“أوبامــا”.. بيـن قــرن الشيطـان و صاحـب الزمـان
أحمد الشرقاوي
أن تكون شاعرا يعني، أن تكون قادرا على إصطياد الأسماك من بحار الكلمات، وأن تتقن فن مصارعة الأمواج على قارب بلا شراع تتقاذفه رياح أنفاسك، نحو أفق بلا شاطىء.
أن تكون سياسيا يعني، أن تكون قادرا على إقناع البلهاء بإمكانية زرع الورود في حدائق السماء..
أن تكون كاهنا يعني، أن تكون وهابيا ضليعا في جهاد النكاح، وقادرا على بيع حوريات الجنة في سوق النخاسة السياسية للأغبياء المكبوتين.
أما أن تكون مقاوما فيعني، أن تكون قادرا على السباحة بين الماء والسماء، حيث تزهر حدائق التاريخ بدم الشهداء، وترسم خرائط السفوح والهضاب بين الجثت في حقول الدخان والألغام، في عصر تحول فيه العرب من تجار أحلام إلى سماسرة الدم والخراب..
ولأن المقاوم يولد من وجع الحسين، وأسى الزهراء، وحزن كربلاء الذي رسمه اليزيد بالدم في قلوب الأمة، لتكون فتنة ما أن تموت حتى تبعث من جديد.. فإن قدره أن يعيد كتابة التاريخ بالإرادة والرصاصة والصاروخ، ليُغيّر من مدننا كل الشوارع العبرية الأسماء، ويزيح من عقولنا كل الأفكار الوهابية الإنتماء، إنتصارا للضعفاء كما أمرت السماء، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.. ويقتلع من عواصمنا عروش أحفاد ‘يزيـــد’ الذين استعادهم الغرب من مزبلة التاريخ فحولهم إلى عملاء يتحكمون بأعناقنا وأرزاقنا وخيرات أوطاننا ومقدرات شعوبنا، فيجلدهم بالحذاء مثل ما تجلد العاهرات على الأثداء.
حين اعتقدت أمريكا أن الناس بالكلمات كفروا، وبالإسلام كفروا، وبالفقهاء كفروا، وبالإرهاب كفروا، وبالحرية والديموقراطية أيضا كفروا.. وبدؤوا يحنون للإستبداد زمن ‘صدام’، ويتحسرون على قمع ‘مبارك’، ويشتاقون لمخافر شرطة ‘بن علي’، ويتمنون لو عاد يوم من أيام الطاغية ‘القدافي’.. قررت أمريكا تدمير العراق بعد أن فشلت في سورية وقبلها لبنان..
وتبين اليوم ما قلناه، ومفاده، أن أمريكا هي من خلقت هذا الوحش المفترس المسمى "داعش”، وأن مخابراتها هي من علمت عناصره في الأردن كيف تستمتع بالذبح وتتلذد بالإغتصاب وتتعيش من النهب والسلب، لإشاعة الخوف حد الرعب بهدف فرض الولاء بالإكراه ضدا في عدل الله لسلطة "خلافة” وهمية صدقها البلهاء.
وتبين أن خطة إسقاط العراق وتقسيمه كانت في الأصل خطة أمريكية، تم تنفيذها بأدوات إقليمية، حيث أكدت تقارير غربية عالية المصداقية، أن السعودية هي من قامت بتمويل "غزوة الموصل” بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار، سلم لـ”داعش” وأخواتها بمعرفة المخابرات الأمريكية والبريطانية وبحضور المخابرات الأردنية كشاهدة ومشاركة في جريمة إسقاط العراق، بالإضافة للدعم بالسلاح والسيارات التي قدمت لجيوش الجاهلية الجديدة من الجيش الأم المسمى "درع الجزيرة”، على سنة أعراب قريش الجبناء حين قرروا قتل الرسول الأعظم (صلعم) وتوزيع دمه بين القبائل مخافة الإنتقام، فأفشل الله مؤامرتهم الدنيئة.
وأكدت التقارير أيضا أن تركيا وقطر متورطتان حتى النخاع في المؤامرة، وأن أنقرة كانت في كل مرة تنقلب على إيران بسبب أطماعها في العراق وسورية. لأن السلطان ‘أردوغان’ إقتنع أخيرا أن سقوط العراق سيؤدي حتما إلى سقوط سورية، بدليل أن ‘أوباما’ و ‘كمرون’، بل حتى العميل الإبراهيمي وغيرهم من الأتباع والأذناب، خرجوا يحدثون العالم عن ضرورة ضرب الإرهاب "السني” في العراق وسورية أيضا، لأنه أصبح يشكل تهديدا خطيرا في الإقليم والعالم، ما يقتضي عودة أمريكا للمنطقة لإعادة رسم خرائط الإمارات والمشيخات الجديدة، وتحديد مناطق النفوذ على ضوئها.
