إنهم يطرقون أبواب الجحيم، فهل تفتح؟
سمير الفزاع
سؤال: ماذا لو تقدمت وحدات الحماية الكردية نحو المناطق التي "ترفض” تركيا وصول الجيش العربي السوري لها؟ هل ستواجه تركيا "قوة معتدلة” تحارب الإرهابيين، وبأي منطق؟ ما هو موقف واشنطن والنيتو حينها؟ هل سيبقى هذا الاشتباك محصورا في سورية؟ وكيف سيكون موقف اردوغان إذا ما قتل عدد من الجنود الأتراك داخل الأراضي السورية وبأيد الوحدات الكردية؟ هل سيرد الجيش التركي بدفع المزيد من القوات لتقع الواقعة أو ينسحب ذليلاً مهزوماً؟ كيف سيتصرف الجيش التركي مع اردوغان الذي يدفعه من كارثة إلى أخرى أكبر وأدهى؟ اردوغان يتحسس هذا "الخازوق” لذلك صاح متألما مخاطباً واشنطن: هل انتم معنا أم مع التنظيم الإرهابي في كوباني.
اعتقد بأن هناك جملة من الوقائع تؤكد أن الكلام السعودي والتركي حول تدخل بري في سورية مجرد هلوسات مهزوم، تختلط فيها الأمنيات مع الأوجاع وأحلام اليقظة بالرعب… لتنتج هذه اللوحات البائسة في السياسة والميدان، ومنها:
* وصل ملك البحرين إلى روسيا والتقى بوتين ليسلمه رسالة من ملك آل سعود سلمان بن عبد العزيز: انا جاهز لزيارتكم، حددوا الموعد الذي يريحكم. تم تحديد الموعد في منتصف الشهر القادم لتحقيق عدة أهداف: امتحان تعاون وزير خارجية سلمان في مؤتمر ميونخ 11/2/2016. اختبار تعاونهم في مجال ترتيبات وفدي المعارضة، ولائحة المنظمات الارهابية، ومكونات مبادرة لافروف لانهاء الحرب على سورية… ومن جهة ثانية الوقوف بشكل عملي على تصرفات المملكة ازاء قضايا مهمة، مثل الاحاديث عن قوة بقيادة سعودية قوامها 150 الف غاز، والتي تراجعت مباشرة الى فرقة عسكرية، ثم مجموعة من القوات الخاصة ضمن تحالف واشنطن… وقف دعم الجماعات الارهابية عبر الحدود، وقف التحريض الاثني والمذهبي والطائفي، التوافق حول معالجة الانخفاض الكبير لاسعار النفط، وقف الحرب على اليمن… .
* يُظهر استدعاء ملك البحرين كرسول لملك آل سعود عدة امور هامة منها: ان روسيا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من ترهات "العاهر الغبي” الجبير كما وصفه لافروف ذات مرة، ولا هي قادرة على التفاهم مع "الصبي المغامر” كما وصفت الصحافة العالمية ولي ولي العهد محمد بن سلمان. ثانياً: ان الامور لم تعد تحتمل التلاعب على الكلمات، والتراجع عن التفاهمات… وان الخيارات ضاقت لتصبح بين حدّين: كسر المشروع الامريكي في سورية بكسر ادواته التركية والسعودية أو منازلة سورية وحلفائها في الميدان. ثالثاً: لنا في اليمن اصدقاء ويمكن دعمهم حتى خراب مملكتكم وانهيار حكمكم، ولو جاء "شعب” مملكتكم وجيشها كاملاً لن تنتصروا… ولهذا أعلن موعد زيارة "سلمان” مباشرة بعد زيارة "حمد”.
* تعلم تركيا ومملكة آل سعود، أن قرار الحرب مع روسيا ليس وارد، واذا كان ممكنا فلن يكون بيديهما، ومن شبه المستحيل ان يكون متاحاً في مثل هذه الظروف الميدانية والسياسية والاقتصادية والاقليمية… مثلاً، كم يبلغ عدد وعديد القوات الامريكية القريبة من ميدان المعركة المفترض –سورية- وهل هو كاف؟ ماذا عن الحشد الروسي؟ اذا ما تدحرجت الحسابات الخاطئة نحو حرب قد تبدأها تركيا والسعودية ضد سورية، هل ستقف روسيا مكتوفة الايدي؟ وماذا عن ايران، الن تكون تلك فرصتها الذهبية للقصاص من جرائم آل سعود: تفجير سفارتها في بيروت،قتل الحجاج الايرانيين،التلاعب باسعار النفط…؟ كلنا نعرف ان 70% من طاقة تركيا تاتي من روسيا وايران، ماذا لو توقفت هذه الطاقة، هل ستجد الطائرات والدبابات التركية وقودا لحركتها، او بديلاً لتحريك مصانعها وانارة بيوت مواطنيها…؟.
* كل من يرفع السلاح بوجه الجيش العربي السوري ارهابي، فاما القاء السلاح او السحق، كما قال كيري لبعض وفد الرياض… واما بالسياسة، وحدة سورية وسيادتها، وموقع الرئيس الاسد وترشحه، وسلامة مؤسسات الدولة العسكرية والامنية والدبلوماسية… خطوط حمر من غير المسموح العبث فيها.
