استباحة الضفة
هاشم عبدالعزيز
موجة الاندفاع الصهيوني كانت محمومة وهستيرية، آلاف الجنود بآلياتهم العسكرية غير العادية من الدبابات والمجنزرات والمصفحات وأسراب الطائرات تتوغل في الضفة وتغطي سماءها.
الحرب العسكرية على الضفة تصير واحدة من أطول الحروب الصهيونية على الفلسطينيين وتدور في جبهة مفتوحة على كل شيء وأي شيء، في استباحة صهيونية عنصرية واضحة، فالاعتقالات تجمع ما بين عشوائية ونوعية، والأعداد زادت على 500 معتقل منهم المفرج عنهم في صفقة الجندي الصهيوني شاليط ونواب في البرلمان، والقتلى من الشباب والأطفال وأعداد المصابين كثيرة منهم في حالات خطرة.
الاجتياحات العسكرية شملت أغلب القرى والمداهمة عمت الكثير من المدارس والجامعات والمؤسسات ومرافق السلطة وجرى اكتساح المنازل وإخلائها من ساكنيها بعد الاعتداء عليهم وترويعهم والنيل من كرامتهم وإنسانيتهم علاوة على سلب حقوقهم واللجوء إلى هدم أعداد غير قليلة من البيوت في استمرار لعملية اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ووجودهم.
قائمة الجرائم الصهيونية في هذه الحرب طويلة، المستوطنون يعتدون على الفلسطينيين في الطرقات ويحطمون سياراتهم والحصار ضرب على نحومطبق على مدينة الخليل وسكانها البالغ عددهم 750 ألفاً وما يزيد على 20 ألف فلسطيني حرموا من الذهاب إلى أعمالهم خارج الضفة.
السؤال الآن: ما الذي يجري في الضفة من قبل قوات الاحتلال الصهيوني؟
تدعي سلطات الاحتلال أنها تبحث عن ثلاثة من مواطنيها تم اختطافهم، وليكن ذلك؛ فهل ما جرى بحث عن مفقودين أم عدوان سافر؟
ما جرى لا يمكن تفسيره إلا بأحد أمرين: الأول بما أن المفقودين أوالمختطفين تعرضوا كما تزعم قوات الاحتلال لهذه العملية في منطقة واقعة تحت الحماية الأمنية والسيطرة العسكرية الصهيونية فإن هذا التحرك العسكري الهستيري أقرب إلى محاولة لتغطية التقصير من قبل هذه السلطات أمام الرأي العام "الإسرائيلي”.
أما الأمر الثاني فهوأن سلطات الاحتلال التي قادت سياستها المناهضة للتسوية السلمية إلى حافة الجدار كانت في انتظار سبب للإقدام على مثل هذا العدوان بهدف إعادة خلط الأوراق ومجرد أن يكون هذا السبب توفر بعد إعلان انتهاء الانقسام السياسي الفلسطيني وتشكيل حكومة الوفاق الوطني الذي رفضته "إسرائيل” فإنه مثيرٌ للتساؤل: هل وجدت "إسرائيل” هذا السبب أم أنها صنعته بشكل أوبآخر؟
في أي حال الحرب على الضفة الغربية على أساس مبررها تطرح مسائل عدة:
- الأولى: إن "إسرائيل” لم تنسف اتفاقاتها ومنها الأمنية مع السلطة الفلسطينية وحسب بل إن الاجتياح العسكري الذي طال عاصمة السلطة ومؤسساتها كان أقرب إلى رصاصة قاتلة لحالة السلطة التي ظلت قائمة بين رحى الابتزاز الصهيوني والضغوط الأمريكية وقديماً قيل "رب ضارة نافعة”.
- الثانية: إن ما جرى في الضفة ليس بحثاً عن مختطفين بل عربدة عسكرية صهيونية استهدفت أبناء الشعب الفلسطيني بشيوخهم ونسائهم وأطفالهم ورجالهم وشبابهم، وهذا ما عبر عنه وزير الاقتصاد الصهيوني الذي قال إن "إسرائيل” "لن تبقي في الضفة الغربية حجراً على حجر”؛ في تعبير عن النزعة العنصرية للإجهاز على الوجود الفلسطيني بشراً وشجراً وحجراً.
- الثالثة: إن غياب أي ردود أفعال مناهضة لهذه الحرب عربياً رسمياً وشعبياً يكشف هوة الانحدار التي آلت إليها الأوضاع العربية تجاه القضايا العربية وأبرزها قضية هذا الشعب الذي تدور على حقوقه وحياته وتاريخه ومصيره حرب تصفوية عنصرية صهيونية.
- الرابعة : إنه لضعف التماسك الوطني الفلسطيني ولتردي الوضع العربي لم يكن بمستغرب أن يمر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المنطقة لحظة ذروة هذه الحرب دون أن يشير إلى فداحتها، مع أن الولايات المتحدة تدعي رعاية السلام في شأن هذه المنطقة.
الأمر مردوده على هذه الحال تجاه الأطراف الدولية الأخرى، والأهم الأمم المتحدة المعنية حسب الأقوال بقضية الحرب والسلام التي لا ترى ما يجري من جرائم صهيونية هي جرائم ضد الإنسانية بأوحش الأفعال، وأفظع هذه الجرائم سلب الفلسطينيين أرضهم واختطاف اليهود من أوطانهم ليكون استيطانهم غير المشروع على هكذا مصير غير أخلاقي وغير إنساني.