إنهار مشروع العدوان على محور المقاومة... فكيف سيتصرف المعتدون؟
امين محمد حطيط
وصلت المواجهة اليوم بين مشروع العدوان على المنطقة لاستعمارها واستتباعها، ومشروع المقاومة والممانعة رفضاً لأهداف المشروع الأول، الى مرحلة مفصلية تكاد تكون حاسمة، من حيث تحديد موازين القوى واحتمالات المستقبل بعد ان أخفق المشروع الهجومي في تحقيق أهدافه الاستراتيجية وتطويع المنطقة لقراره، بينما استمرّ المشروع الثاني واقفاً على قدميه، رغم حجم التدمير وحجم التضحيات التي قدّمها والخسائر التي تكبّدها حتى الآن، وانّ مشهد اليوم ينبئ بأنّ مشروع المقاومة ماضٍ قدماً في الدفاع ويحقق الانتصارات في مواجهة مشروع العدوان الذي تتفكّك مكوّناته وتترنّح في الميدان وتضطرب في السياسة والتفاوض .
ومع هذه الصورة التي بات عليها مشروع العدوان بمكوّناته يُطرح سؤال كبير عن الفرضيات المتصلة بسلوك القوى الرئيسة لمشروع العدوان، واحتمالات التصرّف في مواجهة الوضع الذي وصل اليه مشروعهم. وعندما نتحدّث عن قوى رئيسية في مشروع العدوان فإننا في الواقع نتحدّث عن اميركا ومعها «إسرائيل» وبعض أوروبا، ثم نلحق بها تركيا، أما السعودية وبقية دول الخليج، فإنها ورغم ما يبدو لها من دور وأهمية على المسرح، فإنها في الواقع لا تتعدّى في وظيفتها دور الأداة والتابع للقوى الرئيسية التي ذكرت، مع خصوصية وسقف مرتفع بعض الشيء للسعودية.
وبالتالي فإنّ طرح موضوع التصرّف المستقبلي لقوى العدوان، يعني ببساطة البحث عن السلوك المحتمل لكلّ من أميركا وتركيا و»إسرائيل» والسعودية بشكل أساسي، أما الآخرون فلا أعتقد أنّ لديهم ما يمكن أن يقوموا به ويتعدّى سقف او حدود ما ستقوم به هذه الجهة او تلك مما ذكرنا.
أما الفرضيات التي يمكن تداولها في هذا النطاق من سلوك هذه القوى، فإنها ومن أجل مواجهة الانهيار لا تتعدّى برأينا واحدة من ثلاث:
1 ـ أما التدخل العسكري المباشر في الميدان السوري لوقف انهيار الجماعات المسلحة التي وصلت الى مرحلة تكاد تقترب من توصيف الانهيار غير القابل للاحتواء.
2 ـ أو العمل السياسي الجدّي المترافق او المشروط بوقف العمليات العسكرية لإبقاء الوضع في الميدان الآن على حاله من التوزع بين القوى المتصارعة، ليتخذ ما في يد القوى الإرهابية والمسلحة أوراق ضغط تفاوضية تحقق لقوى العدوان الحجم الممكن من المكاسب على طاولة الحلّ السياسي.
3 ـ أو تتصرّف القوى كلّ بما يعنيها وبشكل يمنع ارتداد المفاعيل السلبية لإخفاق العدوان ارتداده على مصالحها وأوضاعها الذاتية بشكل عام.
نطلق هذه الفرضيات التي نراها منطقية وواقعية انطلاقاً مما يدور في الميدان والمسرح بشكل عام، وما يسجله المراقب من سلوكيات هذا الفريق او ذاك بشكل خاص.
فعلى الصعيد العسكري لا يمكن إلا أن نتوقف أو نسجل ما قامت به تركيا من قصف مدفعي على الأراضي السورية، بشكل علني ومن مدفعيتها الذاتية، كما وبدئها باستكمال نزع الألغام على الحدود مع سورية في منطقة جرابلس السورية، اما أميركا فإنها سرّبت أو تكاد تكون قد أعلنت صراحة بأنّ لها قوى عسكرية وحركة طيران تستعمل مطاراً في شمال شرق سورية مع قرار اتخذته بدعم القوات الكردية الى حدّ الاعتماد عليها براً في محاربة «داعش» على حدّ قولها، وقرّرت منع المسّ بسيطرتها على ما في يدها اليوم من أرض سورية، وتبقى «إسرائيل» التي تروّج وبشكل شبه يومي للخطر الذي يشكله امتلاك حزب الله لـ100 ألف صاروخ، كما امتلاكه للقدرات الهجومية التي راكمها نتيجة قتاله في سورية، اما السعودية التي ورغم عجزها العسكري الذي ثبت في الميدان بشكل مؤكد ما تفتأ تهدد بالحلّ العسكري في سورية.
الى هذه السلوكيات التي تقودنا الى التفكير بأنّ قوى العدوان قد تكون على شيء من التحضير لعمل عسكري يوقف الانهيار كما ذكرنا، فإننا نسجل صدور القرار 2254 الداعي إلى حلّ سلمي، وانطلاق المباحثات في جنيف على أساسه رغم التثاقل والتلكّؤ والمماطلة ومحاولات الابتزاز، كما نسجل إصراراً دولياً أميركياً روسياً معلناً عن دعم العملية السياسية مترافقة مع مطالب المعارضة التي تمثل جهات العدوان، مطالب ترجح الفرضية الثانية القائمة على القول بسعي المعتدي لوقف إطلاق نار على قياسه حتى يبتزّ في الحلّ السياسي.
