الدولة الداعشيّة … الدولة الوهابيّة!
ثريا عاصي
يُخيّل للمراقب أنّ الحرب التي تدور رحاها في بلاد عربية، باستثناء أخرى، تشبه إلى حدٍّ كبير حرب الردّة التي اندلعت غداة وفاة النبي العربي. على الأصح وفي ظاهر الأمر، توجد على الأقل، حربا ردّة. إذ على المسلم في البلاد المُشار إليها أن يعطي البيعة إمّا لآل سعود وإمّا لـ”داعش”. من يتخلّف عن البيعة يكون كمثل من يخرج على أمة الإسلام مرتدّاً.
كيف نفسّر استحضار الدولة الإسلامية في هذا الزمان بكل قوتها وعنفها؟ ما هي مبرّرات التشدّد في الإصرار على أنّ هذه الدولة تكون سنيّة وهابية أو لا تكون؟ أو بتعبير آخر، لماذا كان بالأمس المسلمون الشيعة مسلمين شيعة، فصاروا اليوم في نظر البعض شيعة ولكن ليسوا مسلمين؟
لا يصدّق عاقل أن يكون مَرَدّ الحروب الحالية في سوريا والعراق ولبنان واليمن إلى منازعة قديمة بين أهل مكة، سابقة على ظهور الدعوة المحمدية، بين فرعين من فروع قريش. فرع بني هاشم من جهة، وفرع بني أمية من جهة ثانية. منازعة على السلطة بين أتباع العقيدة وبين أصحاب التجارة. عندما كان أصحاب العقيدة يستكينون ويسلّمون أمرهم لأصحاب التجارة والمال، كان يعمّ السلام والأمن في مجتمع "ما تتعلّقون من الإسلام إلا باسمه، ولا تعرفون من الإيمان إلا رسمه”. أمّا إذا نشأت حركة جماهيرية احتجاجاً على سياسة حاكم متجبّر وماجن، اتُّهمت بالردّة أو بأنّها مدسوسة من قِبل المرتدّين، فأحلّت الدماء وضربت الأعناق.
ولكن لو حاولنا أن نرتّب أطراف المعادلة التي تحكم الحروب الدائرة اليوم، تحت مسمّيات مختلفة، وبصرف النظر عن العباءات التي يخفي كل طرف حقيقته تحتها، لتبيّن لنا أنّ المتغيّر الوحيد هو وجود الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وأتباعها في جانب، وغيابها في الجانب الآخر، كأنّ المسلم يحتاج في هذا الزمان إلى براءة معمودية من الولايات المتحدة الأميركية. المطلوب حتى تعترف "داعش” أو الوهابية بأنّك مسلم هو أن تكون في خدمة الولايات المتحدة. الإشكال هنا هو في أنّ اعتراف "داعش” أو الوهابية ضروري، فمن دون هذا الاعتراف يكون الإنسان في خطر، أو قل إنّه لا يستطيع البقاء في المناطق الواقعة تحت سيطرة "داعش” أو الوهابيين! أمّا المسلمون المسلمون الذين يعتبرون أنّ صفحة المنازعة بين بني أمية وبين بني هاشم طُويت، ومهما يكن فإنّها ليست من الرسالة النبوية، أمّا المسيحيون والإيزيديون والصابئة، أهل البلاد السورية والعراقية الأصليون، فلا محلّ لهم في قاموس الوهابية والداعشية! بحسب تطبيقات الفكر الاستعماري العنصري من أجل تطويع الناس وتحشيدهم إطار النظام الرأسمالي.
السؤال الذي ينهض في سياق هذه المقاربة هو لماذا الدولة الإسلامية الآن؟ لماذا دولة إسلامية "سنيّة” تحديداً، ولماذا لا يكون الشيعة جزءاً منها؟ ألا يحقّ لنا أن نأخذ، كتفسير محتمل لهذا المشروع الغريب المخالف بالقطع للنص الديني، بفرضية مفادها أنّ الغاية هي شقّ المسلمين إلى فرعين، كأنّ الديانة تلبس القبيلة والعصبية؟
فرع الإسلام الوهابي، يشمل ديانة قومية، وعنصرية دينية، وعقيدة وهابية سنيّة. ما يعني ضمنيّاً أنّ الفرع الآخر، الشيعي، مرجعه القومي والإثني والعقيدي إلى إيران. يكون لدينا في المحصّلة مملكة وهابية سنيّة مقابل جمهورية إيران الإسلامية. لكم دينكم ولي ديني.
هذا هو في اعتقادي جوهر مشروع الإمبريالية الأميركية. ليس مستبعداً أن يكون آل سعود قد توهّموا أنّه قابل للتحقيق. لا أظن أنّ أحداً في بلاد العرب، إذا استثنينا الغوغاء والمرتزقة، يشاطر آل سعود اقتناعهم. ولكن الأخيرين يبدو أنّهم مسلوبو العقل والإرادة، وبالتالي ليسوا في حالة تسمح لهم بتقبّل النصح أو الرأي، أنّهم مندفعون في مغامرة أو في مقامرة، عواقبها غير محسوبة!
ما العمل؟ هل يُعالَج الجنون بالجنون؟ فريق الأمراء القطريّين السابق، الذي شارك في إطار حلف الناتو في الحرب ضدّ ليبيا ومصر وسوريا، أُحيل إلى التقاعد! أعضاؤه لا وطن لهم. أُصيب الأمير الأب بكسور في المغرب، وأُدخل إلى المستشفى في سويسرا. العالم لهم. يتنقّلون بطائراتهم الخاصة، ففي كل مكان يملكون قصراً!
استغنى أمراء النفط وعلى رأسهم آل سعود، بأموالهم. صار لديهم بدل الوطن أوطان، ولكنهم ما يزالون يؤدّون دوراً في بلادهم الأصلية، بما هم مواطنون معولمون!
الأموال لا وطن ولا ديانة ولا قلب لها!