بلطجيّة الولايات المتّحدة الأميركيّة في سوريا !
ثريا عاصي
لا غلوّ في القول إنّ القضية السورية صارت قضيتنا جميعاً. لقد ظهر بوضوح أنّ سوريا هي نقطة الارتكاز الجغرافي والسكاني في بقعة تمتد من رمال صحراء سيناء إلى رمال الخليج إلى القوقاز إلى اسطنبول، بل إلى أبعد من ذلك إلى ألمانيا وفرنسا!
أعتقد أنّ الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية لم تتخلّ عن مشروعها الأساس، «النظام العالمي الجديد». ومن المرجّح أنّ التقدّم في سيرورة إنجازه يمرّ عبر سوريا. هذا ما يفسّر الحرب على سوريا تمهيداً لأن توضع فيها ركائز دعائم هذا النظام الجديد المعروف أيضاً بنظام العولمة الأميركية ـ الأوروبية.
ولكنّنا نرى من خلال نظرة عملية ملموسة في ما يجري في بلادنا، أنّ دولتين من دول الجوار يمكننا أن ننعتهما بـ «البلطجة»، هما اللتان توكّلتا بشنّ هذه الحرب على سوريا. أقصد دولة آل سعود في نجد والحجاز بالإضافة إلى دولة حزب السيد رجب طيب أردوغان في تركيا . كل منهما تريد في أدنى الحدود دولة تابعة لها في سوريا، وترغب في أقصاها، دولة سورية تركية، إلى جانب دولة سورية سعودية .
من البديهي أنّه توجد في الجانب المقابل دولتان على الأقل، هما روسيا وإيران، تدعيان بأحقية المشاركة في المتغيّرات والمتبدلات التي قد تولد بعد المخاض الحالي في سوريا. كون هذه الأخيرة تمثّل خط الدفاع عن وجودهما وعن قبولهما واندماجهما في المجتمع الدولي «الجديد»، قيد التكوين . هذا إذا كتب لصيرورة التكوين أن تبلغ نهايتها، وإذا كان المولود سليماً معافى من التشوّه الخـَلقي.
ما أودّ قوله هنا هو إنّ طبيعة الحرب الدائرة في سوريا ليست في الواقع، عقائدية، بين نظامين عالميين، كمثل الحرب الباردة، وإنّما هي حرب يتواجه فيها معتدون متوحشون من جهة وأطراف تدافع عن نفسها، عن بقائها من جهة ثانية. أمّا الدليل على توحّش المعتدين فإنّنا نلحظه في الأدوات المستخدمة . بمعنى آخر، دعنا من كلام حكام الغرب عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وعن الإغاثة، فإنّ صورتهم في المرآة السورية هي وجه آل سعود، ووجه السيد أردوغان الذي من المحتمل أن يكون مقتنعاً أحياناً، أنّه وريث عرش السلطان العثماني سليم الأول . أمّا عن التديّن والإيمان في مفهومية الأعراب فحدّث… ألا ترون معي أنّ انقيادهم، الجهلة منهم والمتعلمون، اليساريون والناصريون والبعثيون والقوميون القدامى، خلف الوهابية وآل سعود هو دلالة على أنّهم ما يزالون يصنعون آلهتهم من تمر، يعبدونها ويأكلونها!
مجمل القول، إنّ الحرب على سوريا هي حرب إجرامية، قذرة، بما هي حرب تصفية الآخر، بذبحه وافتراسه أو بإجباره على الهرب والنزوح، فهي من نفس طبيعة الحرب التي تعرض لها العراقيون، والتي كشف عن حقيقتها الوزير الأميركي جيمس بيكر كما أذكر، عندما قال: إنّ القصد منها هو «إعادة العراقيين إلى عصر الحجر». يروى أنّ النبي العربي أوصى بأن «لا تمشوا القهقرى». ولكن شعار هذا الزمان النفطي إلى الوراء در وسـِرْ.
مهما يكن لا يجب في هذا السياق أن نتوقّف طويلاً أمام الأدوار التي لعبها هذا الفريق أو ذاك، إلى جانب الحاكم الأميركي بريمر في العراق أو في سوريا، إلى جانب سفيري أميركا وفرنسا حيناً، والسناتور الأميركي جون ماكين حيناً آخر. فما يهمّ هو أنّ المسرحية ـ الفاجعة وُضعت في دوائر الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية، وأنّ الممثّلين هم من السكان الأصليين، ومن الحكام في الدول المجاورة، والإقليمية . أنا على يقين من أنّ المخرجين وجدوا وفرة من الممثّلين، فبعض الذين لعبوا أدواراً رئيسية في هذه الفاجعة، كانوا في أغلب الظن، على استعداد لقبول لعب أدوار متناقضة معها. لا تهمّ طبيعة الدور، ولكن ما يهمّ هو الفوز بالدور في المسرحيةـ الفاجعة الأميركية!
روسيا وإيران تساعداننا لأنّ أمنهما من أمننا، ولأنّ مصالحهما توافق مصالحنا، بأن تبقى سوريا قوية، مقتدرة على الذود عن حياض الوطن السوري وعلى ابتكار سياسات تفتح أمام السوريين سُبُل التقدّم والرقي . طبيعي أنّنا مع إيران ضدّ آل سعود وتركيا، طبيعي أنّنا مع روسيا ضدّ الولايات المتحدة الأميركية، طبيعي أنّنا مع الحوار الوطني ضدّ داعش والقاعدة.