kayhan.ir

رمز الخبر: 29938
تأريخ النشر : 2015November24 - 21:10

بوابة الجحيم فُتحت؛ الجيش الروسي قادم!.‎

سمير الفزاع

متى عرفت روسيا بسب سقوط طائرتها في سيناء، ولماذا انتظرت كل هذا الوقت؟ كيف سيكون الردّ الروسي في سورية والعالم؟

كان واضحاً منذ اللحظات الأولى لتحطم الطائرة الروسية في سيناء بأن هناك أيد إرهابية تقف وراء هذه الجريمة، وكان القرار بالتريث في إعلان النتائج لتحقيق جملة من الأهداف منها:

1- تحديد نقطة الإختراق وكيفية حدوثه.

2- تحديد الأداة الإرهابية المسؤولة عن هذه الجريمة.

3- تتبع خيوط حركة وعمل هذه الأداة، والتعرف إلى المشغل الإقليمي أو الدولي لها.

4- وضع الملف المتكامل بين يدي الرئاسة الروسية ليكون الملف جاهزاً وكاملاً لحظة حاجتها إليه.

5- مراجعة معالم وحدود وسيناريوهات الرد الروسي التي تمّ إعدادها سلفاً منذ إتخاذ القرار بالتدخل العسكري.

6- إتخاذ الإجراءات الإحترازية التي تتناسب وحجم الردّ الروسي، وطبيعة التهديد، وحجم العدو المباشر-الأداة التنفيذية- والمشغل.

7- تحديد التوقيت الأنسب للشروع بتنفيذ الرد، ثم البدء بالتنفيذ.

جهزت موسكو الملف الأمني والقضائي والسياسي للطائرة المنكوبة، ولكنها قررت أن يتم الإعلان عنه بالتدريج بما يتناسب وحركتها السياسية والميدانية. الجهة التنفيذية، داعش. القاعدة الخلفية للعملية، الرقة-سورية. الجناح المولج بتفيذ المهمة، مسؤل أمن داعش، أبومعتز القرشي والمعروف باسم أبو مسلم التركماني -الذي قتل بغارة أمريكية قبل تنفيذ العملية باسبوعين لمسح أية آثار قد تدل على الفاعل- بالتعاون مع خلايا نائمة في مصر. أقرب القوى الإقليمية لهذا الجناح، تركيا وتحديداً المخابرات التركية. هدف العملية، إستفزاز ذاكرة المواطن الروسي لناحية كارثة أفغانستان وخسائر الجيش الأحمر الضخمة هناك بعد غرقه في مصيدة التدخل البري ومحاربة الجماعات الإسلاموية… وضع خطوط حمر أمام التدخل الروسي في سورية والإقليم… ضرب أي أفاق للتقارب الروسي-المصري والسوري-المصري، بتذكير الروس بأن مصر "منطقة نفوذ امريكية” منذ أن "طرد” السادات الخبراء والجنود السوفييت قبل عقود ولا عودة لهم الا عبر البوابة الأمريكية… ردّ دامي على بوتين عندما قال بأن الـ CIA لا تعرف كل شيء ولا ينبغي لها أن تعرف كل شيء، خصوصاً وأن امريكا كانت اول من تحدث عن فرضية التفجير عندما إعلنت عن رصد أقمارها التجسسيّة في المنطقة لوميض في موقع انفجار الطائرة… جاء تفجير الطائرة الروسية بعد شهر من بدء عملياتها الجوية في سورية، وكأن المنفذ يقول بأننا ما زلنا هنا وأقوياء وقادرون على ضربكم في مقتل… .

