سقطة الأتراك..حماقة تخلط الاوراق في المنطقة والعالم
ميساء مقدم
بعدما شهدت المنطقة في المرحلة الأخيرة سباقاً محتدماً بين انجازات الميدان العسكري والمفاوضات السياسية في الملف السوري، عادت الأنظار اليوم لتشخص الى ساحة المعركة وأجوائها، بعد التصويب التركي على "السوخوي" ومن ورائها مفاوضات فيينا وقواعد اللعبة التي كادت تفرضها.
* السفير السوري لـ"العهد": أردوغان مستمر في الحماقة وإسقاط الطائرة لعبٌ مقصود بالنار
تبدو الدبلوماسية الروسية على صعيد السفراء متكتمة، فالكلام اليوم للقيصر والدائرة القريبة منه. يفضّل السفير الروسي في لبنان تأجيل التعليق على مجريات الأحداث المتسارعة الى ما بعد اتخاذ الاجراءات الروسية. من جهته، يحسم السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي في حديثة لموقع "العهد الاخباري" القضية . "العدوان انتهاك أصاب دولة لها قوّتها وفعاليتاها وكرامتها، إدارة أردوغان مستمرة في الحماقة واسقاط الطائرة الروسية لعب مقصود بالنار".
يؤكّد السفير السوري أن "الطائرة الروسية كانت ضمن الأراضي السورية ولم تدخل الأجواء التركية"، وبالتالي ما حصل هو "انتهاك وتقصّدٌ بالعدوان"، معتبراً أن "أردوغان ورط نفسه والمنطقة بمأزق خطير لن يستطيع الخروج منه الا بخسائر كبيرة".
بحسب علي، فإن تركيا لو كانت فعلاً "جادة كما تدعي في محاربة الارهاب منسجمة مع القرارات الدولية التي تستهدف "داعش" و"النصرة" لما أقدمت على فعلتها لأن هذه الطائرة التي أسقطتها كانت تحارب المجموعات الارهابية واستهدافها هو دعم للارهاب". الاستثمار التركي بالارهاب ليس جديداً وفقاً لعلي. يقول "هذا الأمر بالنسبة لسوريا لم يكن خافياً منذ البداية، تركيا هي المعبر الأساس والمدرب للارهابيين، كل المجموعات الارهابية عبرت الى سوريا من تركيا وغرف عملياتها موجودة على الأرضي التركية".
* الرّد العسكري الروسي سريع وحتمي!
وفيما تتفاوت التحليلات حول مستوى الرد الروسي وطبيعته، يشرح الكاتب والمحلل السياسي سامي كليب لـ"العهد" تفاصيل السيناريو المتوقع. "عقلية بوتين منذ وصوله الى السلطة وحتى اليوم، تشير الى أن هذا الرجل لا يتراجع، ولا يترك مثل هذا الأمر يمر دون رد، وهناك عدة احتمالات، الأول، هو أن يسقط طائرة تركية، الثاني، أن يسرّع السيطرة على كل المناطق التي تدعي تركيا أنها تحميها في الداخل السوري، الثالث أن يلغي الكثير من العقود والعلاقات المباشرة مع تركيا (الغاء العقود والقمم والسياحة)".
يُرجّح كليب اعتماد الرد الروسي على الاحتمالات الثلاث في آن، ويقول "إن ما حصل هو نوع من الاختبار لرد الفعل الروسي وفي الوقت نفسه هو جذب الحلف الأطلسي الى جانب تركيا مجدداً من أجل الدخول في مواجهة حقيقية مع الروس وغيرهم، وبالتالي، فإن رد بوتين سيغلب عليه الطابع العسكري في الأيام القليلة القادمة، ولن يتأخر هذا الرد، فالمسألة توضع في خانة الكرامة الوطنية من الزاوية الروسية، خصوصاً بعد مشاهد قتل الطيار الروسي على الارض.
* ماذا عن تداعيات وقف السياحة الروسية وقطع العلاقات العسكرية؟ والغاز؟
وحول تداعيات خطوة وقف السياحة الروسية الى تركيا، يشير الكاتب والخبير في الشؤون التركية حسني محلي في حديث لموقع "العهد الاخباري" الى أن "السياح الروس الذين يبلغ عددهم قرابة الـ4.5 مليون سائح، يأتون الى تركيا اعتباراً من شهر حزيران وحتى شهر تشرين الأول، وبالتالي الموسم السياحي لهذا العام انقضى ولا يشكل ضرراً كبيراً على تركيا".
الأمر عينه ينسحب على صعيد قطع التعاون العسكري بين البلدين . يلفت محلي الى "محدودية التعاون العسكري بين روسيا وتركيا، الامور لا تتعدى تنظيم حركة السفن الحربية في البحر الأسود (باعتباره مشتركاً بين الأتراك والروس)، ومرور السفن الحربية الروسية في مضيق البوسفور ومضيق الدردنيل، حيث يشرف الأتراك على تنظيم حركة المرور في المضيقان"، ويقول الباحث التركي "لا يستطيع الأتراك عرقلة حركة السفن الحربية الروسية لكنهم يستطيعون تأخير مرورها، وهذا ينعكس مزيداً من التوتر بين البلدين".
