kayhan.ir

رمز الخبر: 35082
تأريخ النشر : 2016February27 - 21:19

أيتام أميركا في المنطقة في مواجهة التفكيك المضاد

عقيل الشيخ حسين

فشل استراتيجية الإجرام يدفع تركيا والسعودية وأتباعهما في المنطقة إلى ابتكار أشكال من التشاطر الساذج والغبي من خلال "تصنيع" أحداث بينها عمليات إرهابية بهدف إجبار واشنطن على عدم التخلي عن أدواتها في المنطقة.

يقول أحد الكتاب الذين يدبجون كتاباتهم "على الطلب" ويشحنونها بما تهوى أنفس الجهات "المانحة"، دونما رادع من منطق أو واقع أو خجل أمام القراء... يقول بأن تركيا "قادرة على احتلال نصف سوريا في أسابيع".

ولا عجب. لا لأن هذا الكاتب يردد الكلام الذي كان يقال في بداية الحرب عندما كانت ماكينات التضليل تقول بأن سوريا ستسقط في غضون أيام أو أسابيع، بل لأن كلامه من نوع الكلام الذي اعتاد العالم سماعه من كثيرين من أعداء سوريا، وفي جملتهم رجب طيب إردوغان وأركان حكمه.

سذاجة وغباء

مشكلة إردوغان وأضرابه، كحكام السعودية والخليج، هي في وقوعهم ضحايا للتبسيط الناشئ عن بساطة هي رديف للسذاجة بلا مرجعية غير الغباء. فإذا كان إردوغان، بوصفه زعيماً لبلد عضو في الناتو، ويمتلك واحداً من أكبر جيوش هذا الحلف، يقف أمام المرآة وينظر في عطفيه ويستشعر في نفسه قوة تسمح له باحتلال سوريا أو غيرها، فهو محق تماماً في إحساسه هذا. ولكن بشرط.

بشرط أن تكون بنية حلف الناتو ووظيفته مشابهة لما هي عليه الحال في القبائل التركية أو العربية حيث يسود الاعتبار القائم على عصبية الدم، والقاضي بأن يقف الفرد مع أخيه ضد ابن عمه ومع ابن عمه ضد الغريب.

تركيا والسعودية

لكن حلف الناتو - والحق أنه كثيراً ما يتصرف انطلاقاً من الاعتبار القبلي المذكور - يتصرف أيضاً انطلاقاً من اعتبار يمكن معه للفرد أن يكون مع نفسه ضد أخيه. أي أن يعطي الأولوية لمصلحته على جميع المصالح والاعتبارات.

والحق، أن رأس حلف الناتو المتمثل بواشنطن، أو ما فوق واشنطن، لا يبدو اليوم مستعداً لأن يضع حده وحديده في خدمة مصالح حليف عضو في الحلف كتركيا، أو تابع كالسعودية، لأنه يعطي الأولوية لمصالحه المهددة بشكل خطير في المنطقة والتي قد تقتضي، بدلاً من الوقوف غير المشروط مع تركيا أو السعودية وغيرهما، وضع الحد والحديد في خدمة قضية افتراس الجمل، الصديق البسيط الساذج والعامر باللحم والشحم، على ما ورد على لسان ابن المقفع في "كليلة ودمنة".

التفكيك المضاد

بكلام أكثر وضوحاً، يجري الكلام عندنا، منذ سنوات، عن مشاريع أميركية لتفكيك بلدان المنطقة، مع إيحاءات وتصريحات بأن عملية التفكيك تستهدف البلدان التي ترفض الخضوع لمشاريع الهيمنة الصهيو-أميركية. أي بلدان الممانعة ومحور المقاومة...

ولكن ما يحدث، منذ العام 1979، تاريخ تفجر الثورة الإسلامية في إيران، وخصوصاً منذ العام 2001، تاريخ إعلان بوش الابن عن حربه على العالم، يخالف تماماً أحلام وتهويمات الحلف الصهيو-أميركي. ودون الدخول في تفاصيل ذلك تكفي الإشارة إلى انتصار إيران من خلال الاتفاق حول ملفها النووي، وإلى انتصار سوريا بفعل صمودها أمام الحرب الصهيو-أميركية على العالم، وهو الصمود الذي كان من أبرز تداعياته أنه فتح الباب واسعاً أمام "تفكيك مضاد" بقدر ما هو آخذ في تفكيك جميع الأحلاف المعلنة وغير المعلنة بين أعداء سوريا.

ودون الدخول في التفاصيل، تكفي الإشارة إلى إردوغان وهو يتهم واشنطن بأنها حولت المنطقة إلى بركة دماء، أو يهدد بإقفال قاعدة انجرليك أمام الطائرات الأميركية. كما تكفي الإشارة إلى الحملات الشعواء التي يشنها الإعلام المرتبط سعودياً على الولايات المتحدة بشخص رئيسها أوباما.

وكل ذلك في إطار "معركة الخندق العالمية الجديدة" التي أنبأ عنها العزيز الحكيم بقوله "سيهزم الجمع ويولون الدبر".

وعندما تتفكك الأحلاف، يكون من الطبيعي أن تبدأ أطرافها بتفكيك بعضها البعض وافتراسها. والأرجح أن تركيا والسعودية وبقية السلسلة هي، في هذه المرحلة، موضوعات أثيرة للتفكيك والافتراس.

فالحلف الصهيو-أميركي يتحرك وفق القاعدة القبلية: "على بكر أخينا، إذا لم نجد إلا أخانا". وأمام هول المشهد، لا يجد "السلطان" إردوغان، من جهته، غير التخبط في النشاط الإجرامي المثير للارتياب الشديد: بعد دقائق من عملية أنقرة، وقبل اي تحقيق، وجهت تركيا التهمة إلى الجميع باستثناء نفسها طبعاً. وأعلنت أن منفذ العملية هو كردي سوري لاجئ بشكل شرعي إلى تركيا، أي أنه معروف من قبل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية... والبقية واضحة.

وبعد أنقرة، عملية في ديار بكر، كي يتوهم الناس أن منفيذيها هم الأكراد الذين يسعى إردوغان إلى "إجبار" واشنطن على وضعهم في قائمة الإرهاب ومقاتلتهم... وهكذا دواليك، عندما لا يجد إردوغان وسيلة للبقاء غير الشروع بقتل شعبه تمهيداً لقتل نفسه، ما لم يراجع حساباته ويرجع إلى سواء السبيل، لأن من المحزن أن تغرق تركيا في وضع أشد إيلاماً بكثير من الأوضاع التي ساهمت بنشاط في صنعها في سوريا والعراق.