سفراء غربيون: عينٌ على الاستقرار وعينٌ على إرهابيي دولهم
نقولا ناصيف
اقتضب مسؤولون بضعة معطيات تجمّعت لديهم من احاديث مع سفراء غربيين بارزين، تناولت تصاعد المخاوف الامنية من الاضطربات والهجمات الارهابية، واكتشاف بعض خلاياها التي ضربت لبنان في الاسابيع الثلاثة المنصرمة حتى الامس القريب، وأخطار الحربين السورية والعراقية على لبنان، وخلصوا الى ملاحظات منها:
1 ـــ ما يتطلبه الغرب من لبنان حيال ما يجري في سوريا ان يبقى "مستودع” النازحين السوريين الى اراضيه فحسب، وأن تتعاطى الحكومة اللبنانية معهم على انهم مشكلة انسانية اكثر منها ملفا سياسيا، وتاليا أن توفر الملاذ لهم.
لم يشأ السفراء اياهم تجاهل توجس المسؤولين اللبنانيين مما لا يتلمسه اولئك بسهولة، وهو تحوّل بعض تجمعات النازحين بؤرا امنية خطرة تمثل قاعدة انطلاق او تعاون مع خلايا ارهابية، او شبكات ارهابية ناشطة في مخيمات فلسطينية، لضرب الاستقرار الداخلي.
2 ـــ رفض الغرب ولا يزال الموافقة على جعل لبنان قاعدة عسكرية للمعارضة السورية المسلحة التي يعوّل عليها لتقويض نظام الرئيس بشار الاسد. لم يُظهر كذلك اي حماسة لتأييد تحرّكها من الاراضي اللبنانية على نحو منتظم، سواء بالضغط لمنحها قاعدة انطلاق او التسليم بامرار تسهيلات لوجستية اليها، اعتقادا من المجتمع الدولي بالحاجة الى ابقاء لبنان بعيداً من النار السورية، وتفادي عدوى انتقالها الى لبنان.
لم يحل ذلك بالتأكيد دون اضطلاع حزب الله وتيارات سلفية سنية بدور مؤازر لهذا الطرف او ذاك في الحرب السورية. يعترف السفراء الغربيون بما لم يسعهم الحؤول دونه، لكنهم قالوا انهم دانوه بلا توقف، وانكروا على اي طرف لبناني التدخل في تلك الحرب.
لبنان "مستودع” النازحين، لا ساحة تصفية حسابات إقليمية
3 ـــ من غير المسموح توفير ممر آمن للاموال السورية عبر لبنان، وتمكين نظام الاسد من اختراق برنامج عقوبات غربية يرمي الى استعجال انهياره واسقاطه برمته. يقول السفراء إن تحظيرا كهذا نجح الى حد بعيد، وإن تخلله اختراق محدود في السنوات الثلاث الاولى من الحرب السورية. وباستثناء ما اقدم عليه حزب الله بانخراطه في تلك الحرب، من الواضح ان نظام الاسد لا يتحرك من لبنان، ولا يسعه ممارسة اي دور مباشر فيه او منه. في احسن الاحوال عوّل على المستشفيات اللبنانية لطبابة رجالات النظام، او على المطار لتأمين سفرهم الى الخارج. كلتا الحالين خبرهما وزير الخارجية وليد المعلم في اوقات متفاوتة.
4 ـــ يتمسك الغرب وفق ما يفصح عنه السفراء بتجنيب لبنان ان يكون ساحة تصفية نزاعات اقليمية قاسية. وهو مغزى ما يعنونه بحرصهم على استقراره، ويرفعونه عنوانا وحيدا يمسي ما بعده تفصيلا ثانويا ما دام تحت سقف ثبات الامن.