اما الضرر الأكبر الذي قد يقع، سيكون في حال اتخذت احدى الدولتين قرار وقف استيراد أو توريد الغاز. الخسارة هنا ستكون متبادلة . فتركيا تستورد 56 % من حاجتها من الغاز من روسيا، أي ما يعادل حولي 20 مليار دولار، وهذا قد ينعكس سلباً على الاقتصاد الروسي، لكنه بالمقابل قد يشكل ضربة قوية لتركيا ، لأن 36 % من المصانع والمؤسسات الصناعية التركية تعتمد على الغاز الروسي، و73 % من الاستهلاك المنزلي للغاز هو من الغاز الروسي كذلك.
* لماذا ارتكب أردوغان "حماقته"؟
يلفت كليب الى أن عدّة أمور ساهمت في تشجيع الأتراك على الاقدام على "الخطوة الغبية"، فـ"الاعتداء التركي جاء غداة القمة المهمة بين الرئيس الروسي والسيد علي الخامنئي". لم ترق التصريحات التي صدرت عن القمة للجانب التركي. تكريس الدعم المطلق لسوريا وعدم السماح للتدخل الخارجي بالتمادي وترك الأمور للشعب السوري في تقرير مصير الرئيس دفع اردوغان لتوجيه رد مباشر عبر استهداف السوخوي ". يتوقف كليب عند مسارعة الأطلسي لاحتصان تركيا وكأن هذا العالم الغربي يريد أن يقول "لا زلنا في أوج هذا الصراع الدولي بين محورين".
العنصر الآخر الذي ساهم بتشجيع الحماقة التركية هو "التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش السوري والروسي وحزب الله وحلفاؤهم في الآونة الأخيرة في مناطق باتت تعتبرها تركيا أنها خاصرتها في سوريا، واحتمال السيطرة على كامل جبال التركمان في سوريا أقلق الأتراك وأنذرهم بانتهاء دورهم".
عنصر ثالث يلفت اليه كليب، يكمن في ا"لاصرار على المنطقة العازلة". بالتعاون مع حلفائهم. يرى الاعلامي العربي"أنهم يعنون بذلك فرنسا والسعودية وبعض الدول الأخرى" .
* فيينا الهدف الرئيس من وراء استهداف "السوخوي"؟
لكن الاستهداف الأهم من وراء طائرة السوخوي هو اسقاط أحجار الدومينو في المنطقة من فيينا الى سوريا. يقول كليب إن "المحور التركي السعودي القطري الأطلسي يدرك أن أي حل سياسي ستدخل به سوريا في الأيام القليلة المقبلة يعني تعزيز دور السلطة السورية الحالية وتعزيز دور الجيش والدولة وموقع الرئيس بشار الأسد، بغض النظر عن كل الكلام السخيف الذي نستمع اليه من بعض الزعماء. رحيل الرئيس الأسد كان مطلباً منذ بداية الحرب، واليوم انتقلنا الى خطوة اشراكه في المرحلة المقبلة في المفاوضات. فكرة اسقاط الرئيس السوري سقطت. وبالتالي عندما يتقدم الحل السياسي سيربح المحور الروسي السوري الايراني لذلك كان لا بد من عمل عسكري لاعاقة هذا الأمر".
برأي كليب "التركي غامر بشيء من الغباء وهو غير معزول بمغامرته هذه، بل مدعوم من قبل "اسرائيل" التي لا يمكن أن ترى هذا الحلف يشتد عوده بين روسيا وايران وسوريا. تل ابيب لا يمكن أن تقبل بانتصار هذا الحلف. أنقرة مدعومة أيضاً من قبل الأطلسي، الذي يعرف أنه أمام الانكفاء الأميركي، في هذه المرحلة هناك حلف آخر يقوم بشكل جدي بين روسيا وايران وبين حزب الله والجيش السوري وهذا الحلف قد يربح المعادلة. لذلك نحن في أوج الصراع الدولي".
قراءة كليب الجازمة بالدعم الكامل من قبل الأطلسي لتركيا، يخالفها محلي، الذي يرى أن تركيا اقدمت على فعلتها بمعزل عن الاطلسي. وهي الان في حالة ترقب لموقف الحلف الأطلسي والدول الكبرى، لتبني على اساسه، فإذا أحسّ الأتراك بموقف أميركي داعم مطلق لهم فهم لن يترددوا من اسقاط طائرات روسية أخرى"، جازماً أن "أردوغان أراد خلط الأوراق في المنطقة والايقاع بين حلف الأطلسي والأميركيين والروس".