kayhan.ir

رمز الخبر: 3305
تأريخ النشر : 2014July06 - 19:33

الشهيــد الحــي.. رجــل بحجــم أمـــة

أحمد الشرقاوي

العراق لعبة الأمن والسياسة

لا أرغب في الحديث عن العملية السياسية في العراق وفشل البرلمان في انتخاب الرؤساء الثلاث الثلاثاء الماضي، وتعليق الجلسة إلى الأسبوع المقبل في خرق سافر لمقتضيات الدستور.. لكن ما يمكن قوله في هذا الشأن، هو أن العراق لحق بلبنان وشرعت الأبواب على "الشغور” و "تصريف الأعمال”.

الهدف الظاهر، هو إعاقة أي محاولة تهدف إلى تقوية الموقف السياسي الداخلي لدعم العمليات الأمنية والعسكرية التي تقوم بها الدولة العراقية ضد هذا الخطر الداهم المسمى "داعش”، والذي يهدد العراق وسورية ولبنان بالتقسيم كما لم يعد سرا اليوم.

أما الهدف الباطن، فهو الإستحواذ على الإرادة السياسية لبعض الأطراف الفاعلة من بين "الأكراد” و "السنة” لرهن القرار السيادي الوطني للخارج، كما هو الحال مع لبنان الذي ينتظر تسوية إقليمية تبدو مستحيلة قبل نهاية الزلزال الكبير الذي يضرب المنطقة برمتها اليوم. وبذلك نكون أما ثلاث ملفات وضعتهم الإدارة الأمريكية بدرج مكتب رئيسها: الملف اللبناني والسوري والعراقي، في إنتظار أن تنضج الطبخة على نار الفتن والدم والخراب، لتقبل الأطراف بالشروط الأمريكية، ما لم تتغير أوراق اللعبة وتقلب المعادلات على الأرض.

أمريكا.. من السياسة الناعمة إلى منطق القوة

المعلومات المسربة للصحافة الأمريكية تتحدث عن حرب ضروس تدور منذ مدة في البيت الأبيض بين سياستين وتوجهين، سياسة ‘كيري’ الناعمة، وسياسة ‘سوزان رايس’ العدوانية.

ومع تصاعد حدة الخلافات بسبب الفشل في سورية ولبنان وصعوبة ربح معركة التقسيم في العراق بعد دخول إيران وروسيا على خط الأزمة، وتعهد بوتين بحماية سورية الحليف الإستراتيجي حتى لو أدى الأمر إلى حرب عالمية ثالثة، هذا بالإضافة لما أصبح يتعرض له الرئيس ‘أوباما’ من إنتقادات لاذعة وصلت حد إتهامه بأنه أسوأ رئيس عرفه التاريخ الأمريكي بسبب ضعفه الذي أدى إلى فقدان الولايات المتحدة الأمريكية هيبتها ومكانتها في العالم، وإنتقاد إسرائيل والسعودية علنا لسياساته الضعيفة.. طالب ‘أوباما’ بعقد ما أسماه بـ”خلوة دبلوماسية”، للتباحث بشأن السياسة التي يجب إنتهاجها في الشرق الأوسط مع تصاعد المخاطر وإحتمال إنفجار الأوضاع بالمنطقة، ما سيعرض أمن إسرائيل للخطر.

"الخلوة الدبلوماسية”، وفق ما نشرته شبكة ‘إرم’ الإخبارية الأمريكية وتناقلته وسائل إعلام غربية وعربية، شارك فيها وزراء خارجية سابقون ودبلوماسيون على علاقة مباشرة بالشرق الأوسط. مثل جيمس بيكر، ومادلين أولبرت، وكونداليزا رايس، وهيلاري كلينتون، وجون كيري، وكولن باول، بالإضافة إلى عدد من مستشاري الأمن القومي السابقين، وعدد من مسؤولي الإستخبارات السابقين.

