هل يلفظ ’داعش’ انفاسه الاخيرة أم ينشط مجددا ؟
شارل أبي نادر - عميد متقاعد
ما يثير الاستغراب والدهشة والذهول مما يجري حاليًا في العالم بشكل عام وفي منطقتنا بشكل خاص هو هذا التسابق المحموم بين الحراك الميداني الذي يُنذر بتحولات وتبدلات جذرية على الارض وبين الحراك الديبلوماسي الذي وصل الى اعلى مستوياته الدولية ، وبين الحراك الارهابي الذي بدا وكأنه يفقد صوابه غير المتوازن اصلاً، معلناً حرباً حتى النهاية بوجه العالم والانسانية والقيم والاديان وكل ذلك باسم الدين ونصرة له .
ميدانيا، لا شك ان التقدم الذي يحرزه الجيش العراقي والحشد الشعبي والوحدات الكردية والاقليات المتحالفة معها في الشمال العراقي يدل على ان التنظيم الارهابي داعش على الطريق لخسارة قسم مهم من مواقع سيطرته على الاراضي العراقية حيث اكتمل منذ فترة اندحاره عن بيجي ومحيطها وبالامس انسحب مُكرهاً من مدينة سنجار شمالي العراق بعد معركة غير متكافئة بمواجهة الوحدات الكردية وبتغطية جوية مركزة من قوات الجو الاميركية. واليوم يلفظ انفاسه الاخيرة في الرمادي بعد اكتمال الحصار على المدينة وتضييق الخناق على وحداته فيها حيث بدأ الجيش العراقي ووحدات الحشد الشعبي يلامسان ميدانياً الاحياء الدائرية وسط المدينة .
في سوريا، تبدو الامور اكثر وضوحا من ان التنظيم الارهابي هو على الطريق وبشكل متسارع لخسارة اغلب مواقع انتشاره وذلك بعد التغطية الجوية المركزة والواسعة التي نفذتها طائرات الجو الروسية والسورية المشتركة معها، والتي مهّدت لتقدم بري ملفت في اكثر من موقع ومنطقة حيث المبادرة الميدانية على الارض اصبحت بيد الجيش السوري ولا يؤخر اكمالها السيطرة التامة الّا كثرة عدد هذه المواقع وامتدادها الجغرافي الواسع، بالاضافة لتداخل اماكن سكن المواطنين السوريين مع مراكز التنظيم واحتماء ارهابيي الاخير بهذه الاماكن المدنية.
من ناحية ثانية، ينشط الحراك الديبلوماسي بشكل واضح خصوصا بعد ما جرى مؤخرا من عمليات ارهابية في الضاحية الجنوبية لبيروت وما جرى بعدها مباشرة في باريس وليضاف كل ذلك الى السقوط المدوي للطائرة المدنية الروسية فوق سيناء والذي اثبتت التحقيقات مبدئيا حصوله نتيجة عمل إرهابي مدبّر .
هذا الحراك الديبلوماسي يبدو انه متجه الى انخراط جدي لاغلب الدول الاوروبية وعلى رأسها فرنسا بخطة مواجهة الارهاب بعد ان بات خطره يهدد وجود هذه الدول وليس فقط امنها وتوازن مجتمعاتها. وقد عبرت هذه الدول عن رغبة واضحة وجدية بتغيير استراتيجتها السابقة والتي كانت تقضي بغض النظر وبعدم الاكتراث لتعاظم قوة التنظيم الارهابي داعش تحريضاً وتجنيداً على اراضيها او انتقالاً منها وعلى مرأى من اجهزتها الامنية عبر الاراضي التركية الى اراضي ما يسمى بـ”دولة الخلافة”. وقد بدأوا فعلاً بالعمل على تغيير هذه الاستراتيجية من خلال اجتماعات مكثّفة لدول الاتحاد الاوروبي مجتمعة او لكل دولة على حدة لدراسة السبل الكفيلة باعطاء فعالية لهذه المواجهة وذلك من الناحية الامنية والقانونية والادارية والعسكرية والديبلوماسية والاجتماعية ، وها هم الان على الطريق للالتحاق بالركب الروسي المتقدم والصحيح في هذه المواجهة .
في المقابل، ما زال الرعاة الحقيقيون لهذا الارهاب ينظرون بعين الخبث والمكر لهذا المشهد غير المستحب بالنسبة لهم. وهم لم يهضموا بداية اندحار داعش وخسارته لمناطق سيطرته وخصوصا في سوريا فتدخلوا وكعادتهم من خلال فتح المعابر لدخول الارهابيين الذين هبوا لنصرة ما يسمى بدولة الخلافة من خلال تأمين الاسلحة الفعالة لمقاتلي داعش وللتنظيمات الارهابية الاخرى التي تدور في فلكهم لمواجهة التقدم البري للجيش السوري ولحلفائه على الارض، وايضا من خلال الابقاء على حماية مصادر التمويل المباشر لداعش او لمساعدته في تأمين متطلباته المالية لادارة حربه الارهابية الواسعة وذلك عن طريق حماية وتنظيم وتنسيق نقل وبيع النفط الداعشي عبر الحدود التركية ليصار الى تصديره عن طريق مرفأ جيهان التركي على البحر المتوسط بعناية حكومة اردوغان الراعي الرسمي لداعش. وهذا كان مدار تصويب واضح وصريح من الرئيس الروسي خلال محادثات قمة العشرين الاخيرة في إنطاليا حول طرق مواجهة الارهاب مما سبب لهم إحراجا فعبّروا وبابتسامات ماكرة وكاذبة اخفت في طياتها نيتهم بابقاء مبادرة التحكم بداعش بيدهم حيث اعتبروا وطبعا في داخلهم انه يعود لهم وحدهم الحق والقدرة على انهاء هذا الملف الشيطاني الذي خلقوه وذلك في الوقت الذي يرونه مناسباً وبالطريقة التي يعتبرون انها تلبي رغباتهم وخططهم
وهكذا وفي مقابل هذا التقدم الميداني لاستعادة السيطرة على المواقع التي استولى عليها داعش في كل من العراق وسوريا، والذي يترافق مع حراك ديبلوماسي واسع بدأ يتجه مؤخراً ليكون جدياً وفاعلاً للذهاب بالاتجاه الصحيح لمواجهة هذا التنظيم الارهابي، نجد استنفاراً ارهابياً واسعاً تمثّل بتهديد صريح لاغلب دول العالم بالقتل وبالدمار وبالتفجير، وبتوسيع دائرة التدخل الدموي وتنفيذ العمليات الارهابية المؤلمة حيث بدا وكانه تعبير ضمني عن ارادة قوى كبرى وفاعلة بايصال رسالة ملغومة للعالم اجمع مفادها ان من خلق هذا الوحش وزرعه في اماكن وجوده حالياً، ومن حماه ورعاه وساعده ليتمدد وليسيطر، لن يقبل وبهذه السهولة بأن ينزع منه احد الحق بالتحكم به وبتقرير مصيره وتحديد ساعة وتاريخ وطريقة نهايته.