العقل الإيراني الجبار فهم اللعبة، وتصرف بعقلانية وبرودة أعصاب.. هو لا يتدخل في العراق كما السعودية إلا من خلال قفازات بيضاء لإنقاذ حليف وجار من مخالب الوهابية المقيتة.. أعلن الرئيس ‘المالكي’ فتح باب التجنيد والتطوع، تبعه الشيخ ‘السيستاني’ فقال للناس: إن عراقنا الحبيب في خطر كبير، ولا أحد بسيوف سواه ينتصر، فيا أيها العراقي اللبيب، قم لبي نداء الوطن وانتصر لحقك في أن يكون لك حلم في هذا الشرق الجميل، كما وعدتك السماء.. إلى هنا انتهى سوق الكلام وبدأ العد التنازلي للمشهد المزلزل القادم الذي سيرعب المنطقة والعالم.
لم يكن ‘أوباما’ يتصور أن يسمع أو يرى ما وقع.. لم تنجح المؤامرة، فقد تجند مليون عراقي شريف بين سني وشيعي وكردي لمحاربة الإرهاب على الأرض فيما يتولى الجيش العراقي الحرب من السماء بطير أبابيل، لتمطر قملا ودما وأشلاء دواعش..
اكتشف خبراء ‘أوباما’ أن الإرهاب ماركة "سنية” مسجلة باسم الإديولوجية الوهابية، وأن الشيعة لا يحاربون الإرهاب بالإرهاب، ولا يخوضون حربا طائفية أو مذهبية، وأنهم محبوا سلام، وأن نداء الشيخ ‘السيستاني’ للعراقيين لم يمتح من قاموس الجاهلية، ولم يستعمل العبارات الطائفية مثل ‘سعود الفيصل’ الذي هدد إيران بحرب طائفية في العراق والمنطقة، ففهم الناس أن من ينادي باسمه الشيخ الجليل هو الوطن الذي يعني الكيان والوجود والمصير، وأن من يتحدث بلسانه الأمير ‘سعود الفيصل’ هو ‘يهوه’ بلحمه وشحمه ودمه.
وفي الوقت الذي كان يسعى فيه للضغط على إيران بالمؤامرة على العراق واعتقد أن بغداد قاب قوسين أو أدنى من السقوط في إنتظار إصدار الأوامر لجيوشه الداعشية بالهجوم، أكتشف هذا الغبي المدعو ‘أوباما’، أنه خسر الحرب قبل أن تبدأ، وهو على وشك خسارة المنطقة، وأنه تحول من حيث لا يريد إلى رهينة تحت رحمة الإيراني.. هذه الحالة تسمى في السياسة "إنتكاسة” تمهد لإستسلام مشرف أو هزيمة مذلة.
عقد ‘أوباما’ إجتماعا مع كبار مستشاريه على عجل، وقال لهم، أيها السادة، نحن في مأزق، إذا لم نتدخل في العراق فسلام على المنطقة وتسليم بانتصار إيران، وإذا تدخلنا لمحاربة الإرهاب في العراق بالتعاون مع إيران لإحتوائها فسنغضب السعودية التي ستألب علينا "سنة” العالم، وإذا لم نتعاون مع أحد وتصرفنا بمعزل عن السعودية وإيران، فلن يكون بمقدورنا فعل شيىء على الإطلاق، لأن للإرهاب بيئة حاضنة في العراق، واستعمال الطائرات من دون طيار قد يؤدي إلى خسائر جانبية في أرواح المدنيين، ما سيجلب علينا نقمة "السنة” في منطقة لنا بها قواعد ومصالح.. فما العمل؟…
قال له أحد المستشارين، سيدي الرئيس، المعضلة أعقد مما تتصور، لأن هناك من يحارب في إسرائيل لعودة المسيح (ع) ليخلص اليهود من أتباع الكنيسة وينتقم لهم من المسلمين، ليكون الشرق الأوسط مملكة خالصة لهم ومن بها من شعوب مجرد عبيد.. وهناك من يحارب من إيران إلى لبنان لعودة صاحب الزمان، الذي سينهي الظلم ويطيح بالإستبداد والفساد، فيملأ الأرض عدلا وأمنا وسلاما.. وهناك من يحارب ليكون له النفوذ الرمزي مع حصة من الريع وكثير من الخمر والجنس، ولأسرائيل وأمريكا النفوذ الفعلي على حقول الزيت وعائدات الزيت.. فمع من تريد أن تقاتل؟.
فكر ودبر ثم فكر ودبر، فقال لهم، أيها السادة، لقد توصلت إلى نتيجة نهائية حتمية قاطعة، مؤداها، أن هذه المنطقة ستواجه مشاكل كبيرة ولفترة طويلة، وعلينا أن نحضر أنفسنا لذلك.
قال وزير الحرب: ما رأيك بسيناريو اليوم في العراق وسورية، سيدي الرئيس؟.
