kayhan.ir

رمز الخبر: 33624
تأريخ النشر : 2016February01 - 20:33

بعد رفع العقوبات على إيران..مواجهات جديدة في الأفق

عقيل الشيخ حسين

ليس الاتفاق حول النووي الإيراني مؤشراً على قيام علاقات طبيعية بين طهران وواشنطن. محاولات جديدة للضغط على إيران بدأت حتى في لحظة الإعلان عن البدء برفع العقوبات.

لماذا كل هذا العناء الذي تطلبه الوصول إلى الاتفاق حول الملف النووي الإيراني وبعده على اتخاذ قرار البدء برفع العقوبات على إيران، وكل ما يعنيه ذلك من انفراج في العلاقات وتقارب تعلق عليه الآمال بتعايش سلمي يخدم مصالح جميع الأطراف المعنية بالموضوع... طالما أن واشنطن قد فتحت ملف عقوبات جديدة ضد إيران بعد ساعات قليلة على الإعلان عن البدء برفع العقوبات؟

العقوبات الجديدة طالبت بفرضها هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية سابقا، والمرشحة سابقاً ولاحقاً لتولي منصب رئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة. ما يعني، فيما لو لم تستجب الإدارة الأميركية الحالية لمطلبها في فرض عقوبات جديدة، من الممكن أن تفرضها بنفسها، بعد عام من الزمن، فيما لو تمكنت -وهذا غير مستبعد- من الفوز في الرئاسيات المقبلة.

وقد لا يطول الانتظار لعام كامل لأن العهد الحالي نفسه يبدو متحمساً بدوره لفكرة فرض عقوبات لا على النووي الإيراني السلمي، بل على الصواريخ البالستية التي تقوم إيران بتصنيعها والتي تشكل، بنظر الأميركيين وحلفائهم، وفي طليعتهم الكيانان الصهيوني والسعودي، خطراً على الأمن والسلام في المنطقة والعالم.

إنه الافتراء نفسه الذي شهدناه في استكثار برنامج نووي سلمي على إيران تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما العالم، ومنه بلدان مجاورة لإيران، كالهند وباكستان والكيان الصهيوني ترعى برامج نووية غير سلمية وتمتلك مئات الرؤوس النووية، وكل ذلك خارج إطار الشرعية الدولية.

وفي استكثار قيام إيران بتصنيع صواريخ بالستية بحجة أن بعضها يستطيع حمل رؤوس نووية، في حين أن البلدان المذكورة أعلاه، إضافة إلى بلدان أخرى كالسعودية، وإلى أشكال التواجد العسكري للناتو في المنطقة، تمتلك صواريخ منها ما هو أشد خطورة على الأمن والسلام من الصواريخ الإيرانية.

هناك إذن، وبعيداً عن الشائعات التي تتحدث عن شراكة إيرانية-أميركية في تقاسم المنطقة، نوع من العودة إلى المربع الأول على مستوى التوتر القائم منذ أربعين عاماً بين إيران والولايات المتحدة، أو على الأصح، استمرار للصراع بأشكل أخرى أو حتى بالأشكال ذاتها.

فلا جديد في القول بأن المشكلة القائمة بين إيران ومعسكر الهيمنة الذي تقوده واشنطن ليست مشكلة برنامج نووي، ولا حتى مشكلة سلاح نووي يتهمون إيران بالسعي إلى إنتاجه. ولكن هناك الآن مشكلة صواريخ يمكنها أن تجعل من التوترات اللاحقة أشد زخماً وخطورة من التوترات السابقة.

إذ، قبل أن يكون هناك برنامج نووي إيراني، وقبل أن تفرض عقوبات على إيران بسبب هذا البرنامج منذ ثلاثة عشر عاماً، كان ضرب إيران والقضاء على ثورتها الإسلامية والعودة بها إلى وضع التبعية الذي سائداً في أيام الشاه، هو في طليعة اهتمامات معسكر الهيمنة بجميع تلويناته.

فالمشكلة هي أولاً وأخيراً في موقف واشنطن وحلفائها الرافض لوجود أي نظام في العالم يعمل من أجل الاستقلال الحقيقي والتمرد على النظام الإمبراطوري الأميركي.

وإذا كان قد تم التوصل إلى اتفاق حول النووي الإيراني، فإن ذلك لا يعود إلى جنوح أميركي جدي إلى السلم بقدر ما هو إجراء اضطراري تم اعتماده لسببين:

الأول هو عجز معسكر الهيمنة عن ضرب إيران عسكرياً أو دفعها، بطريقة أو بأخرى، إلى التخلي عن سياستها التحررية الداخلية وعن دعمها لحركات المقاومة والتحرر في المنطقة.

الثاني هو استمرار للأول ولكن مع تغييب ظرفي للحل العسكري مع إمكانية العودة السريعة إليه ما إن تسمح الظروف بذلك.

من هذا المنظور، لا يمكن لموافقة واشنطن وحلفائها الغربيين على الاتفاق حول النووي وما تبعه من البدء برفع تدريجي للعقوبات على إيران، غير فاتحة لنهج جديد في العمل من أجل إسقاط الجمهورية الإسلامية كممر إجباري نحو إسقاط الأطراف الأخرى في معسكر المقاومة والتحرر في المنطقة والعالم.

سياسات انتحارية

ولكن، كيف ينسجم ذلك مع المكاسب المالية والسياسية الهامة التي حققتها وستحققها إيران بفضل رفع العقوبات عن الصادرات والواردات الإيرانية وهروع مئات الشركات الغربية نحو الاستثمار في إيران.

لمعرفة الإجابة، ينبغي الرجوع إلى آراء ظهرت في العديد من مراكز الأبحاث الأميركية مفادها، بعد فشل الحرب المدعومة عالمياً والتي شنها صدام حسين على إيران، وبعد عجز واشنطن وتل أبيب وغيرهما عن تنفيذ تهديداتهم بضرب إيران عسكرياً، أن تحقيق الهدف بإسقاط الجمهورية الإسلامية ممكن عن طريق تنامي النزعات السياسية الليبرالية من خلال اعتماد أنماط نمو اقتصادي ليبرالية. وهذه الأنماط يمكن أن تعزز وجودها من خلال إفساح المجال أمام إيران، خصوصاً في ظل حكم الإصلاحيين، لتطبيع علاقاتها التجارية مع الغرب.

والحقيقة أن ذلك كان ممكنا قبل ثلاثة عشر عاماً، تاريخ بدء الضغوط على إيران بسبب برنامجها النووي السلمي. لكن العالم تغير كثيراً منذ ذلك التاريخ: رغم سياسة الانتحار التي تمارسها السعودية انطلاقاً من مبدأ "عليَّ وعلى أعدائي يا رب” على مستوى كسر أسعار النفط لإلحاق الضرر بإيران وروسيا، وهي السياسة التي أنعشت الاقتصاد الغربي إلى حدٍّ بعيد، فإن هذا الاقتصاد لم يعد قادراً على التحكم بالعالم بعدما بدأت بلدان البريكس التي تسيطر على ما يقرب من 40 بالمئة من الاقتصاد العالمي بفك الارتباط، إضافة إلى إجراءات ثورية أخرى، مع الدولار. وبالتالي، فإن القيمة الزائدة التي ستضاف إلى الاقتصاد الإيراني الذي صمد لعشرات السنين رغم الصعوبات والحصار هو اليوم في وضع يجعل من رهانات مراكز الأبحاث الأميركية مادة دسمة للتهكم والسخرية.