لم يكن من السهولة بمكان توقع الحصول على موافقة الغرب على تقويض النظام الديموقراطي حينما آثر سفراؤه في بيروت الصمت عند تمديد ولاية مجلس النواب عام 2013. آثروه ايضا بحجة مماثلة هي حماية الاستقرار في ظل تعذر الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فقاد بعضهم مسعى ايجابيا لتمديد ولاية الرئيس ميشال سليمان قبل مغادرته الحكم، وكان الغرب قد اعتاد رفض اجراء كهذا وقاومه في ما مضى مع الرئيسين الياس هراوي واميل لحود. لم يتردد في بذل جهود متلاحقة من اجل تسهيل ولادة حكومة الرئيس تمام سلام، ومن ثم اصدارها البيان الوزاري، قبل ان يدهم الفراغ الرئاسي البلاد ويدفع بها الى المجهول.
لن يتردد الغرب في السكوت على مضض عن تمديد ثان محتمل لمجلس النواب ما دامت خيارات استثنائية كهذه ـــ يصفها كذلك السفراء ـــ في توقيت استثنائي تحافظ على الاستقرار الداخلي وتحول دون انزلاق لبنان الى نزاعات داخلية، في حمأة حروب اقليمية.
لعلّ المفارقة هنا ان سفراء غربيين يبدون ارتياحهم للآلية التي اقرّها افرقاء حكومة سلام لتسيير صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتقالها الى مجلس الوزراء، من غير ان يقترن اهتمامهم بخطة تقود الى انتخاب رئيس جديد. كأن حكومة سلام باقية الى أمد غير قريب.
5 ـــ يسجّل السفراء الغربيون ملاحظة اضافية، هي ان ترحيبهم بجهود حكومة سلام في المحافظة على الاستقرار بدءا بتماسك افرقائها، يجعلهم اكثر اقتناعا بمدّها بالمزيد من الدعم من اجل ان يبقى لبنان، في آن واحد، داخل التسوية المؤجلة وخارج الصراعات الاقليمية والدولية الحالية، من غير ان يستبعدوا تأثره ببعض شظايا هذا الصراع. لا يريدون هذا البلد على صورة ما يجري في سوريا والعراق، ولا يريدونه كذلك في قلب صراعاتهما. يحصرون اولوية المحادثات وتبادل الاراء بملف النازحين، وتأكيد الاستعداد لمساعدة الحكومة اللبنانية وحضها على بذل الكثير من الصبر والجلد على تحمّل اوزاره. يكاد يكون وحده ما يعني لبنان، بالنسبة اليهم، بازاء ما يدور في سوريا.
6 ـــ في الايام الاخيرة انكبت سفارات غربية مهمة، من خلال مسؤوليها الامنيين خصوصا، على طرح كمّ وافر من الاسئلة المرتبطة بتقييم تطورات المنطقة ومآل الحرب السورية، واخيرا الحرب العراقية، ومقاربة الاجهزة اللبنانية لها. سألت ايضا بكثير من الاهتمام والتركيز عن معلومات متوافرة لديها عن ارهابيين يحملون جنسيات دول السفارات تلك، ترجح هذه ان يكونوا قد انتقلوا الى سوريا للقتال فيها عبر تركيا او لبنان، ويخشى المسؤولون الامنيون الغربيون من عودة هؤلاء الى بلادهم بخبرات وتدريب ارهابيين عاليين، مختبئين وراء جنسياتهم كي يتحولوا مصدر اقلاق الحكومات الغربية وتهديدا مباشرا لها.
يلتقي السفراء والمسؤولون الامنيون على وجهة نظر مشتركة مزدوجة، تبرز حرصهم على اللقاء الدوري بقادة الاجهزة الامنية اللبنانية والتحدث معهم باسهاب واهتمام، وتدوين الملاحظات:
اولى، انهم يعدّون لبنان نقطة جذب الافرقاء المتناحرين في الصراعات الاقليمية، تبعا لامتدادات مزمنة لهم داخل هذا البلد، ما يتيح الحصول على معلومات اساسية.
ثانية، ان لا آلية ناجعة ومجدية لضبط الاستقرار في الداخل اللبناني سوى بتعاون ضروري بين الاجهزة اللبنانية ونظيرتها الغربية، وتبادل دائم للمعلومات والمراقبة والتعقب، بغية السيطرة على النشاط الارهابي المتحرك في دول الجوار.