وتناولت "الخلوة” بالإضافة إلى قضايا سورية والعراق وإيران النووية، سياسة كيري "الناعمة” التي تعرضت لإنتقاذات شديدة، وتواجه معارضة متزايدة من قطاعات واسعة بالكونجرس والجيش ومحتمع الإستخبارات واللوبيات الصهيونية اليهودية والعربية. وتقود هذه الحرب ‘سوزان رايس’ التي تقول أن سياسة ‘كيري’ عرضت المصالح الأمريكية في العالم إلى الخطر.

و وفق ما سرب من معلومات شحيحة، فإن المجتمعين اعتبروا أن سياسة ‘كيري’ الناعمة وجولاته المكوكية في المنطقة كانت بلا نتائج، ما أفقد أمريكا سمعتها وهز مصداقيتها في العالم. ومرد ذلك، أن فقدان الهيبة والنفوذ جاء بسبب انتهاج سياسات غير مقرونة بـ”القــوة”. فتصاعدت المطالب بإقالة ‘كيري’ وتعيين ‘سوزان رايس’ مكانه، وتغيير سياسة أمريكا باتجاه إعتماد "منطق القوة” لفرض هيبتها ونفوذها، خصوصا في الشرق الأوسط حيث تبدو الصورة ضبابية، ولا يعرف أحد حجم الخراب الذي سيطال مصالح الولايات المتحدة في المدى المنظور بسب هذا الوحش الذي خلقته ودربته وسلحته وأطلقته أمريكا والسعودية وإسرائيل، ليعتو فسادا وخرابا في دول محور الممانعة والمقاومة، إنتهاءا بإعلان الجهاد المقدس ضد "الشيعة الكفار”، لأن الهدف بالنهاية هي إيران، وهذه الدولة لا يمكن مواجهتها عسكريا، بل فقط من خلال إشعال فتنة مذهبية وطائفية وحروب أهلية ومعارضات وهمية.. وهي الإستراتيجية التي أطلقت عليها المخابرات الإمريكية "إدارة التوحش” من خلال قفازات ناعمة.

في مواجهـة أقـوى مسـؤول أمنـي في المنطقـة

لكن ما لم يسرب عن الإجتماع وأشار له أحد المراقبين الأوروبيين، هو أن ما يقلق الإدارة الأمريكية ويخيف إسرائيل ويرعب حكام الزيت في الخليج الفارسي، هو رجل بحجم أمة قال عنه الإمام ‘خامنئي’ إنه "شهيد حي”.

هذا الرجل الظاهرة الذي تحول إلى مادة إعلامية دسمة في الغرب والسعودية، هو الجنرال ‘قاسم سليماني’ الذي كتبت عنه وكالة الأنباء الفرنسية تقريرا مقتضبا الأربعاء يعرف بتاريخه منذ أن انخرط في الجيش الإيراني سنة 1980 إبان حرب صدام وعربان الزيت على الثورة الإيرانية، ثم شق طريقه في صمت، بعيدا عن الإعلام، فأسس "فيلق القدس” الذي يساعد القوات العراقية في مواجهة زحف "داعش” وأخواتها اليوم، وفق الوكالة الفرنسية.

أمريكا تعرف ‘سليماني’ وخبرت ذكائه وخاضت مع رجاله حروبا في العراق إبان الإحتلال وفي النزاع السوري أيضا، حيث تبين أن سبب الفشل في سورية يعود لعقل هذا الرجل الإستراتيجي الخطير، والذي أصبح يوصف من قبل أمريكا والأطلسي بـ”أقوى مسؤول أمني في الشرق الأوسط”.

ولعل ما يكشف وزن وقوة ومدى نفوذ هذا الرجل الذي يحارب إسرائيل وأمريكا وأدواتها على امتداد جغرافية محور المقاومة في المنطقة، بل وفي أفغانستان أيضا، أن صحيفة "نيويوركر” الأمريكية نقلت عن مسؤول عراقي العام الماضي قوله، ‘سليماني’ وجه رسالة الى القياديين الأميركيين في العراق بعد انتهاء حرب 2006 في لبنان مع اسرائيل وفي فترة تراجعت فيها أعمال العنف في بغداد، قال فيها "أتمنى أن تكونوا قد نعمتم بالسلام والهدوء في بغداد. لقد كنت مشغولا في بيروت”.

