امانو والعودة للمربع الاول
حسين شريعتمداري
خلال حديثه اول امس في مؤتمر صحفي في فيينا، قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية "يوكيا امانو"؛ "ان الوكالة رغم تأييدها لعدم وجود اي انحراف في استخدام المواد النووية في ايران عن سياق الاتفاق ومعاهدات الوكالة، الا اننا لسنا بصدد اعطاء ضمان مؤكد والخروج بنتيجة بان جميع المواد النووية المستخدمة في ايران تصب في مجال الاغراض السلمية"!
ليس بالمستهجن لمن تتبع الجدال النووي لـ 12 عاما الذي خاضته الجمهورية الاسلامية مع مجموعة 5+1 ومن قبلها مع الترويكا الاوروبية الشاملة لبريطانيا وفرنسا والمانيا، تصريح مدير الوكالة للطاقة النووية الذي ادلى به أول امس! فهي عبارات تكررت خلال اثني عشر عاما بعد كل مرحلة من جولات التفتيش التي تقوم بها الوكالة وتذيلها في تقريرها الختامي.
ان الترجمة الواضحة لما قاله "امانو" في المؤتمر الصحفي الاخير، ان الملف النووي الايراني لن يغلق وان الجدال سيبقى ماضيا مادامت الادارة الاميركية ماضية. فما هو السبب؟! واليكم الاجابة!
2 ــ ان الوكالة تقول ــ وقد قالتها لـ 12 عاما ــ بان لا وجود لاي انحراف في نشاطات والمواد النووية المعلنة من قبل الجمهورية الاسلامية ـ DIVERSION ـ نحو انتاج الاسلحة والنشاطات العسكرية، الا ان الوكالة ليست قادرة على تأييد سلمية النشاطات النووية لايران!
لماذا، لانه ربما هنالك نشاطات ومواد نووية اخرى في ايران لم يعلن عنها، فيما الوكالة لا تعلم بها!
إن الامعان بهذه الفقرة "نشاطات ومواد نووية لم يتم الاعلان عنها"! وهذا يعني "التعليق على المحال" اذ ان الوكالة يمكنها ان تدعي دوما ان هنالك في ايران نشاطات ومواد نووية لم يعلن عنها!
واذا سئل اين هي هذه النشاطات والمواد؟’ وهل هنالك اثر او علائم موجودة؟ فسيكون الرد، بانه لا يستبعد حصولها! ان تصريحات الوكالة هذه تبعث على السخرية وهي توجيهات غير قانونية لا تصدر الا عن شخص قد فقد عقله! او عن شخص لا يلتزم بأي من القواعد والاصول المنطقية.
إن في جميع الانظمة القانونية العالمية ومنها النظام الاسلامي هنالك اصل بديهي مفاده بان تقديم الدليل على من إدعى "البينة على من ادعى" وبيانه انه اذا ادعى شخص بانه يطلب شخصا مقدار من المال او قد اقدم على ارتكاب جرم بحقه فعليه ان يأتي بدليل على ادعائه هذا، وليس ان يطلب القاضي من المتهم تقديم دليل على بطلان ادعاء الشاكي.
ان سماحة قائد الثورة قد اشار، خلال إستقباله لمسؤولي الحكومة في 23 يونيو لهذا العام، لتصريحات الوكالة هذه، قائلا؛
"ليس منطقيا ان يقولوا؛ لابد ان تحصل الوكالة على الاطمئنان بعدم وجود اي نشاطات نووية غير معلنة في البلاد.
فكيف يحصل هذا الاطمئنان؟ واساسا ماذا يعني حصول الاطمئنان؟ الا ان يقوموا بتفتيش جميع البيوت ويجردوا البلاد بأسرها! فكيف يحصل هذا الاطمئنان؟ فالتعليق على هذه المسألة ليس من المنطق وليس من الانصاف".
خلال فترة الدراسة الجامعية شاهدت بمعية زملائي شخصا يقوم بالدعاية للوهابية قبال جامعة طهران، وقد التف حوله عدة اشخاص، وكان يشرح موضوع "حسبنا كتاب الله" وانه بوجود القرآن لاحاجة للامام! فسألناه، هل تصلي؟ فاجاب بثقة عالية نعم! وسألناه كم هي عدد ركعات صلاة الصبح؟فاجاب ركعتان، وسألناه في اي آية في القرأن تمت الاشارة الى ان صلاة الصبح ركعتان! وقدم اليه احد الاخوة كتاب الله، متسائلا دلنا على الآية التي تذكر بان صلاة الصبح ركعتان. فما كان من الشخص الوهابي إلا واعاد الكتاب قائلا؛ انت دلني اين لم يتم الاشارة لذلك؟!
3 ــ ان التصريحات المضحكة لامانو، والتي سبق ان كررها، تعكس بوضوح انه ليس من المقرر ان يتم غلق الملف النووي، اذ ان خطة العمل المشترك الشاملة قد علقت اغلاق الملف النووي لايران، على تقرير مدير الوكالة الدولية للطاقة وإعلان انهاء الملف المتعلق بالموضوعات الحالية والسابقة ــ PMD ــ، وان تصريح امانو يعلق الامر على محال! وبيان ذلك حسب ما تفضل به سماحة القائد؛ "على الوكالة لتحقيق رأيها المضحك والغير قانوني ان تقوم بتفتيش جميع البيوت ويجردوا البلاد بأسرها".