* حتى في اليمن، قدم قرار مجلس الامن والذي امتنعت روسيا عن التصويت عليه، غطاءا للتدخل السعودي… واما في الحالة السورية، فلا وجود لمثل هذه المظلة من "الشرعية الدولية”؛ بل على العكس تماما، هناك قرارت تطالب دول العالم بدعم الحكومة السورية، ومنع انتشار الارهاب وتمويله والترويج له… وهذا عنصر هام ومن غير المقبول اغفاله، او التغاضي عن مفاعيله في العلاقات الدولية… مثلاً، اي قوة تحاول اجتياز الحدود السورية، تعتبر قوة احتلال وفق القانون الدولي، وهذا يعطي سورية وحلفائها شرعية ضرب هذه القوات ومعسكرات تحشدها وطرق انتقالها… ومن جهة ثانية يتيح للحكومة السورية طلب دعماً موسعاً، بشري،معدات،مواقف… من دول ترتبط معها باتفاقيات دفاع مشترك، مثل روسيا وايران.
* لا يمكن لمملكة آل سعود، ومختلف محميات آل سعود، أن تتدخل بعملية عسكرية برية في سورية دون جسد بشري قوي ومحترف، وهذا ما لا تملكه قطعاً… وهكذا لا خيار امامها الا البحث عن حلفاء، وهنا يظهر اسم مصر وباكستان… وعند التدقيق بتجربة آل سعود في اليمن يظهر جلياً حجم مشاركة هاتين الدولتين: مصر، حصرت مشاركتها بقوة بحرية في مضيق باب المندب. باكستان رفضت مطلقاً اي مشاركة رسمية في هذه الحرب. وهنا ايضاً يظهر المأزق السعودي مع الاردن، والتي لن تشارك في مثل هذه العدوان دون غطاء عربي من مصر، وغطاء دولي من قبل واشنطن ولندن، وأممي من قبل مجلس الامن… والا ستكون الاردن امام انفجار داخلي، يأخذ المشرق بأسره الى "انكشاف” استراتيجي للهيكل العظمي في المنطقة لا يمكن كساءه مرة أخرى باللحم الحي.
* قبل أن تصل الامور الى نقطة اللاعودة، وذهاب المنطقة –على الاقل- بأسرها الى حرب اقليمية طاحنة، يشارك فيها قوة نووية عظمى –روسيا- هذا المشهد يحتاج الى عدد من الاجراءات التمهيدية، يقف على رأسها الحشد العسكري المتقابل. بنظرة سريعة الى طرفي المواجهة المحتملين، نجد عدة وقائع منها:
1- روسيا، القوة النووية العظمى حاضرة في الميدان السوري، ولا وجود حتى اللحظة لقوة عظمى نووية مقابلة، قادرة وراغبة في المواجهة… وهذه ميزة حاسمة لصالح سورية وحلفائها.
2- أي حشد لحلف العدوان على سورية، سيعطي سورية وحلفائها ميزات كبرى، منها: #توفير كامل مسوغات الحشد المقابل لحلفاء سورية. #انهاء كلي لحالة "الميوعة” التي تعاني منها سورية على حدودها بعد مضاعفة الحشد البشري والعسكري لحلفاء سورية، وتحويلها لحدود نار ومواجهة. #الاستفراد التام بادوات الغزو الارهابية في الداخل السوري، والتعامل معها بالحدود القصوى من القوة، خصوصاً بعد اغلاق باب التفاهمات السياسية. #لن يعود هناك مكان للحديث عن معارضة ” في لحظة مواجهة غزو خارجي لتنتهي تماماً قصة النفوذ الاقليمي والدولي في بنية النظام السوري… .
3- ربما تحاول تركيا والسعودية توريط امريكا والنيتو في سورية من خلال حشدهما قوات على الحدود، ثم التدخل ليجرا خلفهما امريكا والنيتو… لكن هذا الاحتمال يواجهه معضلة اساسية: ماذا لو "مُسحت” القوة العسكرية التركية والسعودية خلال ساعات؟ وانا لا أقصد هنا القوة التي يفترض فيها أن تغزو مناطق سورية؛ بل أقصد القدرات العسكرية لتركيا ومملكة آل سعود في قواعدها ومعسكراتها داخل الاراضي التركية وخلف حدود مملكة آل سعود… "عاهر غبي” من لم يدرك بعد الرسائل التي حملتها معها صواريخ "كليبر” الروسية العابرة للقارت.
4- اما اذا تحول حشد حلف العدوان على سورية الى قوة غازية تهاجم سورية، فنحن حتماً بلغنا نقطة اللاعودة… ستبدأ الحرب هنا، لكن لا احد يعرف متى وكيف ستنتهي… وبكل تأكيد ستسقط حدود حمراء كثيرة احترمت حتى اللحظة.
* كلمة أخيرة:
السعودية وتركيا تقولان: لا تلومونا، كنا مستعدين لارسال 150 الف جندي لكن واشنطن لم توفر لنا الغطاء، لوموا واشنطن. بالأمس، اعتقال الحرس الثوري الايراني نخبة الجيش الامريكي، المارينز، بكامل عدتهم وعتادهم، لينهاروا بلا حول ولا قوة بين أيديهم… والحرس مشتاقون للمجيء الى سورية ليساهموا بدق المسمار الاخير في نعش اردوغان وآل سعود. وقبلها بثلاثة اعوام تقريبا، أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة عسكرية تركية، ولم يجرؤ اردوغان على اطلاق رصاصة. واما بوتين، فقد جعل من اسقاط الطائرة الروسية منصة لإسقاط مشروع واشنطن في المنطقة، وليس مجرد رد مباشر مساو بالقوة ومعاكس في الاتجاه… ولن انسى مقولة السيد حسن نصر الله: لو احتاج الامر ان اذهب انا وجميع الاخوة الى سورية سنفعل. سورية لن تسقط سواء وقع العدوان ام لم يقع، ولكن ان وقع فإن للجحيم ابواب نحن فقط من يمتلك مفاتيحها.