الرعب الأميركي.. الغربي من تنظيم “داعش”
الدكتور منيف حميدوش
صُنِعَتْ الخرافةُ ونُسِجّتْ حولها الهالةُ كان من السهلِ جدًا أنْ يُنْسَبُ إليها أيُّ جرمٍ يريدُ النظامُ الصهيوني تنفيذه، من غيرِ إنكارٍ أوحتى تفكيرٍ، فقد هُيئتْ الذهنيةُ العالميةُ لتقبلِ أيَّ شيءٍ يُنْسَبُ إلى مَنْ يريدُ الصهاينةُ أو- حكومةُ العالمِ الخفيةِ - نسبتَه إليهم ،واعْتَبِرْ بأكبرِ تنظيمٍ إرهابيٍ عالميٍ في العصرِ الحديثِ، والذي نُسِبَتْ إليه خيالاتٌ وأوهامٌ، وهولا يعدوأنْ يكونَ "ظاهرةً إعلاميةً صنعها الإعلامُ الغربيُ و”نفخ” فيها حتى انتفختْ فصدقتْ هي في نفسِها ما ينسبُ إليها قبل أن يصدقها الناس.
والدليلُ على ذلك أنَّ "داعشَ” هي كلمةٌ مكونةٌ من اختصارِ الحروفِ الأُوَلِ من جملة: "دولة الإسلام في العراق والشام”، وهوما يعني أنه حاصل اندماجٍ لتنظيمين منبثقين بطريقة أوبأخرى عن التنظيمِ الأمِّ:”تنظيم القاعدة”، وهذان التنظيمانِ أحدُهما يسمى: "دولة الإسلام في العراق” وقد أُسِسَّ في العراقِ على يّدِّ شخصٍ يُدعى:أبوبكرٍ البغداديُ، والثاني: هوتنظيمٌ تَكَوَّنَ تحتَ أعينِ وعلى حَجِرِ أجهزةِ الاستخبارات الغربية والشرقيةِ في سوريا وذلك في أعقابِ اشتعالِ المؤامرة على سوريا بإذكاءِ نارِ الحربِ الأهليةِ فيها والتي ما زالتْ تدور سوريا الحبيبةُ في رحاها إلى الآن، ويعرفُ هذا التنظيمُ بــ "جبهة النصرة لأهلِ الشامِ” والذي هوحريٌ بأنْ يُسَمى "جبهةَ الخرابِ للشام” أو"جبهةَ النصرةِ لليهودِ والأمريكان”
أبوبكرٍ البغدادي والذي يُشْتَهَرُ بــ "أبي دعاء”، واسمه:” إبراهيم عوَّاد البدري السامرائي” وهويُعَدُّ حاليًا المطلوبُ الأولُ على مستوى العالم أمريكيًا، وهوفي العقدِ الرابعِ مِنْ عمرِه.
ويَذْكُرُ بعضُ العراقيين – على حَسبِ بعضِ التقاريرِ الصحفية الغربية- أنَّهُم كانوا يعرفونه منذُ كان مجردَ فَلَّاحٍ بسيطٍ حتى تم اعتقاُله مِنْ قِبَلِ قواتِ الاحتلالِ الأمريكي في العراقِ، ليتحولَ في داخلِ معتقله في معسكرِ "بوكا” والذي يضم متطرفين، إلى شخصِ من أخطرِ الإرهابيين على مستوى العالم كلِه.
حتى العام 2006 م لم يكن " أبوبكرٍ البغداديُ” يعرفُ إلا بكونه شخصًا بارزًا في تنظيم "قاعدة الجهاد في العراق”، وكانتْ مَهَمَتَهُ تسهيل انضمامِ المتطرفين إلى التنظيمِ منْ سوريا والمملكةِ العربيةِ السعوديةِ.
وداعش ليس سوى المشروع الصهيوني الأمريكي الذي قدمه "ريتشارد بيرل” - والذي يعرف في الدوائرِ الغربيةِ بــ "أميرِ الظلامِ” و”دراكولا” وهوأمريكي صهيوني من أقطاب المحافظين الجدد ومن صقورِ الإدارةِ الأمريكية منذ عهد جورج بوش الابن وكان من أكبرِ الداعين لاحتلال العراق بسبب ما يحمله في صدره من غلٍ وعدائيةٍ تجاه العرب والمسلمين.
وفي العام 1996 قدم "بيرل” مشروعاً لرئيسِ وزراءِ إسرائيل في ذلك الوقت "بنيامين نتنياهو” يَحُثُهُ فيه على ضرورةِ إلغاءِ اتفاقية أوسلوالتي أنجزها إسحاق رابين: "الأرضُ مقابلِ السلامِ”، واعتمادِ استراتيجيةٍ جديدةٍ أكثرِ شراسةً، تتمكنُ مْنْ خلالها إسرائيلُ من إعادةِ تشكيلِ محيطِها الاستراتيجي بالتعاونِ مع كلٍ منْ تركيا والأردن وذلك عن طريق إضعافِ سوريا واحتوائها أوحتى تدميرها- هذا مكتوبٌ وموثقٌ من العام 1996م -، ولكن لابدَّ من تركيزِ الجهدِ أولًا على الإطاحةِ بصدام حسين في العراقِ والذي هوهدفٌ استراتيجيٌ بالنسبةِ لإسرائيل.
