kayhan.ir

رمز الخبر: 3382
تأريخ النشر : 2014July07 - 20:07

جلسة فكرية مع البغدادي

ناصر قنديل

في مجلس ضيّق ضمّ عدداً من أساتذة الجامعات الأوروبية الملتزمين دينياً، ومنهم حملة جنسيات أوروبية أصيلون في بلادهم، ينتمون إلى فكر القاعدة أو القريب منها، جلس "الخليفة أبو بكر البغدادي” يعرض الفهم الاستراتيجي لتنظيمه، منتقداً عنف تنظيم القاعدة نحو الغرب ورغبته في إقامة أفضل العلاقات مع حكامه على قاعدة الاحترام المتبادل، فيما اعتبره الحضور رسالة عليهم حملها إلى الصحافة والإعلام في بلادهم، خصوصاً أنّ البغدادي استطرد في التشبه بالرسول محمد صلي الله عليه واله ومراسلاته مع ملك الروم سعياً إلى التساكن والتعايش بين دولة الإسلام ودولة الروم التي كانت تعنى الحبشة، ويفسّر البغدادي خلافه مع القاعدة وعنها، أنه يهتمّ بشؤون دولة المسلمين وليس لتصفية حسابات مع الذين تناوبوا على حكمهم، فهو يقاتل الغرب إنْ تدخل لحماية الحكم في السعودية أو في العراق، ويقاتل روسيا وإيران لأنهما يساندان الحكم في سورية.

في سرد استراتيجيته التي نقلها عدد من الحضور إلى صالونات الإسلاميين المغاربة في فرنسا، يقول البغدادي إنّ علينا سلوك الخطط والتسلسل والمبادئ التي اعتمدها الرسول صلى الله عليه وسلم ، ففلسطين صارت دار عهدة وليست دار إسلام، نسبة إلى العهدة العمرية في القدس حول احترام الديانات لحقوق وشعائر بعضها، فإن قبل كبير الأحبار، والمقصود الفاتيكان، وكبير الحاخامات اليهود، التبادل في حرية العبادات يصير شأن الحكم تفصيلياً، المهمّ حق إقامة الصلاة في المسجد الأقصى، ولا مانع من دخول اليهود إليه، فبلاد فارس وبلاد الشام ومصر والمغرب ديار إسلام يجب استردادها للخلافة بقوة السلاح، وبعدها نخاطب كبير الأحبار وكبير الحاخامات حول العهدة في فلسطين.

في خطابه نحو الفلسطينيين، المسلمون منهم والمتدينون خصوصاً يقول البغدادي، على كلّ المسلمين وبصورة خاصة الذي يخضعون لحكم كافر أو غير إسلامي واجب شرعي بترك أماكن إقامتهم والالتحاق بدولة الخلافة، فالهجرة ليست مسألة ظرفية بل جزء من العقيدة، وحماية غير المهاجرين ليست من واجب دولة الخلافة، ومن لا يلتزم الهجرة لا تحمل الخلافة عبء دمه أو رزقه أو عرضه، أما حقوق الفلسطينيين الأفراد وأجدادهم فمسائل يحلها التفاوض على العهدة ومضمونها، بعد اكتمال دولة الخلافة بحدودها من المغرب إلى بلاد فارس، والدولة تحمل مسؤولية عن المهاجرين وأجدادهم فقط من الفلسطينيين لا عنهم كلهم.

في التوقف أمام كلام البغدادي نجد أنفسنا أمام نسخة من الصهيونية الإسلامية المبرمجة مثل الصهيونية المسيحية لتبرير التخلي عن فلسطين، بالحديث عن مسوّغ عقائدي ديني لعدم اعتبار "إسرائيل” عدواً، وعدم إدراج قتالها في قلب العقيدة لا من باب نصرة شعبها المظلوم المهجر من دياره، أو من باب استرداد المقدسات السليبة.

الصهيونية المسيحية تقول إنّ مملكة بني "إسرائيل” يجب أن تعود كما كانت ليتسنى الظهور الثاني للمسيح المخلص، ولذلك تعتبر الدفاع عن "إسرائيل” وحروبها طريقاً عقائدياً مسيحياً، والصهيونية الإسلامية تعتبر فلسطين دار عهدة والتفاوض طريقاً لتحصيل حق العبادة وحقوق الفلسطينيين المهاجرين إلى دولة الخلافة، وترتضي أن تحكم فلسطين من الاحتلال إذا توصلت معه في التفاوض إلى حلّ حرية العبادة والصلاة في المسجد الأقصى، وتسوية أملاك الفلسطينيين الأفراد الذين تلتزم بهم لأنهم التزموا بها فقط.

وضع فكر البغدادي في التداول غربياً يعني تهيئة الرأي العام الغربي لتسويق التعاون مع النسخة الجديدة المنقّحة من القاعدة، التي أنتجت لقتال سورية وإيران والمقاومة بمسمّى إعادة بناء دار الخلافة.

وضع داعش ومؤسسها أمام مرآة فلسطين يصبح فاضحاً في لحظة الاشتباك الراهنة، ولعلها فرصة لإسقاط شعوذته ونفاقه، وكشف المستور من عمالته ومرجعياته المعادية لخيارات العرب والإسلام والمسيحية.