kayhan.ir

رمز الخبر: 34326
تأريخ النشر : 2016February14 - 19:52

شباط من المليونية إلى الإخوانية

هتاف دهام

شكّل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري رافعة استخدمها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لإخراج القوات السورية من لبنان، والتي كانت عملياً وقوداً لتطبيق القرار الدولي 1559 بجزئه السوري، وشكل فريق 14 آذار الدعم الظاهري لها.

عجز هذا المخطط خلال السنوات العشر التي مرّت عن أن يكرّس مشروعاً سياسياً متكاملاً إلا ربطاً بأمرين: الأول هو دم الحريري والعداوة لسورية، والثاني وجود حركة 8 آذار التي ولدت قبل 14 آذار بستة أيام، ويبدو أنه لو لم تكن "14” ردّ فعل على "8” لما كانت وصلت إلى ما هي عليه الآن.

لم يبقَ من ذكرى 14 شباط بعد 11 عاماً على انطلاقتها وبعد مجموعة متلاحقة من الاختبارات الصعبة والقاسية إلا الاسم وبعض الغزل، فالساحات تقلّصت وصغرت لتشكل "بيال” الملاذ الأخير لها بـ3000 كرسي، بعد أن كان الإعلام يتسابق إلى تعداد الملايين. وبعد خروج رأس الحربة الأساسي والرئيسي من "ثورة الأرز” رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وغياب دم الرئيس رفيق الحريري الذي بالكاد يُذكر في الخطابات الاستعراضية، انكسر ما يُسمّى الجسر الأخير الذي حمل هذه الحركة وهو ثنائية معراب – بيت الوسط أو ما يُسمّى "الحلف السني – المسيحي”، ورئيس حزب القوات سمير جعجع كان يفتخر بأنه "جذب السنة من حضن العروبة والإسلام إلى حضن الكيانية ولبنان أولاً”.

يعيش تيار "السما الزرقا” الذي هو آخر البقية الباقية من هذا "المشروع الكبير”، في وضع لا يُحسَد عليه، تعصف الأزمات به عن يمينه وعن يساره داخلياً وخارجياً، يعيش في منفى اختياري فرضه على نفسه، أزمته المالية غير مسبوقة عن الأعوام العشرة الماضية أمام التصحّر المالي للسنة الأخيرة، عدوّه الأول الرئيس السوري بشار الأسد يخرج كطائر الفينيق مستعيداً كثيراً من ألقه، ومخيّباً أكثر آمال أعدائه وعلى رأسهم الحريري، وخصمه الأول حزب الله الذي لم تعُد تتسع له ولدوره مساحات الوطن الصغير، فأضحى رقماً صعباً في معادلات الإقليم، بينما لا يزال رئيس تيار المستقبل يبحث عن موقع مفقود لدى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي ولي العهد محمد بن سلمان لما يجده حتى الآن، فانتقلت عدوى صراع الأجنحة داخل المملكة إلى تياره بتفجير علاقته يوم أمس مع وزير العدل أشرف ريفي، رافضاً أن يزايد عليه أحد في دم اللواء وسام الحسن، ليجتاح التمزّق الداخلي حزبه أفقياً وعمودياً.

يسعى الحريري في واقع هذا الألم الذي يعاني منه إلى اجتراح المعجزة علّه يكسر وبضربة واحدة كلّ السلاسل التي تطبق عليه. عمد إلى تبنّي ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية في خطوة قيل عنها داخل تياره إنها ذكية إلى حدود "الشيطنة”، ونسبت كماركة مسجلة له، ومن المتوقع أن يؤكد عليها يوم الأحد، فأتته الصاعقة الكهربائية من الطرف التاريخي لجسر الثنائية قائد القوات الذي وجّه له صفعة قاتلة بدعم ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون المدعوم أصلاً من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

يبحث الحريري على أبواب مهرجانه السنوي الحادي عشر في 14 شباط في "بيال” عن صوت يُعيد إلى الزعامة حيويتها، متحدّياً سلفية وهابية تقزّم رصيده الشعبي كلّ يوم، إضافة إلى منافسة ميقاتية على الأقلّ على الساحة الأكبر في عاصمة الشمال طرابلس، و”مرادية بقاعية” بعد انفتاح المملكة العربية السعودية على القيادات السنية في لبنان وتخلّيها عن تكريس الأحادية ومسارعتها إلى استقبال رئيس حزب الاتحاد الوزير السابق عبد الرحيم مراد والترويج لمؤسساته عبر وسائلها الإعلامية، في رسائل ضمنية وجّهتها إلى الحريري الذي عجز ومَن معه عن إدارة المؤسسات التابعة لتياره في البقاع والشمال وصيدا وبيروت. كلّ ذلك وصل إلى حدّ تهديد الخطوط الحمراء.

عن أيّ ذكرى سيتحدّث الحريري، وأيّ بذلة سيرتدي، وأيّ "جاكيت” سيخلع أمام ميشال معوض وفارس سعيد وسمير فرنجية؟ وأيّ مستقبل سيرسم في كلمته التي سيلقيها عبر الشاشة من مكان إقامته في المملكة لمن تبقّى من المستقبليّين؟ والى مَن سيتوجه في خطابه بعدما أطاح، بحسب مصادر في تيار المستقبل لـ”البناء” بحليفه الدرزي، وحليفه المسيحي الأقوى حزب القوات، لكون من تبقّى من المسيحيين لا يعوّل عليهم، وحزب الكتائب ضائع لا يعلم على أيّ شاطئ سيرسو.

تبدّل مشهد تظاهرة المليون التي كانت تطغى عليها المشاركة المسيحية، وأصبحت بحسب المصادر لـ”البناء” "أشبه باحتفالية إخوانية وهابية، لم يعد داعماً فيها لنا إلا السعودية وتركيا، بينما حزب الله استقطب بسياسته الانفتاحية المسيحيين، بحيث انتقل من حالة تظاهرة الثامن من آذار التي كان يطغى عليها إلى حدّ ما اللون الأصفر في 2005، إلى احتضان غنيّ وشّحه تنوّع الألوان والاتجاهات والرؤى التي تخدم مشروعه”.