ممارسات مرفوضة في أجواء المصالحة
علي بدوان
تلك المشادات التي وقعت بدءاً من جلسات الاجتماع الأخير للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي عقدت في رام الله قبل أسبوعين تقريباً، حين انتقدت الجبهة الشعبية خطوات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المنتظرة وتقاسم الحكومة بين حركتي فتح وحماس من دون إشراك الآخرين في المشاورات الجارية. كما في تقديمها موقفاً نقدياً قاسياً لما أسمته مسيرة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي"، حيث نادت بوقفها. وقد أطلق بعض ممثلي الجبهة الشعبية في الاجتماع المذكور عبارات عالية التسخين السياسية العالية الوتيرة، وقد انسحب بعضهم من الاجتماع وعلى رأسهم عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية وعضو المجلس التشريعي في الداخل خالدة جرار.
إلى هنا، والأمر عادي جداً في الحالة الفلسطينية، فالمشادات، وأجواء التسخين وحدية النقاشات، ووصولها لدرجة التشابك بالأيدي في مرات وإن كانت نادرة، أمرُ معهود في الساحة الفلسطينية، بل بات جزءاً أساسياً من فولكلور العمل السياسي الفلسطيني داخل أطر منظمة التحرير الفلسطينية وحتى داخل أطر التنظيم السياسي والحزبي الواحد منذ سنوات طويلة جداً.
لكن الجديد في الأمر، اندلاع موجة تهديدات جديدة (مازالت في موقع التهديدات)، وبعضها مُبطن وبعضها مُعلن، جرى تسريبه عبر معلومات تم توزيعها من قبل بعض الأطراف القيادية في السلطة الوطنية الفلسطينية، بإمكانية وقف المستحقات المالية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من الصندوق القومي الفلسطيني (وزارة المالية الفلسطينية للداخل والشتات)، وبالتالي ممارسة الضغط المالي عليها ليس لثنيها عن موقفها السياسي الأخير، بل عقوبة لها على أداء ممثليها في اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو الجهة الاستشارية العليا في المنظمة.
وقيل أيضاً، وعلى لسان بعض المصادر الفلسطينية، وهو أمر غير مؤكد حتى الآن، لم تؤكده ولم تنفه الجبهة الشعبية، ومفاده بأن قراراً ضمنياً صدر بوقف التعامل مع الجبهة الشعبية من قبل السلطة الفلسطينية، واعتبارها خارج مؤسسات المنظمة بسبب انسحابها من جلسة أعمال المجلس المركزي الأخيرة، وما صدر من تصريحات عنها ووصفها إتفاق أوسلو بأنه كان خيانة للشعب الفلسطيني.
التهديد المالي، مرفوض، ويجب أن تنتهي تلك الأساليب، التي لامبرر لها سوى وجود ترسبات إقصائية مازالت تفعل فعلها في الساحة الفلسطينية. فالجبهة الشعبية وبعيداً جداً عن مناقشة موقفها السياسي، فصيل أساسي، بل هي الفصيل الثاني في ائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1968، ولايجوز بأي حالة من الأحوال استخدام العامل المالي لمعاقبتها أو الضغط عليها. فحقوقها المالية يجب أن تكون مصونة ومحفوظة كما هي حقوق مُختلف القوى والتشكيلات السياسية الفلسطينية المؤتلفة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. عدا عن ذلك فالحقوق المالية للجبهة الشعبية تعود لقطاعات من الناس ولعائلات فلسطينية في الداخل والشتات في نهاية المطاف، وليس للجبهة الشعبية كتنظيم في نهاية الأمر.
الجبهة الشعبية ردت بشكل حين أعلنت في بيانٍ رسمي لها أصدرته يوم الثاني والعشرين من مايو 2014 "أنها عضو مؤسس ومكوّن رئيسي من مكونات منظمة التحرير، ولا يستطيع أحد تجاهلها أو إقصاءها" وأنها " تتمسك بحقها في المنظمة بإعتبارها أداة كفاح ونضال للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده".
وخلاصة القول، إن أجواء المصالحة الفلسطينية، ودعوات إعادة بناء العقد التاريخي في إطار المنظمة، ودخول حركتي حماس والجهاد لعضويتها، تتطلب الكف عن إثارة بعض الإشكاليات التي لاضرورة لها، كما تتطلب أن تنتهي سياسة التهديد بالعقوبات، وخاصة منها المالية تجاه مكونات الحالة الفلسطينية السياسية والتنظيمية المؤتلفة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. إنها تهديدات مرفوضة في أجواء يسعى الفلسطينيون أن تكون مُبشّرة لإنهاء الانقسام الداخلي.