وتبقى الجزئيات الميدانية والسلوكية التي تبرّر القول بالفرضية الثالثة، خاصة لجهة مجاهرة «إسرائيل» بنيّتها إقامة حزام أمني في الجولان مقابل القسم المحتلّ منه، أو التدابير التي بدأت تتخذها تركيا بحق السوريين لتقيّد الدخول إليها أو إقامتهم على أراضيها.
اذن لكلّ فرضية ما يبرّرها، فأيّ من الفرضيات ستكون محلاً للتطبيق وهل سنشهد حرباً لإنقاذ الجماعات الإرهابية بالقوة، ام نشهد وقف إطلاق نار مع الإرهاب الذي يستثمر العدوان فيه، وقف نار لإنقاذ الإرهابيين بالسياسة؟ أم أنّ العملية العسكرية الكبرى التي تقوم بها القوى السورية مع حلفائها في محور المقاومة وبدعم جوي روسي فعّال ومؤثر، انّ هذه العملية ستمضي قدماً ولن تواجه في الميدان من يوقفها ولن تتعرّض في السياسة لمن يوقف نارها، ما يفرض على الآخرين الانكفاء والبحث عما يحمي مصالحهم بشكل مستقلّ؟
في تحليل للواقع وظروفه، فإننا نستبعد لجوء قوى العدوان الرئيسية الى إقحام جيوشها في الميدان والعمل بالفرضية الأولى، فأميركا التي تعتمد المفهوم الاستراتيجي المعمول به الآن في الحلف الأطلسي ستستمرّ في إغلاق الجبهات المفتوحة ولن تفتح جبهة برية جديدة لجيوشها. ومَن يدقق في الزيادة التي أضافتها أميركا لموازنة الدفاع بحجم 3.7 مليارات وأعلنت عن اهدافها يعلم جيداً انّ أميركا ليست بصدد حرب في الشرق الأوسط.
أما تركيا فإنها تعلم جيداً انّ إدخال جيشها في المستنقع السوري لن يكون نزهة مأمونة العواقب في ظلّ الوجود الروسي والإيراني فيه، فضلاً عن تنامي مخاطر العامل الكردي وهي تستطيع ان تدخل لكنها لن تعرف متى وكيف تخرج من الميدان ولا تعرف انْ كانت ستبقى محتفظة بكلّ مساحتها الحالية، إنْ حصل الأمر.
اما «إسرائيل» التي كثيراً ما هدّدت وتوعّدت بحرب على إيران او حزب الله، ثم امتنعت عن التنفيذ، فإنها لا زالت حتى اليوم في حالة العجز عن القيام بحرب آمنة لها وتحقق منها ما تريد، وانّ من يدقق في السلوك «الإسرائيلي» عسكرياً وسياسياً يعرف انّ السياسة «الإسرائيلية» في هذا الصدد ترمي الى خلق الذرائع في وجه أصحاب الرؤوس الحامية التي تنادي بالحرب على حزب الله، كما أنها نوع من تحريض العالم على الحزب للتضييق عليه والتشدّد في حصاره. ولن أناقش العجز السعودي عن الحرب، فالأمر لا يستحق.
اذن تستبعد فرضية دخول جيوش مكوّنات العدوان الرئيسية في حرب لإنقاذ الإرهاب في سورية، فهل يكون الإنقاذ بوقف إطلاق النار؟
انني لا أهمل هذا الموضوع، خاصة أنّ هناك اشارة في القرار 2254 الى وقف إطلاق النار مع المجموعات غير الإرهابية، وإنّ هناك محاولات ومساعي من مكونات جبهة العدوان لحجب الصفة الإرهابية عن فصائل مسلحة معيّنة اشتهرت بالإرهاب. لذلك تكون هذه الفرضية محتملة الى حدّ ما، ولا يمكن أن تسقطها الا إرادة سورية بدعم من روسيا وإيران، إرادة برفض وقف إطلاق النار مع الإرهابيين والتأكيد على الصفة الإرهابية لكلّ من هو إرهابي في السلوك والممارسة، ثم متابعة العمليات العسكرية الرائعة والناجحة الحالية التي تسبّبت بهذا الانهيار للمعسكر المعتدي.
فإنْ تمّ ذلك فلا يبقى أمام المعتدي الا العمل بالفرضية الثالثة، أيّ السعي الى حفظ المصالح الذاتية بالمتوفر، وهذا ما بتنا نقرأه من سلوكيات خاصة ضدّ حزب الله الذي ترى فيه «إسرائيل» أنه عدوها الأساسي الذي أجبرها على تخصيص 80 من دخلها القومي للأغراض الدفاعية والأمنية، ومن أجل ذلك تتمّ عمليات ملاحقته وحصاره مالياً ولوجستياً وإعلامياً بالقرارات التي اتخذتها أميركا مؤخراً ضدّه، كما أننا ندرج وللأسف قبول فريق لبنان يعمل بأمرة السعودية، قبوله ببقاء عرسال محتلة من الإرهابيين ورفض تحريرها، لأنهم يريدون إشغال حزب الله بأيّ حجم من الجهد لإبعاده عن معاركه ضدّ الإرهاب في سورية او عن استعداداته لمواجهة «إسرائيل» من لبنان