وحتى ان حصل هذا الجرد فانه سيطول مئات السنين، كذلك يمكن للوكالة ان تدعي انه من يدري لربما في مكان قد تم تفتيشه قبل 150 عاما ولم يتم العثور على اي شيء فيه، حصل نشاط نووي جديد، واعملت مواد نووية جديدة !
4 ــ في ذلك اليوم ــ 3 ابريل هذا العام ــ وبعد الاعلان عن اتفاق فيينا، وتسطير متن الاتفاق على المواقع الاخبارية للخصوم، وفي شرح ما قدمناه وما حصلناه، قد ذكرت حينها؛ "بكلمة واحدة ينبغي القول لقد قدمنا فرسا بسرجه واستلمنا لجاما متهرءا" ووجه وصفنا هذا بمعارضة بعض رجال الدولة المحترمين، بان خطة العمل المشترك هو "من اكبر مكتسبات القرن"! وهو "فتح الفتوح"! وانه "استسلام القوى الكبرى أمام ايران"!
وتجنبت الحكومة المحترمة ارسال خطة العمل الى المجلس في اطار لائحة، وبعد تشكيل لجنة تحقيق خاصة تمت المصادقة على خطة العمل دون الالتفات الى التقرير النهائي للجنة المنعقدة بحضور جميع الخبراء ــ ومنهم اعضاء سابقين وحاليين في الفريق المفاوض ــ، كما واصدر اعضاء المجلس الاعلى للامن القومي، بتغيير طفيف، تصريح تنفيذ خطة العمل.
ان قائد الثورة لطالما شدد على عدم الوثوق باميركا وخداعها، معلنا سوء ظنه بالوكالة، قد عبر بخطابه الموجه لرئيس الجمهورية المحترم بضرورة التقيد بالشروط التسعة لبدء العمل، والتي لو تم الالتفات اليها بدقة، لم نكن لنواجه اليوم بادعاء الوكالة المضحك.
وقد جاء في البند الثالث للشروط التسعة التي ذكرها القائد، "ان الاجراءات المتعلقة بما جاء في البندين اللاحقين (مفاعل اراك، وتبادل اليورانوم المخصب بالكعكة الصفراء) لا يتم المباشرة بها الا حين تعلن الوكالة انهاء ملف الموضوعات الفعلية والماضية ــ PMDــ" كما وشدد القائد في البنود الاخرى لرسالته على الزام خطي لرئيس جمهورية اميركا والاتحاد الاوروبي و... كشروط ملزومة في تنفيذ خطة العمل. الا ان مدير الوكالة والذي ارجع التزام الطرف الاخر بالعهود الى تقريره الايجابي، قد اعلن من الان بان "التقرير الذي سينشر بعد اسبوع لم يتوصل الى نتيجة قاطعة حول موضوع النشاطات النووية لايران سابقا ـ PMDـ "! لماذا؟ لانه "لسنا بصدد اعطاء ضمان مؤكد والخروج بنتيجة بان جميع المواد النووية المستخدمة في ايران تصب في مجال الاغراض السلمية"!
5 ــ ان مساعد وزير الخارجية والعضو في الفريق المفاوض الاخ العزيز الدكتور عراقجي، وضمن اعلانه باننا "انجزنا جميع الاجراءات الضرورية" يقول؛ "ان الاطراف الغربية، واعضاء مجلس حكام الوكالة وامانو، يعلمون جيدا انه ينبغي عليهم اختيار احد الامرين اما PMD واما خطة العمل المشترك" مؤكدا "اذا لم تغلق قضية PMD، فهذا يعني ان خطة العمل المشترك لا تمضي قدما". ان التعامل المسؤول للدكتور عراقجي مع تصريحات امانو، لهو محل تقرير واعتزاز الا انه اشبه باعطاء الترياق بعد انقضاء الاجل، اذ ان الكثير من الالتزامات قد انجزت قبل التضمين الكافي، فاجهزة الطرد المركزي قد ازيلت، وحصيلة جهود عشر سنوات لعلمائنا النوويين سوف لا يتم الاستفادة منها مجددا بسهولة، وان عشرة اطنان من اليورانيوم المخصب والتي جمعت في 10 سنوات، ومفاعل اراك للماء الثقيل تواجه نفس الظروف و... من هنا فانه في حال ايقاف تنفيذ خطة العمل، فاننا سنخسر امكانات كثيرة دون ان يخسر الخصم شيئا.
من خلال هذه الحصيلة هل يمكننا الوثوق باميركا وحلفائها، والتحدث باعتزاز عن برنامج خطة العمل لحل مسائل المنطقة؟! ان الخصم قد تظاهر بغفلته ليعود الى المربع الاول بعد 12 عاما.