خلال قمة العشرين العشرين المنعقدة في تركيا، قدم بوتين أولى الدلائل على شركاء داعش التي سفكت الدم الروسي: "عرضت على زملائنا صوراً من الفضاء والطائرات تبيّن بوضوح أبعاد تجارة النفط ومشتقاته غير الشرعية، حيث تمتد قوافل السيارات والناقلات لعشرات الكيلومترات على مد البصر وتشاهد من على ارتفاع 4-5 آلاف متر… روسيا قدمت خلال قمة العشرين أمثلة لتمويل الإرهابيين في سوريه من قبل أشخاص من اربعين دولة، بما فيها دول من مجموعة العشرين”. عاد بوتين إلى موسكو، وأمامه جملة من التحديات التي يجب أن "يحدد” طبيعة ومستوى الردّ عليها، منها: بدأت واشنطن "بإستثمار” المجهود الحربي السوري-الروسي الذي أنهك داعش وقطع أوصالها وأفقدها القدرة على التوزيع "المتوازن” لإرهابييها في غير منطقة… من أبرز أمثلة هذا الإستثمار، فتح قنوات تسليحية وإستخبارية وسياسية مع عدة فصائل مسلحة في شمال وشرق سوريه أفضت إلى تشكيل "جيش سوريا الجديد”، و”قوات سوريا الديمقراطية”. ثانياً، داعش التي تقف خلف تفجير الطائرة الروسية لا يمكن أن تكون ذاتها التي تقف خلف أحداث باريس الأخيرة. ميدانياً ومنطقياً، لا يمكن لإداة إرهابية أن تضرب حلفين متصارعين في نفس الوقت وعلى ذات الميدان… وهنا تحديداً يتم التمييز بين العدوان الحقيقي وعدوان "الذريعة” كما في أحداث 11/9 أو في محاولة إغتيال السفير الصهيوني بلندن والتي كانت الذريعة لغزو لبنان العام 1982… كان ضرورياً بالنسبة لموسكو تحديد أي داعش ضربت في فرنسا، وبالتالي كيف سيكون ردّ الفعل الفرنسي: هل ستمد يدها لروسيا وسوريه أم ستجعل من "غزوة باريس” ذريعة لغزو سورية أم ستلجأ الى موقف "ملتبس” يراعي الوجود الروسي والضعف الفرنسي والغضب الشعبي… يسعى لأخذ موقع في "التسويات” المنتظرة لا الإنتقام من الارهاب والقضاء عليه؟.

إختارت باريس الموقف الملتبس حتى اللحظة، فقررت موسكو أخذ المبادرة، خصوصاً وأن كلمات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، كانت واضحة تماماً جداً وتشي بالكثير، إذ قال قبيل توجهه الى فيينا-2: إنّ الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه سيعتمد على التطورات الميدانية وعلى تضييق الخلافات الجوهرية بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى، حول مستقبل الرئيس السوري، بشار الأسد”. بعد الإجتماع الأمني في الكرملين الذي أعلن فيه رئيس جهاز الاستخبارات الروسية، ألكسندر بورتنيكوف، أن "عملاً إرهابيا” تسبّب في تحطّم الطائرة التي أوقعت 224 قتيلاً في 31/10 ؛ إتخذ بوتين القرار: "إن جريمة قتل مواطنينا في سيناء، واحدة من أكثر الجرائم دموية من حيث عدد الضحايا، ولن نمسح الدموع في قلوبنا وأرواحنا بسهولة، وستبقى معنا إلى الأبد، ولكن هذا لن يمنعنا من إيجاد ومعاقبة الجناة، يجب علينا ألا نضع أي حدود زمنية، ونحن بحاجة إلى معرفة جميع المرتكبين بالاسم وسوف نبحث عنهم في كل مكان، وأينما كانوا يختبئون في أي بقعة على هذا الكوكب سنعثر عليهم ونعاقبهم… نحذر جميع من سيحاولون مساعدة الإرهابيين من أنهم سيتحملون كامل المسؤولية عن انعكاسات ذلك… الضربات الروسية الموجهة ضد الإرهابيين في سورية يجب أن تتواصل وتزداد كثافة كي يدرك المجرمون أن الانتقام لا مفر منه… أطلب وزارة الدفاع والأركان العامة بتقديم اقتراحات بهذا الشأن وسأقوم بالتأكد من تنفيذ هذا العمل”. إنتقل بوتين إلى غرفة عمليات وزارة الدفاع الروسية المركزية ليراقب من هناك تحويل كلماته إلى أفعال… تشكيلة مرعبة من الصواريخ المجنحة والقاذفات الروسية المهيبة تفتح قوساً لم يغلق بعد عن جملة من الخطوات الميدانية-العسكرية والسياسية، منها:

1- يجب أن يكون الردّ الروسي الميداني المباشر، قاسياً ومدوياً وحاسماً… ويقدم مستوى من الردود يجعل أي جهة إرهابية أو دولة تفكر مئات المرات قبل أن تؤذي مواطني روسيا أو تستهدف مصالحها.