فأنتِ تلاحظ الآن أنَّ في استراتيجية "بيرل” النظيفة – ويعني بالنظيفة ألا تتورط إسرائيلُ بنفسِها بطريقةٍ مباشرةٍ في حربٍ تكونُ فيها بعضُ الخسائرِ وإنما يُحَارِبُ أخرون عنها فتكون الخسائرُ من نصيبهم، وتصب كل الروافدِ والفوائدِ في النهايةِ عند إسرائيل، فتحصدُ المكاسبَ من غيرِ مفاسد أوخسائر تذكرُ وهذا هومعنى: الاستراتيجيةِ النظيفةِ –يقول "بيرل” في مشروعه المقدم لـــ "نتنياهو” ما نصه:
" تبقى سوريا هي العدوالأوَّلُ بالنسبةِ لإسرائيل ولكنَّ طريق دمشق يمرُ أولًا عبر بغداد”، بمعنى أنَّه لا مّفّرَّ عنْ أنْ يمتدَ الطريقُ من العمقِ العراقي إلى العمقِ السوري، وهوعين ما قام به ويقوم "أبوبكرٍ البغدادي” ورفاقه منتقلًا من عمق العراق إلى بغداد ومنفذًا لاستراتيجية "بيرل” النظيفة والتي عاد "نتنياهو” مرة أخرى على رأس الدولة اللقيطة لتنفيذها !
والآن بدأت تتضحَ الصورةُ ؛لتجعل الولايات المتحدة الأمريكية من البغدادي / ابن لادن آخر/ وقد أعلنتْ وزارةُ الخزانةِ الأمريكيةِ في 4 أكتوبر من العام 2011 م أنَّ "أبا بكر البغدادي” يُعْتَبَرُ إرهابيًا عالميًا، وذلك بعد سلسلةٍ من الهجماتِ والعملياتِ الإرهابيةِ التي نُسِبَتْ إليه، ورصدتِ – أيْ وزارةُ الخزانةِ - مبلغًا من المالِ قدرُه 10 ملايين دولارًا لمن يدلي بمعلوماتٍ تؤدي إليه أولمن يقتله.
يبدوأن زحف مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش” باتجاه بغداد أربك أيضا وسائل الإعلام الأمريكية, حيث تباينت وجهات النظر فيها بين تأييد التدخل العسكري مجددا, وبين التحذير من تكرار خطأ غزوعام 2003
والخارجية الامريكية عملت على تسريب بعض المعلومات التي تدل على قلق وخوف كبير لدى أوباما الذي لم يحسم موقفه تجاه العراق لغاية اللحظة واكتفت حاليا بإجلاء رعاياها.
لكن يبدومن تلك التسريبات أن أميركا لن تتخلى عن العراق ولن تسمح بتسليمها بتلك السهولة لـ'داعش' فهي –العراق- إذا صحت التسمية 'نفط أميركا في الشرق الأوسط' واحتياطها القادم وممدها بكل ما يلزم من نفط وأموال.
الواضح لغاية اللحظة أن أميركا سيقتصر دعمها لقوات المالكي من خلال المساعدات العسكرية مع نفي كامل للخارجية الأميركية أن يكون هناك أي تدخل عسكري بري، حيث تعمل أميركا منذ أيام على رمي تلك التصريحات وكأنها تعمل على 'جس نبض داعش' دون حسم للموقف اتجاه تلك الاحداث.
وقد انشغلت دوائر غربية في تتبع وتحليل طاقة هذا التنظيم وقدرته على إنجاز وبث أشرطة دعائية له وانتشاره إخبارياً
النقاش هنا ليس في قدرة التنظيم على الانتشار والمتابعة إعلاميا وهوأمر قد حصل فعلا، لكن في ذلك الانشغال الغربي الذي يقارب الافتتان به. فقد سقط الإعلام الغربي في فخ جاذبية العنف الذي يمارسه قتلة "داعش” وشرع يبث الفيديوهات الدموية والدعائية التي ينتجها على نحويخرق معايير الالتزام التي تميز بها تحديدا الإعلام الأميركي في الامتناع عن بث مشاهد كتلك التي يتداولها.
لقد وصل الأمر بقناة "CNN” أن قارنت مثلا بين لقطات في فيديودعائي داعشي بث منذ أقل من أسبوعين وفيلم هوليوودي شهير عن مطاردة أسامة بن لادن، وجرت الكثير من المقارنات بين مشاهد القتل الحقيقي سواء عبر مطاردة سيارات أوعبر تفجيرات داعشية وبين خيال هوليوودي في أفلام الأكشن. وهنا تبدوالمقارنة مع هوليوود فيها شيء من الإعجاب وفي هذا تكمن الخطورة حين يجري تعميم هذا النموذج من المقاربة. فهذا التنظيم وكما نحتاج لأن نفهم كيف تشكل ولماذا تمكن من السيطرة، نحتاج أيضا لأن نعيد النظر في كيفية التعامل مع المادة الإعلامية القاتلة التي يقذفها في وجوهنا كل لحظة..
إذا الرعب الدعشي دق أبواب الغرب ، لأن من يصنع للأفاعي بيوتا بجواره ،لابد من أن تلدغه..