kayhan.ir

رمز الخبر: 34875
تأريخ النشر : 2016February23 - 20:22

عندما تتقلص أحلام اردوغان

شارل أبي نادر

اذا اعتبرنا ان انتشار وحدات حماية الشعب الكردي مع مسلحي "سوريا الديمقراطية" لمسافة تتجاوز ال 500 كلم على الحدود السورية مع تركيا ما بين الفرات غربا والجزيرة في القامشلي شرقا على الحدود مع العراق لا تهدد الامن التركي ، فكيف لهذه الوحدات ان تهدد الامن في شريط ضيق بعرض يلامس العشرة كيلومترات في المنطقة المحيطة بمدينة اعزاز ومعبر باب السلامة حيث تشن تركيا اليوم " حرب الوجود " ضد هذه الوحدات المذكورة التي تتقدم بخطوات واثقة لطرد مسلحي السلطنة عن المدينة والمعبر المذكورين ؟؟

هذه المنطقة التي لا يعدم الاتراك وسيلة في سبيل الحصول عليها الا ويستعملونها ، فهم يحاولون فرضها من خلال ممارسة الضغوط على المجتمع الدولي بشكل عام وعلى دول الاتحاد الاوروبي بشكل خاص لناحية ابتزازهم بالموضوع الاكثر حساسية لديهم وهو تدفق اللاجئين السوريين الى داخل مجتمعاتهم دون اية امكانية لوقف ذلك الا من خلال الادعاءآت التركية بايوائهم في مخيمات تخصص لذلك في تلك المنطقة " الامنة " التي ينشدها الاتراك ، وايضا هم يبتزون المجتمع الدولي واوروبا من خلال الايحاء لتلك الدول بانه لا وسيلة لضبط تفلت وعودة الارهابيين المهاجرين المقاتلين في صفوف داعش او الجماعات الارهابية الاخرى اصحاب الجنسيات الاوروبية الى بلدانهم الا من خلال مسك معابر عودة هؤلاء في تلك المنطقة " الآمنة "

ايضا ، يرى الاتراك في هذه المنطقة ثغرة امنية حساسة تشكل خطرا على الامن الداخلي التركي وهي بحاجة لضبط خاصة انهم يربطون دائما وبشكال ملفت وغريب العمليات الارهابية والتفجيرات التي تحصل داخل تركيا خاصة في الفترة الاخيرة باتهام مباشر لمعارضيهم من الاكراد دون انتظار اية نتائج او حتى قبل اكتمال عناصر التحقيق وحتى قبل رفع بصمات وآثار المنفذين ، ويذهبون في استنتاجاتهم بان مسكهم لهذه المنطقة سيؤمن حماية استباقية ضد العمليات الارهابية في الداخل التركي ولا يمكن لاحد غيرهم القيام بذلك في ظل وجود هذه الفوضى في تلك المنطقة.

في الحقيقة ، ما يقصده الاتراك في الواقع وما يعملون عليه وما يحلمون به هو :

- منطقة آمنة للمسلحين الارهابيين ، ينتشرون فيها دون حسيب او رقيب ، مفتوحة على الحدود مع تركيا حيث تشكل قاعدة انطلاق ونقطة ارتكاز يتوزعون منها في اغلب الاتجاهات الداخلية السورية مزودين بالاسلحة والعتاد المناسب لتنفيذ مهماتهم السوداء الممهورة بخاتم اردوغان ومخابراته الخاصة

- منطقة مفتوحة مع الداخل التركي تتضمن مخازن ونقاط تجميع وتوضيب " للمساعدات الملتهبة " التركية والخليجية والغربية ، والتي تحوي الذخائر والصواريخ التي تسلم للمسلحين غب الطلب تلبية لحاجات الميدان السوري ومعاركه المصيرية ، كصواريخ التاو الاميركية الصنع السعودية التمويل والتركية التسليم ، والتي لعبت دورا اساسيا ومؤثرا في السابق في ترجيح الكفة لصالح مسلحي السلطنة في ميادين معينة

- منطقة لتجار النفط الاتراك والسوريين لتسييل وتهريب ثروات الشعب السوري بكافة اطيافه ومجموعاته ، تكون ممسوكة بالكامل وتؤمن خزاناتها المستحدثة الضخمة نقاطا لتجميع النفط السوري وحتى العراقي المسروق والمهرّب بعناية ورعاية عائلية اردوغانية.

بالمقابل ، يبدو ان هذه الاحلام الاردوغانية التركية بدأت تتقلص بطريقة دراماتيكية ملفتة وذلك من خلال المعادلات والمعطيات التالية :

لقد تقلصت ابعاد وحدود المنطقة الآمنة( حلم اردوغان ) من امتداد يتجاوز مئات الكيلومترات بين المتوسط غربا وجرابلس شرقا الى قطاع هزيل يضيق يوميا بشكل متسارع حيث تتسابق وحدات الجيش السوري وحلفائه مع وحدات حماية الشعب الكردي وحلفائها على قضمه يوما بعد يوم وحتى ساعة بعد ساعة.

لقد تقلصت اعداد المسلحين المحسوبين على الاتراك من عشرات الالاف و الذين كانوا ينضوون تحت مسميات تتجاوز العشرات الى بضعة فصائل يقاتل الآن في صفوفها مئات المسلحين بشكل يائس دون أفق بعد ان تقطعت بهم السبل وهم ينتظرون الاستسلام او الموت على معابر شمالية اوصدتها تركيا بوجههم الا لبعض الجرحى باصابات خطيرة.

لقد تقلصت احلامهم مع حلفاء لهم شكلوا سابقا معسكرا ببغائيا بشعار " لا حل بوجود الاسد " الى معسكر هزيل يلهث وراء وقف لاطلاق النار يقيهم شر الانهيار ، و الى معسكر يستجدي الدول الفاعلة لمساعدتهم في الحصول على موافقة هذا " الاسد " وحلفائه على تسميتهم ب " معتدلين " ونزعهم من خانة " الارهابيين " للفوز بشرف الجلوس على مقاعد الاحتياط الى طاولة المفاوضات في جنيف مع ممثل الذي كان يستحيل بالنسبة لهم الحل بوجوده.

واخيرا ، لا يبدو ان هذا الانهيار الدراماتيكي الذي يصيب معسكر العدوان على سوريا والتي كانت وما زالت تركيا تشكل فيه راس الحربة لديه الفرص لكي يتوقف او يتجمد ، فجيش الشعب والدولة في سوريا هو على طريق استعادة التوازن وفرضه داخل اغلب المناطق السورية ، وبالتالي فهو يتحضر من خلال العمليات العسكرية الواسعة او من خلال العمليات الامنية الموضعية او من خلال التسويات والمصالحات التي تتسارع وتزداد يوميا بشكل متناسب مع التقدم العسكري البري ، يتحضّر الى استعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية ، وفي الجهة المقابلة يبدو ان الميدان التركي بدا يتحضّر ايضا ولكن لشيء آخر ، لشيء يشبه الميدان السوري منذ حوالي خمس سنوات ، لشيء سيكون نتيجة منطقية لجنوح مجنون نحو دعم الارهاب ، لشيء سوف يكون ثمنا عادلا يدفعه من تسبب بدمارٍ وبقتلٍ لا مثيل له في الشرق.