أجابه الرئيس: هذا سيناريو خطير لن يجدي نفعا، خصوصا وأن الحوثيين يقضمون الأرض في اليوم قضما، فيما لا قبل للجيش اليمني بمواجهتهمن وهم اليوم على مشارف العاصمة وعلى مرمى حجر من منفذ في البحر الأحمر.. لذلك، دعوني أفكر لمزيد من الوقت، الأمر ليس بالسهولة التي كنا نتصوره فعلا.
خرج أوباما للإعلام فقال: أمريكا لا تطمع في زيت العراق، بل كل ما نريده هو المساعدة في تحقيق "الأمن” و "الإستقرار” و "الديمقراطية المتعددة الطوائف”، وأن الولايات المتحدة لا تستطيع التدخل في العراق لفائدة هذا الطرف أو ذاك وأن الحل يجب أن يكون سياسيا، كما في سورية.
فهمت ما الذي يقصده الرئيس عندما يتحدث عن الأمن والإستقرار والحل السياسي على شاكلة سورية، لكنني أعترف أنها المرة الأولى التي أسمع فيها بدعة إسمها "ديمقراطية متعددة الطوائف”. قلت، الرجل أستاذ ضليع في القانون الدستوري، لكن من أين أتى بهذا المصطلح العجيب.. استنجدت بعلم الإجتماع السياسي، وبالفقه الدستوري، وبما ورد بقاموس المفاهيم السياسية القديمة والحديثة، فلم أجد مصطلح إسمه "ديمقراطية الطوائف”، إلا في ما أعرفه عن نموذج لبنان الذي يعتبر مصداقا عمليا لنظرية لم يعرف بعد كيف يبلورها علم الإجتماع السياسي.
وعرفت بالنتيجة، أن ما يريده أوباما، هو عراق مفكك ومتفجر يتقاتل فيه السنة والشيعة على أبواب إيران، وأن يسيل الدم أنهارا ليعم سورية ولبنان أيضا، وأن أمريكا ستعمل على أن يبقى الصراع محصورا في دول محور المقاومة، حتى لا يتم زعزعة الأمن والإستقرار في بلدان محور المؤامرة وعلى رأسهم "إسرائيل”.
خصوصا بعد أن رفضت إيران أي تعاون عسكري مع أمريكا، واشترطت أن يكون ذلك في الإطار الديبلوماسي الرسمي والإستخباراتي، لكن بثمن، أقله الإتفاق النووي، والإعتراف الفعلي بنفوذ إيران في المنطقة.
إلى هنا نستطيع القول أن ‘أوباما’ لا يملك في جعبته من إستراتيجية لإطفاء الحرائق التي أشعلها غير إسداء النصيحة تلو النصيحة لحكومة ‘المالكي’، لتشكيل حكومة طوائف تعيد الثقة بين مختلف الأفرقاء.. وهذا هو معنى الزنا بالكلام في إنتظار الكارثة.
غير أننا على يقين أن المارد قد انطلق اليوم من عقاله، وأن معادلة "الشعب و الجيش و المقاومة” التي تحدثنا عنها قد فعلت فعلتها كالسحر، فأسقطت أهداف مؤامرة الفتنة، وقلبت كل الحسابات الغبية، وقريبا ستغير الموازين والمعادلات القديمة.
لكن ما لم يقله ‘أوباما’ هو أن تراجعه جاء بسبب دخول اللواء ‘قاسم سليماني’ العراق، لقيادة المقاومة الشريفة التي ستسقط الكأوامرة، لكن هذه المرة ستنتقل الحرب إلى دول الجوار.. هذا ما قاله ‘المالكي’ وأكده الرئيس ‘بشار الأسد’ كذلك هذا الأسبوع، لأنهم يعلمون أن ‘قاسم سليماني’ خبير في نقل الحروب في ميادين العدو.
هذه هي الرسالة التي أرعبت أمريكا فرفض أوباما التوغل في المستنقع العراقي الذي يبدو أخطر بكثير من المستنقع السوري أو اللبناني.
فانتظروا نهاية الأسبوع لتشاهدوا أكبر ملحمة في تاريخ الأمة حين إستعراض قوات المقاومة يوم السبت في كل المحافظات، وترقبوا ما الذي ستقوم به جيوش الأمة لحماية الدين والمقدسات والخيار وجغرافية الأوطان الجديدة، تمهيدا لظهور صاحب الزمان، معلنا نهاية عصر الظلام، وبداية زمن الشهادة والتضحيات.
وسيعلم حينها الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وما عذاب ربك ببعيد..
والآن سؤال المليون للمضللين ضحايا الإعلام: – هل فهمتم لماذا خاف أوباما ورفض نصرة أمراء الإرهاب والظلام؟…
لأنه إذا كنا سنسرق خطبة الحجَاج، والحجَاج، والمنبر، ونذبح بعضنا بعضا لنعرف من بنا أشعر، كما يقول نزار قباني رحمه الله في إعتذاره لأبو تمام، فأكبر شاعر فينا هو الخنزر.