وهناك من يقول أن سر الرجل يكمن في أنه لا يتعامل مع أعدائه بردات الفعل، بل يستوعب الصدمة الأولى ويدرس نقط قوة ونقط ضعف العدو، يقاوم لوقف التمدد، يحضر الخطط فيهاجم، يركز على قطع خطوط الإمداد ويحاصر، يفاوض وفق معادلة "إستسلام وخروج آمن أو الإلتحاق بكلاب الجحيم”.. وقد نجحت خطته في سورية ولا تزال مجموعات تسلم نفسها للسلطة، وأخرى تبايع "داعش” وأخرى تقاتل طواحين الهواء..

لهذا السبب فجروا العراق، وبمجرد أن سقطت الموصل، ووصول الرجل على وجه السرعة لبغداد، قطع عاهل مملكة الزيت عطلته في المغرب وعاد على وجه السرعة للرياض بعد وقفة في القاهرة أعطى خلالها للعميل ‘السيسي’ التعليمات بشأن المرحلة المقبلة وما تمثله من خطورة وسبل مواجهة تداعيات الزلزال الذي يضرب المنطقة.

لكن المثير للإنتباه، هو عودة أمير الظلام ‘بندر بن سلطان’ مع الملك وتعينه مستشارا في شؤون الإرهاب. وهو ما يؤشر لمرحة من المواجهات الساخنة على إكتداد المحور من لبنان إلى طهران.. وبهذا، تحاول السعودية أن تثبت لأمريكا وإسرائيل، أن رجلها بندر هو الأشطر والأنسب لخوض الحرب مع الجنرال ‘قاسم سليماني’ لتحطيم أسطورة "الشهيد الحي” الذي أصبحت إنتصاراته تقلق أمريكا وتثير جنون إسرائيل وتزيد من حنق وعناد أمراء الإجرام في مملكة الزيت.

الجنرال ‘سليماني’ وبمجرد وصوله إلى بغداد في الساعات الأولى لسقوط الموصل، بدأ العمل على إفشال المؤامرة وفق خطط لا يعلمها إلا الله، وستظهر نتائجها في الميدان تباعا.

ولعل أولى النتائج الملموسة والسريعة لعمل هذا الرجل "الشبح”، هو التقرير الذي قدمه الجنرال ‘ديمبسي’ لإدارته، حيث جاء فيه، أن القوات العراقية استطاعت إستيعاب الصدمة وحصنت بسرعة المدن والمناطق التي لا زالت تحت سيطرتها، وأوقفت زحف "داعش” نحو قضم مزيد من المواقع. لكن لا يبدو أن هذه القوات ستكون قادرة على تحرير الأراضي التي استولت عليها "داعش”. ويوصي التقرير بضرورة أن تستعد أمريكا لمواجهة التطورات التي قد تحدث سريعا في الميدان قبل إستفحال الوضع أكثر ليعم بقية دول المنطقة بمن فيها "إسرائيل”.

هذا يؤكد أن المرحلة الأولى المتمثلة في إمتصاص الصدمة، وحصر الأضرار، وإعادة تنظيم القيادات، وإنتشار القوات، وتحصين المكتسبات، والدفاع المستميت عنها قد أنجزت، وستليها قريبا مرحلة الهجوم، التي لا يعلم الامريكي كيف ستكون ولا أين ستنتهي، وقد سبق أن حذر ‘أوباما’ من أن تدخل إيران في العراق سيستدعي تدخل أمريكا، لأنها لن تسمح به، وهو ما دفع بإيران للتحالف مع روسيا وإعلان السيد ‘أمير عبد اللهيان’ من موسكو أن البلدان سيعملان معا لضرب الإرهاب في العراق، لأن من يرفض محاربة الإرهاب يدعم بشكل من الأشكال الإرهاب لأنه يستعمله لخدمة أهدافه.

