلت، منذ 2005 أو بالأحرى منذ غزو العراق 2003، من صديقة لآل سعود إلى عدوّة لهم. أغلب الظنّ أنّ هذا التغيير حدث على قاعدة ما أمكن فعله في العراق يمكن فعله في سوريا. هنا المشكلة! خمس سنوات ونيّف من الحرب الدموية المدمّرة ولا يزال العدو السوري واقفاً يقاوم.
أظنّ أنّ آل سعود يريدون طرد إيران وسوريا من لبنان! عندما أقول إيران لا أعني في الحقيقة الإيرانيين، ولكن ما أعنيه هو حزب الله، المقاومة اللبنانية، عدوّة الإسرائيليين الفعلية! هذه المقاومة متحالفة مع الإيرانيين ومع السوريين في ما يشبه اتفاقية دفاع مشترك جديّة، ليست كمثل اتفاقية الدفاع المشترك العربية طبعاً. بمعنى آخر، لا تستحق افتراءات آل سعود وأجهزتهم الدعائية، وجوقات المثقفين العرب الذين تجنّدوا في خدمتهم، عن الغزو الإيراني والهيمنة الإيرانية، لا تستحق إلّا الازدراء والاحتقار.
إنّ التواجد الإيراني والسوري في لبنان يتمثّل بنهج المقاومة، وبالدعم المادي للمقاومة، وبالتضامن معها، إلى حدّ القتال إلى جانبها ضدّ المستعمرين الإسرائيليين وضدّ المرتزقة الذين يعبرون إلى سوريا من تركيا ومن الأردن، حيث مخازن السلاح والذخيرة ومعسكرات التدريب الأميركية والبريطانية والفرنسية !
لا مجال هنا للبسط والتوسّع في الأسباب التي تجعل آل سعود يُعلنون الحرب على سوريا، ويبحثون عن الوسائل التي تُعيق عمل المقاومين اللبنانيين عن طريق قدح شرارة الحرب في لبنان!
أنا على يقين من أنّ الذين اغتالوا الرئيس رفيق الحريري في لبنان سنة 2005، هم أعداء سوريا وحزب الله، بقصد طرد السوريين وحزب الله من لبنان. إذا كان الشيخ سعد الحريري قد برّر غيابه الطويل عن لبنان بدواع أمنية، فإنّ الوضع الأمني في لبنان مرشّح لأن يتدهور. الرأي عندي أنّ هناك خطة لإشعال حرب في لبنان ضدّ حزب الله من أجل فتح المعابر بين لبنان وسوريا، واستخدام شمال لبنان قاعدة عسكرية خلفية للمتمرّدين، تعويضاً ربما يكون مؤقتاً، عن الحرب السعودية البريّة التي تعترضها كما يبدو صعوبات. ليس مستبعداً أيضاً، أن تقضي هذه الخطّة بتوفير ملاذ آمن في شمال لبنان لجماعات المرتزقة التي قد تضطر إلى الانسحاب من سوريا.
وفي هذا السياق، وبناءً على أنّ الجيش اللبناني يمثّل المؤسسة الوطنية اللبنانية التي ما تزال محافظة على وحدتها وتماسكها، ورغم العراقيل التي تحول دون أداء هذه المؤسسة لواجبها، من المحتمل أن تجري محاولات تهدف إلى شقّ هذا الجيش، مثلما حدث لجيش العراق، وإلى حدّ ما للجيش العربي السوري. إذا تحقّق ذلك، وصلت الهبة السعودية إلى العنوان الصحيح!
يبقى أن نقول إنّ آل سعود يمارسون سياسة تبطن خطراً على الجميع، عليهم وعلى خصومهم، والغريب أنّ لهم في لبنان أشخاصاً كانوا يُحسبون في عداد المثقفين والمتقدّمين والمبصرين والمتعقّلين! شيء مذهل حقاً!
خلاصة القول، إنّ تيار المستقبل يرتكب خطيئة كبرى، إذ هو يستقوي بآل سعود، وكان لبنان صار مزرعة للأخيرين. أعتقد أنّ لبنان ليس مزرعة لآل سعود، وهو ليس مزرعة لأحد، ولا يجب أن يكون كذلك إذا كنّا نطمح إلى جعله وطناً لنا جميعاً!