مصر السيسي... احذر!
ابراهيم الأمين
مشكلة الإخوان الأكبر قد تكون في الطابع الانتهازي الذي ساد عقلهم السياسي. توهّموا ثورة على طريقة أنور السادات: استغلال لإرث عبد الناصر البطولي في وجه العدو، ثم صرفه دفعة واحدة في استسلام مخز أمام العدو نفسه. الإخوان لم يفهموا، ولا يريدون الإقرار اليوم، بأن الثورة كانت على طاغية. وهذا الطاغية ليس حسني مبارك وفريقه فقط، بل هو البرنامج الاقتصادي الذي أنهك مصر بعد سرقتها، وهو التبعية للخارج الأميركي بحجة أنه القوة المقتدرة عالمياً، وهو الدونية أمام مجموعات تنسب إلى نفسها اسم الدولة. وفوق كل ذلك، هو الصمت إزاء الخيانة الأكبر ببقاء علم إسرائيل مرفوعاً في القاهرة.
التخاذل أمام من يحمي الطاغية من الخارج، وعدم إطلاق ثورة في البرنامج الداخلي، يمثلان عنواناً يجعل الثائر أمام خياري الخيانة والفشل، وهو ما حصل مع الإخوان. لم تكن تبعيتهم للولايات المتحدة وتركيا وقطر أقل من تبعية الحكم الحالي للغرب نفسه وللسعودية. وأزمة الإخوان ستتعمّق ما داموا يصرون على أنهم لم يرتكبوا الأخطاء، ويرفضون حتى كلمة مراجعة.
لكن أين هي مصر اليوم؟
عندما تقرّر أن يكون الضابط عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، ولزمن غير محدّد الأجل، جرت تغطية القرار عبر انقلاب شعبي. صحيح أنه انقلاب، لكنه حظي بشعبية كبيرة، وشاركت فيه قوى متنوعة، جمعت كل خصوم الإخوان في مصر وخارجها. والأمل عند الناس لا يتوقف عند حدود إطاحة حكم المرشد، بل يتجاوز ذلك إلى حفظ البلاد، وعدم تركها تهترئ بفعل إدارة متخلفة وقوى سياسية ضعيفة. وإذا وجد كثيرون في الجيش الملاذ الأخير، فهو أمر يمكن فهمه في ظل ما تشهده دول عربية تعرضت جيوشها للتدمير. في لبنان، مثلاً، حيث الجيش فرقة توازي فعاليتها قوة الميليشيات الأخرى، نجح السياسيون في جعله رهينتهم. فصار غير قادر على حسم أي اختصاص له داخل الحدود أو خارجها. ولكن في مصر، عندما يتولى الجيش زمام الأمور، فهذا يعني الكثير. في زمن عبد الناصر، كان الجيش هو رافعة تغيير التمثيل السياسي والاجتماعي في الدولة، وتحول إلى منتج كما كان حاله كربّ عمل كبير. وهو مثّل هوية الدولة في مواجهة الخارج، ومثّل كذلك وحدتها الداخلية. لكن جيش مصر، اليوم، حاله مختلفة. والتحديات التي يواجهها في سيناء تعكس خللاً حقيقياً، هو الخلل نفسه الذي برز عند الجيش السوري في مواجهة الحرب عليه. لكنه لا يشبه أبداً خلل الجيش العراقي الذي بدا مثل كرتونة هشة. ومع ذلك، فالجيش في مصر ليس قادراً وحده على إعادة بناء الدولة. ولا قياداته تعكس قدرة على خلق مناخات لحياة سياسية مختلفة. ولا السلوكيات القائمة اليوم، باسم الأمن، تطمئن إلى أن مستقبل مصر بخير.
عندما يخشى جيش بحجم جيش مصر على قائده الذي صار رئيساً، فهذا يعني أن عليه العمل على توسيع دائرة المشاركة في الحكم، لا أن ينتهي الأمر لعبة إقصائية جديدة. لتذهب قيادة الإخوان إلى الجحيم. لكن، كيف لعاقل أن يجعل كل الإسلاميين في مصر أعداءً له، حتى ولو كانوا أقلية؟ إذ إنهم أقلية توازي ربع الشعب المصري. وفعاليتهم متصلة بحركة إسلامية ناشطة في كل العالم العربي والإسلامي. وإنّ من لا يجيد تحقيق الفصل الضروري بين الموقف من تنظيم الإخوان أو قيادته، وبين الشارع المؤيد للقوى الإسلامية، لا يمكنه إدارة الدولة. وبهذا المعنى، يمكن فهم تصرف المذعور، الذي لا يتحمل برنامجاً ساخراً كالذي قدمه باسم يوسف، علماً أن ليوسف ديناً كبيراً على السيسي وفريقه. فهو أحد أبرز من كشف زيف الإخوان وهشّم صورتهم أمام الراي العام. ثم كيف لنا أن نصدق أن هناك عقلاً راشداً يحكم، ويتعرض كتّاب من صنف فهمي هويدي وعلاء الأسواني وآخرين للقمع، بينما تترك الشاشات لبهلوانيات آل أديب الكرام؟
وفوق كل ذلك، هناك الفاجعة الكبرى التي تسمّى العلاقات مع السعودية. مع أحقر نظام استبداد عرفه العرب والمسلمون. مع العائلة المسؤولة عن سفك دماء مئات الآلاف من العراقيين والسوريين والفلسطينيين والمصريين، عدا سكان الجزيرة العربية المحتلة منهم ومن أنسبائهم في ممالك وإمارات القهر؟ هل يفكر الجنرال السيسي، فعلاً، بإرسال جيشه إلى السعودية؟ ماذا تراه سيفعل هناك؟ سيوجّه الرصاص إلى صدور أبناء الجزيرة بحجة أنهم أعوان الفرس في حرب الإمبراطورية؟ أم سيزيد القهر في اليمن والبحرين والعراق؟