لكن هناك جانب مهم يتم تجاوزه عند الحديث عن العراق، وقد مر مرور الكرام في تصريح الرئيس ‘أوباما’ قبل أحداث الموصل، حيث قال، أن أمريكا ستمنع إيران من خلق نسخ طبق الأصل لحزب الله اللبناني في دول المنطقة.

وفي إعتقادي، هذا هو المحرك الأساس لتفجير المنطقة، درءا لهذا الخطر الذي يهدد إسرائيل والسعودية ومشيخات الخليج الفارسي، وفق ما تروج له إسرائيل، ويبدو القلق الذي لامس حد الجنون في تصريحات وتصرفات الكيان الصهيوني الذي صب جام غضبه على الشعب الفلسطيني الأعزل.. خصوصا وأن حزب الله في الجولان أصبح جاهزا وينتظر ساعة الصفر، كما وأن حزب الله اللبناني، يشعر بارتياح أكبر بعد تحرير الحدود اللبنانية السورية من الإرهابيين.

ومخافة أن يتفرغ لإسرائيل عبر الجولان كما تتخوف ‘تل أبيب’، فقد كان لزاما إشغال الحزب بأمنه الداخلي وبعث "داعش” لتفتح موجة جديدة من التفجيرات ضده، وضد الجيش وقوات الأمن، بل وضد المسيحيين أيضا بتفجير كنائسهم لتهجيرهم من "الدولة الإسلامية الداعشية” القادمة في لبنان، كما هدد أحد تلامذة الزرقاوي في بيان نقلته وسائل الإعلام اللبنانية.

هذا يعني أن قرار الحرب اليوم لن يشمل العراق فحسب، بل لبنان وسورية أيضا، بعد أن طلب الرئيس ‘أوباما’ من الكونجرس تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لدعم "داعش” في سورية، ما دام كل من تسميهم أمريكا بالمعارضة "المعتدلة” من "جيش حر” و "جبهة النصرة” وبقية الفصائل باستثناء "الجبهة الإسلامية” قد بايعوا اليوم ‘أبو بكر البغدادي’ خليفة لهم، وهناك أنباء عن حملة تجنيد واسعة تمولها السعودية ويقوم بها أزلامها وأذنابها من المخابرات وتجار الدين وشيوخ الضلال في عديد الدول العربية والأوروبية، تشجع الشباب المضلل على الهجرة إلى دولة "المسلمين”.

المنطقة مفتوحة على المجهول، وقد استشعرت روسيا إحتمال عودة الأمريكي إلى المنطقة بالقوة العسكرية هذه المرة تحت ذريعة محاربة الإرهاب لرسم خرائط جديدة لدولها، لذلك سارعت روسيا للإعلان عن تدخلها بمعية إيران لمحاربة الإرهاب في العراق، وحماية سورية حتى لو أدى الأمر لحرب عالمية، كما سبقت الإشارة.

مجلس الدوما الروسي أعلن أن نظام القطبية الواحدة قد إنتهى، وأن الوقت قد حان لتقويم نتائج الحرب العالمية الثانية.. هذا يئشر إلى أن المواجهة أصبحت دولية وإقليمية ومحلية، وأن هناك تنسيق وتعاون بين روسيا وإيران من جهة، وإيران ودول المحور من جهة ثانية، باستثناء سورية التي لها علاقة إستراتيجية خاصة مع روسيا ويتم التعامل المباشر مع دمشق.

كل المؤشرات تقول، أن الجنرال ‘سليماني’ مدعو للإشتغال على أكثر من ساحة في المنطقة وليس العراق فحسب، لأن المؤامرة كبيرة وخطيرة تستهدف الأمة. ولعل عودة الإعلام لتسليط الضوء على هذا الرجل الأسطورة، هو لمعرفة ما يفكر فيه ويخطط له في المنطقة من خلال متابعة منجزاته في الميادين.