2- كسر قواعد الإشتباك في الميدان السوري أولاً وفي مجمل ساحات الصراع ثانياً، خصوصاً وأن خصوم روسيا يرفضون تعديلها بالتفاهم حتى اللحظة، ويظهر هذا بما أعلنه بوتين نفسه عندما قال: "ينتقدون قصفنا ولا يقدمون لنا البدائل”. سنشهد بداية للهجوم الشامل خلال الفترة القادمة، حيث ستشتعل جبهات عدة دفعة واحدة، وتدخل مطارات عسكرية جديدة الى قائمة المجهود الحربي، وترتفع وتيرة الغارات الى مستويات قياسية، ويبدأ مسلسل "دفع” أدوات الغزو الإرهابية من الداخل إلى الحدود الدولية وتحديداً تركيا.

3- رفع مناسيب الحضور العسكري الروسي في سورية إلى مستويات قياسية: كرفع عدد الطائرات القاذفة والمروحية ونوعيتها، زيادة في عدد الجنود والمستشارين الروس، التوسع في نشر المنظومات المدفعية والصاروخية والإرتقاء بنوعيتها، توفير منظومات رصد ومتابعة واستخبار بتحويل عشرة أقمار صناعية للتصوير والتجسس قادرة على توفير تدفق لحظي للمعلومات عن صورة الميدان… .

4- الشريك الإستراتيجي لروسيا في حربها على الإرهاب والقصاص من قتلة مواطنيها، الجيش العربي السوري، سيحظى بعملية تسليح واسعة جداً، كماً ونوعاً… تعيد له الإعتبار، وتعوضه عن جزء من التضحيات التي قدمها في هذه المعركة الكونية التي خاضها بالنيابة عن العالم أجمع… وخصوصاً حلفاء سورية وأصدقائها.

5- روسيا دولة عظمى وآن للعالم أن يراها وهي "تمارس” هذه العظمة ميدانياً، وستجعل من هذا العمل الإرهابي "فرصة ذهبية” لتصفية الكثير من الحسابات.

6- حتى وهي مصابة بفقدان أكثر من مائتي مواطن روسي، ستعمل موسكو على تقديم النموذج الحضاري للتعامل مع الأزمات… فلا إنتهاك لسيادة الدول، ولا خروج عن قواعد القانون الدولي… بل "ستستنفذ” إمكانات القانون الدولي –وهي واسعة جداً- لتظهر حجم التناقض بينها وبين النموذج الهمجي الأمريكي والغربي عموماً.

7- ربما ستجعل منظمة شنغهاي من هذه الجريمة المعبر إلى فرض نفسها كقوة أمنية-عسكرية-سياسية في عالم الغد.

أخيراً، بكل صراحة أعتقد بأن روسيا ستجعل من هذه الجريمة حدّاً فاصلاً في السياسة الدولية. روسيا "المجروحة” قادرة على فرض الوقائع في عدد من الملفات الملتهبة: الحرب على سورية، منابع الفكر الإرهابي ومصادر تمويله، الهندسة الإجتماعية لإعادة إنتاج الأنظمة والخرائط وحتى الشعوب، دور الأمم المتحدة وماهيتها… ستحاول القيام بذلك بالطرق الدبلوماسية التي لا تخلو من النقد اللاذع: (من الصعب لومنا حين يقولون لنا: أنتم توجهون ضرباتكم ليس الى هناك، ونحن نقول: قولوا لنا الى أين، سموا لنا الأهداف، لكنهم يرفضون… فإذا كنا نضرب المكان الخطأ، فقولوا لنا إلى أين يجب أن نوجه ضرباتنا، لكنهم لايقدمون لنا أي معطيات. فكيف إذاً من الممكن توجيه الانتقاد لنا؟… لهذا الرفض أسبابه، انهم يخشون من أن نخدع الجميع ونقوم بقصف تلك المناطق التي يحددونها لنا، وهذا النوع من التفكير يعكس تصورهم "الخاص” عن السلوك القويم). ولكن إذا ما فشلت هذه الجهود فإن أبواب الجحيم ستفتح، كانت أولى "نفحاتها” طائرات "تو-160″ و”تو-95″ و”تو-22″… ولن يكون آخرها صواريخ "اسكندر” أو منظومات الدفاع الجوي أس-400، التي ستغلق الأجواء السورية بوجه الطيران "الغربي” وتقلب موازين الصراع في "الشرق الأوسط” بالكامل.